مع بداية عامها ال71 تواجه جامعة الدول العربية تحديات كبيرة قد تدفعها نحو دائرة الشيخوخة، تشكل تهديدات خطيرة على كيانها ووجودها، حيت تعيش الجامعة أوقاتًا صعبة نتيجة للظروف الاستثنائية التى تعصف بالوطن العربى من تردى الأوضاع فى العراق وسيطرة داعش على مناطق متفرقة من البلاد، مرورًا بكابوس سورية ومخاطر تقسيمها وتحويلها لفيدرالية، والحرب الضروس التى تعانيها اليمن، وتقسيم السودان لشمال وجنوب من عامين. كل هذه التحولات الكارثية التى تهدد أمن واستقرار المنطقة، تمثل عبئًا خطيرًا على الجامعة العربية التى لم تعد قادرة على القيام بواجبها فى ظل انفراط العقد العربى وتشرذمه إلى دول متناحرة، وأخرى تقاوم وثالثة تترقب، وأحيانا تدلى بدلوها من أجل مصالحها الضيقة فتزيد الأمر تعقيدًا وصعوبة. تأتى الخلافات العربية وسوء الفهم العربى فى العلاقات العربية - العربية هو التحدى الأخطر، حيث تجد الجامعة العربية فى حيرة وشلل نتيجة لعدم قدرتها على رأب الصدع العربى، نتيجة لمحاولة بعض الدول فرض سيطرتها وهيمنتها على قرارات الجامعة العربية بسبب التمويل، سواء كان ضمن حصتها فى الميزانية الخاصة بالجامعة أو تمويلها لمشاريع إنسانية تابعة للجامعة فى الكثير من الدول العربية الفقيرة، فورقة التمويل باتت سيفًا مسلطًا على الجامعة العربية، وورقة ضغط تلجأ لها بعض الدول للتأثير على مخرجات الجامعة من قرارات لكى تصب فى مصالحها، فحتى الآن، على رغم مرور 4 أشهر من العام الجديد لم تسدد الدول العربية الأعضاء فى الجامعة حصتها السنوية فى الميزانية التى تصل إلى 62 مليون دولار سنويًا، باستثناء دولة الكويت، أما باقى الدول، خصوصًا الغنية مثل قطر والسعودية والإمارات لم ترسل حصتها السنوية بعد. ويأتى توجه الجامعة العربية وهو ما كشفه نائب الأمين العام أحمد بن حلي، وأيده المندوبون الدائمون للجامعة من السعى لغلق الجامعة ل9 مكاتب دبلوماسية فى الخارج أهمها أنقرة وجنوب أفريقيا ومالطا وبرلين ونيودلهى ومدريد من أجل ترشيد النفقات لتخفيف الأعباء عن كاهل الجامعة، مما يترتب على عملية الغلق فراغ دبلوماس وإعلامى فى الخارج، العرب فى أشد الحاجة إليه للتواصل مع الخارج، ومن مظاهر الأزمة المالية التى تواجهها الجامعة التفكير فى إنهاء العقود للموظفين غير الدائمين، والبالغ عددهم 800 موظف تقريبًا، فضلًا عن عدم حصول العاملين، سواء الدائمين، أو بالعقود على أي زيادات مالية طوال ال5 سنولت الماضية، وإن كان زيادة سعر الدولار بالمقارنة بالجنيه المصرى لم يجعل العاملوين يشعرون بأن مرتباتهم تحتاج إلى زيادات، حيث إنهم يتقاضون مرتباتهم بالدولار، الأمر الذى قد يدفعهم للمطالبة بزيادة المرتبات مع انخفاض الدولار، جدير بالذكر أن مرتبات العاملين تتراوح ما بين ال500 دولار للخدمات المعاونة حتى ال5 آلاف دولار لكبار الموظفين. وتضطر الجامعة إلى سحب من الاحتياطى النقدى لصرف مرتبات الموظفين، ويتردد أن عمرو موسى أسهم فى هذه الأزمة المالية، حيث تقاضى 5 ملايين دولار مكافأة نهاية الخدمة عن 10 سنوات قضاها فى الجامعة. ويحكى أن عمرو موسى عندما وصله شيك ب50 ألف دولار مكافأة نهاية الخدمة قام بتمزيق الشيك فى مكتبه وقال عمرو موسى لا يحصل على 50 ألف دولار، ورفض المبلغ وحصل على 5 ملايين دولار، كما يتردد أن الأمين العام المنتهي ولايته فى يوليو المقبل سيحصل هو الآخر على مكافأة نهاية الخدمة 2 مليون ونصف المليون عن 5 سنوات قضاها فى الجامعة، الأمر الذى يعمق الأزمة المالية فى الجامعة. كما طالت حالة التقشف التى تنتهجها الجامعة بعض القرارات التى أصابت العاملين بالإحباط نتيجة خفض قيمة مكافأة نهاية الخدمة من 3 شهور عن كل سنة إلى شهر فقط، إضافة إلى عدم خضوع العاملين بالجامعة إلى نظام التأمينات والمعاشات المعمول به فى الجهاز الإدارى بالدولة، مما يثير حالة من الغضب داخل أروقة الجامعة، الاتجاه إلى تقليص المصريين الذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة بالجامعة وعدم وصولهم للمناصب القيادية ويتم الاطاحة بهم ومنح المناصب القيادية إلى غير المصريين. يأتى التحدى الأكثر خطورة وجود تكتلات فى الوطن العربى مثل مجلس التعاون الخليجى، واتحاد دول المغرب العربى، قد يشكلان بديلًا فى يوم من الأيام عن الجامعة العربية عندما تزداد الهوة بين الدول الأعضاء وتزداد المشكلات والخلافات بينهم.. وقد كان تعيين أحمد أبو الغيط أمينًا جديدًا وما شاب عملية التعيين من لغط وانقسامات وخلافات بين وزراء الخارجية العرب، وعدم تحقيق التوافق الكامل عليه، كاشفًا لحالة التخبط العربى وافتقادهم للتجانس وتوحد وجهة النظر مما يمثل عبئًا ثقيلًا على أبو الغيط واختبارًا بالغ الدقة فى مدى قدرته على لم الشمل العربى وتضييق رقعة الشقاق والخلافات بين الأخوة العرب، الأمر الذى سيكون له مردود مؤلم على مدى استمرار الجامعة أو عدم استمرارها فى حال عدم نجاحه فى مهمته التاريخية، والأيام المقبلة هى التى ستحدد مصير الجامعة.