تطورات خطيرة شهدتها قضية سد النهضة الإثيوبى أثارت مخاوف الكثيرين، وشككت فى نوايا الإثيوبيين واستجابتهم لبنود اتفاقية إعلان المبادئ التى وقعت فى مارس 2015، خاصة أن إثيوبيا تطبق استراتيجية مدروسة بدفع مصر والسودان إلى المسار الفني، مما تسبب في تحقيق 50% من الأهداف، بسبب بداية خاطئة بنسبة 100% للمحادثات وبدون مبرر بموافقة الدولتين على الدخول في المفاوضات الفنية، بدلاً عن الإطار القانوني، وبالأمس كشفت مصادر أن آخر صور التقطتها الأقمار الصناعية لسد النهضة الإثيوبى منذ أيام قليلة، تؤكد بدء عملية التخزين الجزئى للمياه، خاصة مع انتهاء إثيوبيا من إنشاء توربينين كاملين وتشغيلهما وإطلاق المياه فيهما لتوليد الكهرباء، وتشغيل توربينين يعني رفع منسوب المياه فوق 40 متراً وراء السد وهو ما يعنى بدء عملية التخزين الجزئى فعلياً، وأكدت المصادر أن ارتفاع بوابات السد وصل إلى 170 متراً مما يؤكد أن إثيوبيا لن تستخدمها لتوليد الكهرباء فقط، بل لحجز المياه وتخزينها، وفى نفس الوقت علق الدكتور حسام مغازى، وزير الموارد المائية والرى، على مرور المياه من بوابات سد النهضة، بأنه لا توجد معلومات لدى مصر عن بدء التخزين، مشدداً أن هذه الخطوة لا تعنى بدء التخزين فى بحيرة السد، مما يؤكد أن هناك غموضاً فى نوايا الإثيوبيين. وكان لابد من توضيح الأمور على المستوى الدولى، وأى الطرق تسلكها مصر فى ظل هذه الأجواء الغامضة، لذلك كان هذا الحوار مع الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية خلال المحادثات السداسية في الخرطوم حول سد النهضة الإثيوبي. ما مدي التزام إثيوبيا بتنفيذ اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة الموقعة في الخرطوم 23 مارس 2015؟ - تتحمل جميع الدول واجباً دولياً هو أن تنفذ بحسن نية الالتزامات الناجمة عن المعاهدات وعن مصادر أخرى للقانون الدولي ولا يجوز لأية دولة اللجوء إلى نصوص في دستورها أو قوانينها كعذر لإخفاقاتها في تنفيذ هذا الواجب. ومن أقدم المبادئ في القانون الدولي مبدأ وجوب احترام المعاهدات حتى إن كانت هناك خلافات في الرأي بالنسبة إلى الطبيعة المطلقة لهذا المبدأ والظروف التي يمكن بموجبها التخلي عنه بصورة قانونية، ويمثل واجب احترام الالتزامات بحسن نية شرطاً جوهرياً وأساسياً لأي نظام قانوني على الرغم من اتساع نطاقه قد يكون موضوعا لتفسيرات مختلفة. ما رأيك في المزاعم المتكررة لإثيوبيا بخصوص سيادتها المطلقة علي نهر النيل وحريتها في إقامة المشروعات الوطنية لأجل التنمية؟ - على كل دولة تقبل عضويتها في محيط الأمم المتحضرة أن تفهم أنها لا تتمتع فقط بحقوق السيادة والكرامة ذات الطابع الوطني وإنما عليها أن تلزم نفسها بأن تحترم احتراماً تاماً تلك المبادئ والقوانين والأعراف التي اعتمدتها الدول المتحضرة ومن بين هذه المبادئ والقيم المشتركة، أنك إن ملكت حقاً فلا يمكنك الإضرار بالغير، والغير هنا الجماعة الدولية برمتها، ومن بينها بالطبع مصر دولة المصب لحوض النيل ذات الموقع الجغرافي العصيب التي أقرت كافة أحكام القانون الدولي لها بحقوق متميزة عن سائر دول حوض النهر الدولي. في حال إصرار دولة ما علي انتهاك المبادئ والأعراف الدولية المستقرة وهددت ركائز النظام العام الدولي.. كيف يتصرف المجتمع الدولي حيالها؟ - ما لم تتخذ إجراءات فورية «سياسية واقتصادية وعسكرية» من قبل المجتمع الدولي تجاه الدولة الجانحة لإعادتها إلى احترام أحكام القانون, فإن الرأي العام العالمي يميل خلال فترة قصيرة إلى نسيان انتهاك هذه الأحكام. هنا علي الدولة المتضررة – مصر - أن تذكر المجتمع الدولي بمسئولياته في هذا الصدد، وتنبيهه أن من شأن التعنت الإثيوبي أن يهدد ليس فقط المصالح الذاتية المصرية، بل يمكن أن يفضي الي الفوضي والخروج عن النظم العالمية التي استقرت عليها الأمم المتحضرة، والخرق السافر الجسيم لميثاق منظمة الأممالمتحدة. هل أبدت حتي الآن إثيوبيا أي بوادر لحسن النية أو لبناء الثقة مع مصر في قضية سد النهضة؟ - مبلغ علمنا ووفقاً للتصريحات الرسمية الإثيوبية فقد أجل البرلمان الإثيوبي مصادقته علي اتفاقية عنتيبي للتعاون الإطاري لدول حوض النيل الموقعة في مايو 2010 حتي تستقر الأوضاع في مصر ويلتئم البرلمان المصري وتشكل حكومة منتخبة بعد ثورة 25 يناير 2011. لكن ما نعلمه أن مصر طلبت من إثيوبيا تعليق بناء السد مؤقتاً لحين الانتهاء من التقارير الفنية للمكاتب الاستشارية لكن إثيوبيا رفضت العرض المصري، وقبلت فقط تأجيل الملء الأول للسد. ما جدوي أو القيمة القانونية للتصريحات الانفرادية الشفهية الإثيوبية بشأن عدم الإضرار بحصة مصر في النيل؟ - إن كافة التصريحات الرسمية التي صدرت عن المسئولين الإثيوبيين، والتي حاولت تطمين مصر، والرد علي المخاوف المشروعة للمصريين كافة، من الأضرار المستقبلية لسد النهضة، والتي لا تنحصر فقط في مقدار الحصة المائية التي تنتفع بها مصر، وبعد أن تم تحديدها في الاتفاقية الدولية بين مصر والسودان عام 1959، يمكن اعتبارها بينة لا تحتمل أي تأويل، في معرض دفاع المفاوض المصري في أي محطة قادمة في مجال تسوية الخلاف القانوني القائم، بشأن تنفيذ اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة الإثيوبي. من المؤكد أن الدبلوماسية المصرية فطنة ومحتاطة، لكافة التصريحات التي صدرت عن المسئولين الإثيوبيين، وفي مناسبات عديدة وبخصوص سد النهضة. حيث ثارت في الأونة الأخيرة العديد من التساؤلات المشروعة لدي الشارع المصري بخصوص إصرار إثيوبيا علي المضي قدماً في بناء سد النهضة، والاكتفاء من جانبها بتطمين مصر فقط بالتصريحات الشفاهية غير الموثقة، يتعهد من خلالها المسئولون الإثيوبيون بعدم الإضرار بمصر، من خلال أكبر مشروع وطني تقيمه الدولة الإثيوبية في تاريخها. لقد أكد رئيس الوزراء الإثيوبي، هيل ماريام دسالين، في 5 أكتوبر 2013، عمق العلاقات بين إثيوبيا ومصر، متوقعاً أن تسهم مصر والسودان في بناء سد النهضة «لأنه بمثابة ملكية مشتركة وأنه مورد يتعين أن نستخدمه معاً»، على حد قوله، مشيراً إلى أنه يتعين على المصريين ألا يقلقوا من بناء هذا السد، وألا يشعروا بأن إثيوبيا ستلحق الضرر بهم لأن هذا شعور زائف. وأكمل: «نقول إنه يمكننا أن ننمو معاً، ويمكننا أن نزدهر معاً، ويمكن أن نشارك في مواردنا المشتركة لأن تاريخنا مشترك ومستقبلنا مشترك، وإنه بهذه العقلية فإن الموارد المشتركة يتعين استخدامها بطريقة لا تضر بأي أحد إذا كان ذلك ممكناً من الناحية الفنية ومن الناحية السياسية، وأن ما نعتقده هو أنه يجب أن يكون هناك التزام بذلك. كما صرح رئيس الوزراء الإثيوبى لإذاعة صوت روسيا: العلاقات مع مصر متوترة بسبب «سد النهضة».. والمصريون يخشون حصول إثيوبيا على حصتهم من النيل.. والسد يحتوى على أخطاء لكنه لا يضر بأى بلدان أخرى. أما في 23 مارس الماضي فقد صرح «رئيس الوزراء الإثيوبي»: