فى ضوء العديد من التخوفات المثارة بشأن وثيقة إعلان المبادئ الخاصة بسد النهضة الإثيوبى التى من أبرزها: أنها جاءت لصالح الجانب الإثيوبى الذى حصل من خلالها على اعتراف دولى بتمويل السد، إلى جانب كونها لم تفرض أى التزامات على إثيوبيا، بل تنسف اتفاقيات المياه القديمة التى تضمن حقوق مصر، وانتهت دون أن تحدد نصيبنا من المياه أو السعة التخزينية للسد، فضلاً عن نصها على الاحتكام ل «حسن النية» لا للمحاكم الدولية كان علينا طرح هذا التساؤل: «ماذا لو لم تلتزم إثيوبيا بالاتفاقية الموقعة»؟ فى هذا السياق أورد الخبراء عددا من الخيارات المطروحة أمام مصر للرد فى حال عدم التزام إثيوبيا ببنود الوثيقة، فى البداية أعرب السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية سابقاً، عن مخاوفه من تأثير التناول الخاطئ لاتفاقية إعلان المبادئ الخاصة بسد النهضة قال: علينا أن ندرك أولاً أن وثيقة إعلان المبادئ الخاصة بأزمة السد ليست اتفاقاً ملزماً لأى من الدولتين، وعلى الرغم من ذلك نقل البعض الحدث وكأن مصر أعطت موافقة نهائية لدولة إثيوبيا على استكمال بناء سد النهضة وهذا أمر فى منتهى الخطورة، فما حدث فى الخرطوم يعد توقيعا على وثيقة للإعراب عن إبداء التعاون والثقة فقط وكلها صيغات تندرج فى إطار النوايا وليست الالتزامات القانونية. وأضاف: الالتزامات القانونية تصب فى صياغات وأطر تختلف تماماً عن الوثائق العامة والخطب لأن مصالح الدول أكبر من حملات العلاقات العامة، وهذه الوثيقة خطوة مبدئية لبناء الثقة بين مصر وإثيوبيا. وحذر السفير معصوم من الإفراط فى التفاؤل لأسباب تتعلق باستمرار إثيوبيا فى بناء السد والمماطلة فى اعتماد المكتب الاستشارى الفنى الذى يقرر الأضرار المترتبة عليه، وكذلك لعدم وجود اتفاقية قانونية تلزمها، مشيرا إلى أن مصر قدمت الكثير فى الملف وأعلنت بشكل واضح عن تعاونها وعدم وجود مانع لديها من بناء السد وبقى على إثيوبيا قبولها والتزامها بما سيقرره المكتب الاستشارى وأن تبدى تعاونها معه خاصة أن مهمته تتمثل فى تحديد الأضرار البيئية الناجمة وعوامل الأمان خاصة أن هناك دراسات تتحدث عن انهيار السد الذى قد يؤدى بدوره إلى انهيار السد العالى. وتابع قائلاً: لا يمكن اختصار الحلول فى إعلان النوايا فقط، وإنما فى إعداد صياغة قانونية محددة تضمن ألا يتسبب السد فى ضرر لدول المصب وأن يتوقف المشروع لحين البحث عن وسيلة لتقليل المخاطر، لافتاً إلى أن مصر لديها العديد من الخيارات فى حال عدم التزام الجانب الإثيوبى فهى حتى الآن لم تستغل كل قدراتها الدبلوماسية على المستوى الدولى لحصار إثيوبيا وإثارة القضية على المستوى الأفريقى وعلى المستوى الدولى أمام مجلس الأمن والمحكمة الدولية وبإقناع المجتمع الإقليمى فى أفريقيا وكذلك الدولى بأنه يمثل خطرا على مصر، وليس من حق إثيوبيا المساس بالحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل، التى تحميها الاتفاقيات والقوانين الدولية، والمعاهدات المشتركة لدول الحوض، التى تمنع قيام أى دولة من دول الحوض بتنفيذ أية مشروعات دون الاتفاق مع بقية الأطراف، منعاً للإضرار بها. وفيما يتعلق بالخيار العسكرى كأحد الحلول أكد السفير معصوم مرزوق أنه غير مطروح لأنه وفقاً لميثاق الأممالمتحدة فإن الدول ينبغى أن تلجأ فى حل مشاكلها ونزاعاتها بالطرق السلمية ويأتى الحل العسكرى فى حال فشل كل الحلول الأخرى. من جهته أوضح الدكتور أيمن سلامة خبير القانون الدولى أن الاتفاقية الموقعة فى الخرطوم هى اتفاقية مبادئ إرشادية للدول الثلاثة مصر - السودان - إثيوبيا الأطراف الموقعة عليها وبناء عليها ستقوم تلك الدول فى المستقبل بإبرام برتوكولات تفصيلية لما جاء فى الوثيقة من مبادئ عامة كخطوة أولى، مشيراً إلى أنه فى حال حدوث أى خلاف أو عدم التزام من جانب أى طرف، فإن الاتفاق يضمن آليات محددة لتسوية النزاعات بين الأطراف الموقعة تتمثل فى التشاور والتفاوض والوساطة والتوفيق، أو يتطور الأمر فى حال فشل الأطراف الثلاثة فى حل النزاع فيحال إلى رؤساء الدول الثلاثة، وهم من سيقومون بتسوية النزاعات. ونوه سلامة إلى أن وثيقة إعلان المبادئ تتضمن اللجوء إلى وسائل سلمية فى حال وجود خلاف حول تنفيذ بنودها تتمثل فى وسائل دبلوماسية منصوص عليها فى الاتفاقية هى التشاور والتفاوض وغيرها من أدوات تلعب فيها الدبلوماسية دورا كبيرا، ولكنها لم تذكر وسائل قضائية مثل التحكيم الدولى أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية معتبرا