تعثرت مفاوضات سد النهضة الإثيوبى، حتى إن وزير الخارجية سامح شكرى وصفها فى حواره مع «الاهرام» بانها فى مفترق طرق، أى لم تصل بعد الى الجدية وتنفيذ التعهدات التاريخية والقانونية للحفاظ على حصة مصر من مياه النيل ،مما أثارفى الآونة الأخيرة العديد من التساؤلات المشروعة لدى الشارع المصرى ، بخصوص إصرار إثيوبيا على المضى قدما فى بناء سد النهضة، والاكتفاء من جانبها بطمأنة مصر فقط بالتصريحات الشفاهية غيرالموثقة، يتعهد من خلالها المسئولون الاثيوبيون بعدم الاضراربمصر، من خلال أكبر مشروع تقيمه الدولة الإثيوبية فى تاريخها، ولكن هل لهذه التصريحات صفة الإلزام فى القانون الدولى ، أم هى لكسب الوقت وفرض سياسة الامر الواقع من خلال الجانب الاثيوبى. يعرض هذه القضية الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى قائلا: قبل أيام قليلة من انعقاد الجولة القادمة للمفاوضات السداسية فى الخرطوم يومى 27 و28 ديسمبر للدول الثلاث الموقعة على اتفاقية اعلان المبادئ لسد النهضة مصر، والسودان، وإثيوبيا، تبدى القلق بشعب دولة المصب «مصر» بشأن الأمن المائي، بل الأمن الوجودى للدولة التى منحتها الطبيعة، والجغرافيا، والقانون، والمنطق الحقوق الأولى قبل أية حقوق أخرى تدعيها دولة أخرى فى حوض النيل، وقبل عرض الطبيعة القانونية لهذه التصريحات الرسمية للعديد من المسئولين الاثيوبيين، نعرض لأهم هذه التصريحات، تصريحات إثيوبية واضاف: لقد أكد رئيس الوزراء الإثيوبي، هيل ماريام دسالين،فى 5 أكتوبر2013، عمق العلاقات بين إثيوبيا ومصر، متوقعًا أن تسهم مصر والسودان فى بناء سد النهضة «لأنه بمثابة ملكية مشتركة وأنه مورد يتعين أن نستخدمه معًا»، على حد قوله، مشيرًا إلى أنه يتعين على المصريين ألا يقلقوا من بناء هذا السد، وألا يشعروا بأن إثيوبيا ستلحق الضرر بهم وإن ما نعتقده هو أنه يجب أن يكون هناك التزام بذلك، كما صرح رئيس الوزراء الإثيوبى لإذاعة صوت روسيا العلاقات مع مصر متوترة بسبب «سد النهضة».. والمصريون يخشون حصول إثيوبيا على حصتهم من النيل، والسد يحتوى على أخطاء لكنه لا يضر ثمة بلدان أخرى، أما فى 23 مارس الماضى فقد صرح «رئيس الوزراء الإثيوبي»: رسالتى للشعب المصرى أن سد النهضة لن يضر بمصالحكم، وأكد رئيس وزراء إثيوبيا أثناء جلسة توقيع وثيقة إعلان المبادئ بالخرطوم أن سد النهضة لن يسبب أى ضرر لمصر وشعبها، وكذلك شعب السودان وأن وثيقة إعلان المبادئ تعزز الثقة بين إثيوبيا ومصر والسودان، لافتا إلى أن وثيقة إعلان المبادئ تضع الأساس للتعاون بين الدول الثلاث، وعقب وزيرالخارجية الأثيوبى تيدروس أدهانوم، فى 27 يونيو 2014 حول البيان المشترك الذى أصدره السيسى ورئيس وزراء إثيوبيا، فى غينيا الإستوائية، إنهم سيتجنبون أى ضررممكن قد يسببه سد النهضة على استخدام المياه لمصر». القانون الدولى والمسؤلية الاثيوبية . لقد تناولت أحكام القانون الدولى العام، «الأعمال الانفرادية» التى تصدرعن الدول بوصفها مصدرا للموجبات الدولية، أى الالتزامات التى تفرض على الدول مسؤولية معينة تجاه من صدرت تجاهه هذه الأعمال الانفرادية، خاصة