رسالتي للشعب المصري أن سد النهضة لن يضر بمصالحكم.. وأكد رئيس وزراء إثيوبيا أثناء جلسة توقيع وثيقة إعلان المبادئ بالخرطوم أن سد النهضة لن يسبب أي ضرر لمصر وشعبها وكذلك شعب السودان وأن وثيقة إعلان المبادئ تعزز الثقة بين إثيوبيا ومصر والسودان، لافتاً إلى أن وثيقة إعلان المبادئ تضع الأساس للتعاون بين الدول الثلاث. وعقب وزير الخارجية الإثيوبي، تيدروس أدهانوم، في 27 يونية 2014 حول البيان المشترك الذى أصدره السيسى ورئيس وزراء إثيوبيا، في غينيا الاستوائية، إنهم سيتجنبون أى ضرر ممكن قد يسببه سد النهضة على استخدام المياه لمصر. لقد تناولت أحكام القانون الدولي العام، «الأعمال الانفرادية» التي تصدر عن الدول بوصفها مصدراً للموجبات الدولية، أي الالتزامات التي تفرض علي الدول مسئولية معينة تجاه من صدرت تجاهه هذه الأعمال الانفرادية، خاصة الدول ذات السيادة الشخص الأول من أشخاص القانون الدولي. إن هذه الأعمال – التصريحات الرسمية لممثلي الدول - تمثل تعبيراً عن إرادة مسندة إلى الدولة وتستهدف أن تنتج بصورة عمدية آثاراً قانونية, لذا فمن غير المتصور أن تتملص أي دولة ذات سيادة من التصريحات الرسمية التي صدرت عن مسئوليها، خاصة الممثلين لهذه الدولة في علاقاتها الدولية الخارجية. إن الوعد الانفرادي واحد من التعهدات المستقلة عندما تتوافر فيها بعض الشروط وتصبح ملزمة لمن أصدرها الذي لم يستند فيها على تعهده.. إن السوابق الأكثر شهرة هي الإعلان المصري في 24 نيسان 1957 حول قناة السويس، الذي صدر بعد حرب السويس، وإعادة افتتاح قناة السويس للملاحة، والتصريحات الفرنسية لسنة 1974 عن التفجيرات النووية في الفضاء.. في الحالة الأخيرة أقرت محكمة العدل الدولية القيمة الإلزامية للوعد الانفرادي للدولة على أساس حسن النية, شرط أن يعبر بوضوح عن نية صاحبها وأن يصدر ذلك علناً، والعنصر الجوهري في التعهد الدولي هو نية الطرف الملتزم وبصورة خاصة بالنسبة للقانون الدولي, فإن النية يمكن التعبير عنها بأية وسيلة. وأشار إلى أن محكمة العدل الدولية في قضية التجار النووية الفرنسية, عدت إعلانات وزير الدفاع الفرنسي تعهداً من فرنسا على الصعيد الدولي، إذن فإن لها تفسيراً مرناً للقواعد الداخلية والدولية المتعلقة بتوصيف الأعمال الانفرادية, من حيث المبدأ, بأنها تلك الصادرة وحدها عن رئيس الدولة أو الحكومة ووزراء الخارجية, حيث يمكنهم إلزام الدولة على الصعيد الدولي دون أن يملكوا تفويضاً كاملاً، وعليه فإن الدولة يمكن أن تجد نفسها ملتزمة على الصعيد الدولي بموجب إعلان انفرادي من وزير دون أن تنص القواعد الدستورية على تدخل رئيس الدولة أو البرلمان في إجراءات لإبرام الاتفاقيات الدولية، ويمكن الاستنتاج من كل ذلك بأن رجال الدولة يجب أن يركزوا انتباههم الشديد على الآثار القانونية الدولية لبعض تصريحاتهم, ويتعين بصورة خاصة التأكيد بأن القانون الدولي قد طور جميع صور التعهد الدولي للدولة, وهذا ما تستفيد منه هيئات السلطة التنفيذية تبعا لمبدأ فصل السلطات. ما أهم البنود القانونية التي أتت بها اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة في صالح مصر؟ - إن الإنجاز الحقيقي للمفاوض المصري في هذه الاتفاقية، إصراره بفهم كامل علي تضمينها نصوص المادتين 5 و7 من اتفاقية الاستخدامات غير الملاحية للمجاري الدولية لعام 1997, ويلاحظ ذلك سريعاً كل ذي فطنة بمجرد مطالعته بالمبدءين 3 و4 من اتفاقية إعلان المبادئ, وفيهما تم التأكيد على مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول، ومبدأ عدم الضرر، وبمطالعة نصوص الاتفاقية نجد أنها أكدت على مبدأ التعاون والتأكيد أن الغرض من السد هو توليد الكهرباء, كما تعهدت الدول بتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء حول الدراسات الموصى بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع, كما أكدت الاتفاقية على الاتفاق فيما يخص الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول للسد التي ستشمل كافة السيناريوهات والتأكيد على أولوية دول المصب في شراء الطاقة المولّدة من سد النهضة وغير ذلك من الأحكام, وهنا لا يجوز لكائن من كان أن يحاجج أو يدفع بأن توصيات هذه اللجنة غير ملزمة لأي طرف من الأطراف, بعد هذه العبارات الحاسمة القاطعة التي تستدعي من كل ذي لب التعقل بدلاً عن الاندفاعة والحماسة التي لا تنفع بل تضر. بعض شيوخ القانون في مصر زعموا أن الاتفاقية مجرد إعلان نوايا ولا تكتسب أية إلزامية قانونية علي أطرافها.. ما تعليقكم؟ - الحديث أن اتفاقية إعلان المبادئ ليست اتفاقية دولية ملزمة، هذا الزعم لا يعدو إلا أن يكون جهلاً فاضحاً بقانون المعاهدات الدولية تحديداً، ونحيل الجميع إلي نص ديباجة الاتفاقية محل الاتهام بل التجريم من بعض غير المتخصصين، فقد أشارت ديباجة الاتفاقية إلي أن الدول الأطراف تتعهد بتنفيذ المبادئ التالية، فهل عبارة «تتعهد بتنفيذ» غير واضحة؟ من نافلة القول أن نشير أنه ربما التبس الأمر علي بعض الباحثين الذين خلطوا بين «اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة»، التي تم توقيعها بين دول ذات سيادة وسلطان، واتجهت إرادتهم إلي إحداث آثار قانونية ملزمة تجاههم، وبين «إعلانات المبادئ» أو «الإعلانات»، التي تصدر بموجب قرارات المنظمات الدولية، التي لا تحوز بالطبع ذات القوة الإلزامية التي تحوزها المعاهدات، علي الرغم من ذلك فقد اعتبر بعض الفقهاء أن الإعلانات الصادرة عن المنظمات الدولية خالقة لالتزامات في مواجهة الدول أعضاء هذه المنظمات. يعيب البعض علي الاتفاقية تضمينها لوسائل تسوية المنازعات الناتجة عن تفسير أو تنفيذ الاتفاقية وكلها وسائل دبلوماسية غير إلزامية؟ - تساؤل وقلق مشروعين، فقد نص البند العاشر أنه في حالة النزاع حول تفسير أو تنفيذ أي نص يتم اللجوء إلى التفاوض وإذا لم يتم التوصل إلى حل يتم اللجوء إلى التوفيق أو إلى الوساطة أو رفع الأمر لعناية رؤساء الدول الثلاث. وما من شك أن ما ينجم عن الوسيط أو ما يصدر عن لجنة التوفيق أو التحقيق، هو محض توصيات لها قيمة أدبية لا تتمتع بالإلزامية القانونية, وهذه في نظر البعض الثغرة الأكبر في بنيان الاتفاقية, بيد أن الجميع أغفل أنه إذا كان القضاء الدولي بشقيه المحاكم أو التحكيم يعد الوسيلة الإلزامية على الدول في مجال تسوية نزاعاتها, بيد أن الحقيقة المجردة الراسخة أن سرعة البناء لذلك المشروع الضخم هي أسبق في كل الأحوال من سرعة إجراءات اللجوء إلى التحكيم أو القضاء, وهذه الحقيقة القانونية والمادية أيضا أغفلها كل المنتقدين للاتفاقية دون استثناء وبمختلف مشاربهم وحقولهم. والمثال الذي يضرب في ذلك الصدد أن محكمة العدل الدولية قضت في النزاع بين دولة قطر ودولة البحرين حول تحديد الحدود البحرية بينهما بعد إحالة النزاع وقبول اختصاص المحكمة من طرفي النزاع بعدما يناهز ثمانية أعوام.