أن ذلك قد يشكل خطرا فى المستقبل لأن الوسائل الدبلوماسية غير إلزامية للدول بينما الوسائل القضائية تنصاع الدول لها كما حدث فى قضية استعادة طابا حيث تم الاحتكام فيها إلى الشرعية الدولية والقضاء الدولى. وتابع: ومع ذلك لا يمكن أن نهمل إيجابية المفاوضات فى السرعة والحسم الذى قد يتحقق فى مدى زمنى قصير حال توافر مبدأ الثقة وحسن النوايا. لافتاً إلى أن المشكلة التى تترقب لها مصر تتمحور حول المسائل الفنية العالقة بعد ورود تقارير المكتب الاستشارى بشأن أسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوى بطريقة تضمن عدم الإضرار بدولتى مصر والسودان، مشيرا إلى أن الاتفاقات اللاحقة ستشهد مرحلة جديدة من المفاوضات قد تكون أصعب وأخطر من سابقتها. ويرى السفير جمال بيومى، مساعد وزير الخارجية الأسبق أن العقوبات تقوض الثقة وتنتهك العلاقات الدولية، كما لا يستبعد احتمالات اللجوء إلى التحكيم الدولى ومجلس الأمن فى حال إخلال أى طرف بحق الطرف الآخر وقال: إن المفاوضات بين مصر وإثيوبيا رسخت مبدأ الثقة وتضمن الاتفاق للمرة الأولى حق تبادل المعلومات بين الدولتين، وهذا لم توافق عليه إثيوبيا من قبل كما نصت اتفاقية إعلان المبادئ الخاصة بأزمة السد على التعهد بعدم إضرار أى دولة من الدول الثلاث بأى دولة أخرى، حيث نصت الوثيقة على: سوف تتخذ الدول الثلاث جميع الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب فى ضرر ذى شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق/ النهر الرئيسى كما نصت على أنه: فى حال حدوث ضرر ذى شأن لإحدى الدول، فإن الدولة المتسببة فى إحداث هذا الضرر عليها -فى غياب اتفاق حول هذا الفعل- اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسباً. وأضاف السفير بيومى: وما عدا ذلك تبقى هناك مشكلتان، أولهما لها علاقة بتقرير المكتب الاستشارى الذى سيتولى إعداد الدراسة المائية والبيئية لسد النهضة الذى سيحدد ما قد ينتج عنه من أضرار، والمشكلة الثانية هى التفاوض بشأن سعة تخزين السد والفترة الزمنية لملئه بعد قيام إثيوبيا بزيادة السعة للضعف، حيث تطالب مصر بألا تزيد على 41 مليار متر مكعب، بينما الخطط الإثيوبية تسير على أساس 47 مليار متر مكعب. واستبعد بيومى عدم التزام إثيوبيا بالاتفاقية الموقعة، مؤكداً أنه فى حال عدم التزامها بتقرير المكتب الاستشارى الذى سيتم اختياره لتحديد المخاطر فإن أول من يضار ستكون هى دولة إثيوبيا إذا افترضنا أن السد له أضرار على القشرة الأرضية الأمر الذى يؤدى إلى انهياره، ففى هذه الحالة سوف يكون الخطر كارثيا عليها وعلى السودان، حيث تغرق وتختفى مدينة بكاملها هى مدينة الخرطوم وفى نفس الوقت تخسر التكلفة الإجمالية للمشروع التى تجاوزت ال 04 مليارا، ومن جانب آخر فإثيوبيا تعلم جيدا أن حصة مصر من المياه 55 مليار متر مكعب من 0081 مليار متر مكعب مقدار المياه فى تلك المنطقة. وأكد السفير بيومى: نحن الآن فى مرحلة الحل الدبلوماسى وإذا فشل التفاوض سنرفع الخلاف لمرحلة أخطر وهى التحكيم والضغط الدولى على إثيوبيا. من جانبه استبعد الدكتور هانى رسلان، رئيس وحدة الدراسات الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الحل العسكرى مشيراً إلى أن الرد فى حالة عدم الالتزام الإثيوبى سيكون بلجوء مصر للاتحاد الأفريقى ومجلس الأمن، وفى جميع الأحوال فإن التحرك المصرى فى أى اتجاه ستكون له مصداقية لأن مصر بذلت جهودا كبيرة لحل الأزمة والاتفاق الأخير كرس هذه المسألة. وشدد رسلان على أن إعلان المبادئ الحالى لم يفرض قيوداً على مصر، بل صب فى مصلحة تحسين صورتها دولياً لما أبدته من نوايا حسنة وتعاون يعزز موقفها، وأشار إلى أن مشروع سد النهضة ينبغى التعامل معه كمنشأة ذات طابع سياسى واستراتيجى وليس كمنشأة فنية أو تنموية، خاصة أن إثيوبيا مدعومة من حلفاء إقليميين ودوليين لتمرير هذا المشروع ومن أجل الضغط على مصر لتغيير توازنات القوة فى المنطقة، ولهذا السبب نفسه قال: علينا أن ندرك أبعاد الأزمة والأهداف السياسية من وراء إقامة هذا السد. وفى المقابل رأى اللواء حمدى بخيت، الخبير العسكرى والاستراتيجى، أن ما جاء فى اتفاقية إعلان المبادئ من بنود كفيل بإيجاد حلول فى حال إخلال إثيوبيا بتعهداتها، حيث نص أحد البنود على الالتزام برأى المكتب الاستشارى الذى سيتم اختياره وشدد بخيت على أن الحديث عن خيار عسكرى أو خيارات أخرى غير مناسب الآن، لأن الاتفاق تضمن آليات محددة للتفاوض فى حال عدم الالتزام بالبنود. ∎