■ بقلم: د. عادل مبروك إصلاح المنظومة الصحية ضرورة وجودية تتعلق بحياة المواطنين وكرامتهم تحتاج المنظومة الصحية فى مصر المحروسة إلى دراسة مستوفية ودقيقة، تلك الدراسة التى تحدد وتشخص المشاكل الصعبة والتى يعانى منها الشعب المصرى بكل طوائفه فى تعامله مع تلك المنظومة، الغنى والفقير وما بينهما، وكيفية علاج تلك المشاكل، على أن تكون تلك الحلول واقعية وقابلة للتنفيذ. فليس من المعقول أن تنجح بعض المؤسسات العلاجية صغيرة الحجم فى بعض التخصصات وتفشل المؤسسات العلاجية كبيرة الحجم، ولا مفر من هذا. فالعالم الخارجى بدأ مرحلة العلوم الطبية الوقائية، والتى مهمتها إطالة أعمار البشر، رغم عدم اتفاقى شخصيًا مع هذا، فعمر الإنسان مكتوب قبل ولادته، ولكن دعنا نقول إن العلوم الطبية الوقائية تعطى الإنسان - رغم ما قدّر له - فرصة أن يعيش بسلام وأمان مستمتعًا بحياته ونحن ما زلنا نبحث عن أساسيات العلاج والتعامل مع صحة المواطنين بهذا الشكل. فليس من المعقول أيضًا أن يُصاب شاب دون الأربعين بجلطة، ورغم أنه عضو هيئة تدريس نابغ ورمز مثالى لشباب أعضاء هيئة التدريس النابهين، ولكن للأسف الشديد كان علاجه بقلوب رحيمة تبرعت له بتكلفة العلاج الضخم غير المبرر. ولولا لطف الله سبحانه وتعالى، والقلوب الرحيمة التى وقفت معه فى أزمته، لكانت الأمور تعقدت وفقدنا شابًا نابهًا، كل مشكلته أنه غير مُؤمَّن عليه صحيًا فى أى مكان. هذه الواقعة المؤلمة تكشف حجم الفجوة بين المواطن ومنظومة صحية يفترض أنها فى خدمته، وتوضح إلى أى مدى باتت العدالة الصحية مطلبًا ملحًا لا يحتمل التأجيل. وللإنصاف، فإن المحبين ذوى القلوب الرحيمة وباتصالاتهم قاموا بتوفير سرير له فى أحد المستشفيات فى ظرف يومين، ولهم جزيل الشكر والعرفان أبناء مصر المخلصين «الرجالة بمعنى الكلمة»، ولكن فى المستشفى الذى تلقى فيه علاجه بأسعار فوق إمكانيات الكثير من المصريين تحتاج المنظومة إلى مراجعة ومتابعة بشكل دقيق وقد يكون تشجيع الاستثمار فى القطاع الصحى بمنحه حوافز ملموسة، أحد الحلول فى ظل مجموعة ونظم ضابطة وحوكمة رشيدة لضمان كفاءة وفاعلية الأداء، ويكون المنظم قويًا وباطشًا فى بعض الأحوال. وليس من شك أن هناك أمرًا غاية فى الأهمية الاستراتيجية وله الأولوية الأولى، وهو تطبيق التأمين الصحى الشامل على الجميع دون استثناء، والعمل الجاد الفعلى على البحث عن مصادر تمويل ملائمة ومناسبة للجميع، وكافية لتغطية العلاج ومشتملاته، ويكون فصل التمويل عن مؤدى الخدمة حلاً جذريًا، وذلك لتفادى الكثير من المشاكل التى يلاقيها المواطن، بما يضمن توفير خدمة علاجية عادلة لجميع المواطنين. كما أن فصل التمويل عن مقدم الخدمة يظل الآلية الأساسية لتفادى تضارب المصالح وضمان وصول العلاج لكل مواطن. ولا مفر من تطبيق آليات الحوكمة الرشيدة التى تضمن وصول الخدمة بشكل إنسانى محترم للجميع دون تفرقة، وبشكل يضمن رفع كفاءة الأداء، دون النظر إلى المريض. إن إصلاح المنظومة الصحية فى مصر لم يعد رفاهية ولا خيارًا مؤجلًا، بل هو ضرورة وجودية تتعلق بحياة المواطنين وكرامتهم، إننا بحاجة إلى إرادة سياسية واضحة، ورؤية علمية دقيقة، وتنفيذ واقعى يضع صحة المواطن فى مقدمة الأولويات، فالصحة هى أساس القوة البشرية لأى وطن، ومن دونها لا يمكن أن تقوم نهضة ولا تتحقق تنمية، فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، وهى الأساس فى التنمية البشرية الحقيقية، أخيرًا أدعو الجميع إلى دراسة حقيقية لترشيد تكاليف العلاج بشكل اقتصادى بحت، دون استغلال للمواقف. حفظ الله مصر وحفظ شعبها الأبى.