الدول ذات السيادة «أى الشخص الأول من أشخاص القانون الدولي». والأعمال الانفرادية وفقا للقانون الدولى هى الأعمال الصادرة عن أحد أشخاص القانون الدولي, دولة أو منظمة دولية, وهدفها تحديد موقف الفاعل لمسألة من مسائل القانون أو الواقع، ولو أنها لم ترد فى المادة- 38- من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية, فإن هذه الأعمال تشكّل مصدرا للقانون الدولي، سواء بصورة مباشرة إلزامية أو بشكل عنصر مساهم فى صياغة مبدأ دولي، إن العمل الإنفرادى للدولة, يختلف تبعا لاتخاذه فى إطار العلاقات الدولية العامة،أوضمن إطار خاص لمنظمة دولية، فى الحالة الأولى فإن الدول تتخذ موقفا تجاه غيرها من الدول عن فعل أو حالة، بينما تعبر الحالة الثانية عن نيتها تجاه المنظمة الدولية نفسها أو أعمالها، إن هذه الأعمال تمثل تعبيرا عن إرادة مسندة إلى الدولة، وتستهدف أن تنتج بصورة عمدية آثارا قانونية, لذا فمن غيرالمتصور أن تتنكر أية دولة ذات سيادة من التصريحات الرسمية التى صدرت عن مسئوليها، خاصة الممثلين لهذه الدولة فى علاقاتها الدولية إن قضية (جرينلاند الشرقية) تشكل سابقة تاريخية فى هذا الموضوع، إن محكمة العدل الدولية الدائمة أقرت بالقرار الصادرعنها فى 3 أبريل 1933، بأن الدولة يمكن أن تلزم تجاه دولة أخرى بموجب عمل انفرادى إن كان هذا الغير قد وظفه لصالحه. أن الوعد الانفرادى واحد من التعهدات المستقلة، عندما تتوافر فيها بعض الشروط وتصبح ملزمة لمن أصدرها، الذى لم يستند فيها على تعهده، إن السوابق الأكثر شهرة هى الإعلان المصرى فى 24 أبريل 1957 حول قناة السويس، والذى صدربعد حرب السويس، واعادة افتتاح قناة السويس للملاحة، والتصريحات الفرنسية لسنة،1974عن التفجيرات النووية فى الفضاء، فى الحالة الأخيرة أقرت محكمة العدل الدولية القيمة الإلزامية للوعد الانفرادى للدولة، على أساس حسن النية, شرط أن يعبر بوضوح عن نية صاحبها وأن يصدر ذلك علنا، والعنصر الجوهرى فى التعهد الدولى هو نية الطرف الملتزم وبصورة خاصة بالنسبة للقانون الدولي, فإن النية يمكن التعبير عنها بأية وسيلة. التزام الدول بتصريحات مسئوليها. إن محكمة العدل الدولية فى قضية التجارب النووية الفرنسية, عدت إعلانات وزير الدفاع الفرنسى تعهدا من فرنسا على الصعيد الدولي، إذن فإن لها تفسيرا مرنا للقواعد الداخلية والدولية المتعلقة بتوصيف الأعمال الانفرادية, من حيث المبدأ, بأنها تلك الصادرة وحدها عن رئيس الدولة أو الحكومة ووزراء الخارجية, حيث يمكنهم إلزام الدولة على الصعيد الدولى دون أن يملكوا تفويضا كاملا، وعليه فإن الدولة يمكن أن تجد نفسها ملتزمة على الصعيد الدولي، بموجب إعلان انفرادى من وزير دون أن تنص القواعد الدستورية على تدخل رئيس الدولة أو البرلمان فى اجراءات لإبرام الاتفاقيات الدولية. وختاما، فان كافة التصريحات الرسمية التى صدرت عن المسئولين الاثيوبيين، يمكن اعتبارها بينة لا تحتمل أى تأويل، فى معرض دفاع المفاوض المصري،فى أية محطة قادمة فى مجال تسوية الخلاف القانونى القائم، بشأن تنفيذ اتفاقية اعلان المبادئ لسد النهضة الإثيوبى.