مؤشرات خطيرة للغاية كشف عنها بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2017/2018، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حيث كشف أن متوسط الإنفاق السنوي للأسرة على الخدمات والرعاية الصحية يبلغ نحو 5095 جنيها، ب 9.9%، حيث إن الإنفاق على الأدوية والأجهزة الطبية، احتل المرتبة الأولى ب 55%، يليه 29% على خدمات المرضى والعيادات الخارجية، ثم 16% على خدمات المستشفيات. تعددت الأسباب ولكن النهاية واحدة، فبعد إعلان الدولة للإصلاح الاقتصادي فى كافة القطاعات، كان للقطاع الصحي نصيب أكبر من هذا التأثير، خاصة بعد انهيار المنظومة الصحية، بداية من ميزانية الصحة الضعيفة والمتدنية ومرورا بحال المستشفيات المتدهورة وضعف إمكانياتها ونقص المستلزمات وأخيرا الفريق الطبي وأجوره وهجرة الأطباء ونقص الأدوية واختفائها تمام من الأسواق، وبالتالي عدم تقديم خدمة طبية جيدة فى القطاع الحكومي. غير دقيق وقال الدكتور هشام شيحة، رئيس قطاع الطب العلاجي الأسبق بوزارة الصحة، أن المواطنين يصرفون 67 % على الخدمات الصحية من دخولهم الخاصة، موضحا أن التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء غير دقيق، حيث أن الغالبية العظمى للأسر، تصرف أكثر من نصف دخلها على الصحة. وأضاف أنه لتحسين الخدمة الصحية المقدمة، لابد أولا أن يتم ارتفاع ميزانية الصحة، طبقا للدستور أن لا تقل النسبة عن 3 % من الناتج المحلى الإجمالي، موضحا أن المستشفيات تحتاج إلى أشياء كثيرة مهمة ومعلومة للجميع، منها توفير الأدوية والمستلزمات وصيانة الأجهزة ومكافحة العدوى والتسجيل الطبي وتدريب الكوادر الطبية ورفع أجور القوي البشرية، والعمل على زيادة أسرة العناية المركزة والحضانات وأجهزة الغسيل الكلوي وعلاج مرضي الكبد والأورام ورفع كفاءة أقسام الطوارئ، كل تلك الأمور هي أولويات يجب التفكير فيها وتنفيذها، لتحسين الخدمة الطبية المقدمة. الميزانية ومن جانبه أكد الدكتور محمد حسن خليل، المنسق العام للجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، أن السبب الرئيسي لتدهور المنظومة الصحية وعدم وصول الخدمة للمواطن، هو انخفاض ميزانية الصحة، وهو ما أكدته الدكتور هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، فى مجلس النواب، قائلة إنه تم توفير 73 مليار جنيه للصحة، فى حين أنها طالبت أن يكون الحد الأدنى للميزانية 96 مليار جنيه. وأضاف أن الناتج المحلى الإجمالي لهذا العام 6.2 تريليون جنيه، وميزانية الصحة لعام 2019/2020، تمثل 1.18% من الناتج المحلى الإجمالي، وهذا لمخالف للدستور، مبينا أن هذا الانخفاض وراء انهيار المنظومة، لأن الميزانية تؤثر على كل الجوانب. وأضاف أن ضعف الميزانية، أثر على المستشفيات وإمكانياتها وكذلك الفريق الطبي، فالطبيب الذي يعمل بالوزارة لا يجد راتبا كافيا، مما يجعله يقوم بالعمل فى أكثر من جهة لتوفير عيشة كريمة، وهذا ما يؤثر سلبا على أدائه ولكن رغم ذلك يقوم الطبيب بالعمل فى ظروف غير مناسبة من نقص مستلزمات وأجهزة حتى التعليم الطبي المستمر بدأ يتكبد مصروفاته بدلا من جهة العمل، مبينا أن المستشفيات وتجهيز أغلبها قائم على التبرعات، فالمرضي يذهبون إلى المستشفيات وأغلب المستلزمات يطلبها منهم الطبيب لأنه لا يوجد مستلزمات طبية بها. وتابع أن اللجنة منذ عام 2007، تنادى بضرورة بحث أزمة نقص الأطباء والتمريض ولكن دون جدوى، فالعجز فى الأطباء وصل إلى 45%، وبالتالي كل طبيب يعمل يتحمل عدم وجود طبيبين آخرين وكذلك التمريض، فنسبة العجز تصل ل60% منهم، فكل ممرض يتحمل عبء غياب 3 ممرضين آخرين، لافتا أن عناصر تقديم الخدمة الطبيبة من طبيب وممرضة غير جيدة وبالتالي ينعكس على سوء مستوى الخدمة المقدمة. وأيضا يوجد نقص كبير فى معدل الأسرة داخل المستشفيات، عن المتوسط العالمي الذي ينص على وجود 2.9 سرير لكل 1000 مواطن، وهو ما تراجع بشكل كبير خلال السنوات الماضية، ففى الستينيات كان هناك فى مصر ما يصل إلى 2.2 سرير لكل 1000 مواطن، ولكن فى الوقت الحالي فالوضع داخل المستشفيات الحكومية صعب للغاية، حيث يصل عدد الأسرة إلى 1.4 سرير لكل 1000 مواطن، أي أن هناك نقصا يتجاوز 50% عن المتوسط العالمي ويشمل هذا كلا من القطاع الخاص والحكومي فى نفس الوقت. وأضاف "خليل" أنه لتحسين الخدمة الصحية فى مصر، لابد من توفير العدد الكافى من الأطباء والممرضين وتوفير الميزانية الكافية، ومستوى الطبيب متعلق بمستوى التعليم الطبي المقدم له، ومستوى التعليم الطبي متدن للغاية فى مصر، وعدم تأهيل الطبيب بشكل جيد لمزاولة المهنة. ليس له قيمة أما الدكتور خالد سمير، أستاذ جراحة القلب بجامعة عين شمس وأمين صندوق نقابة الأطباء الأسبق، فأكد أن النسبة الصادرة عن بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك، ليس لها قيمة، لأنه تم قياسها على ما تم إنفاقه، وهذا غير صحيح، ولكن الأصح أن يتم البحث ومقارنته بالمفترض أن يتم إنفاقها أو من الاحتياج الحقيقي. وأضاف أن تقرير "التعبئة والإحصاء" يحتوى على أخطاء كبيرة، حيث إنه لم يقم بتقسيم المواطنين إلى مستويات وفقا لمستوى دخولهم، لافتا إلى أن المتوسط يعتمد على المستوى الكلى لجميع المواطنين دون تفرقة بين الطبقات الفقيرة والغنية، وهذا غير صحيح اقتصادي، مما يؤدى إلى نتائج خاطئة. وتابع أن ثورة 25 يناير، قامت من أجل الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية للمواطنين، والتي أبسط حقوقهم هو توفير الدواء وتلقى خدمة طبية جيدة، ولكن بعد قيامهم بالثورة والتضحية بمئات الشهداء لم يحدث ما توقعوه، بل العكس ازداد الأمر سوءا بنقص الأدوية وفى بعض الحالات اختفائها تماما من السوق، وتدهور المنظومة الصحية بالكامل من عدم وجود محاليل وأسرة ونقص الأطقم الطبية من دكاترة وممرضين بالمستشفيات العامة. وأوضح أن المرضى يعانون بشدة من أزمة نقص الأدوية، منذ تعويم الجنيه، فيجدون أنفسهم بين مطرقة السياسات الاقتصادية، الصارمة للحكومة وشركات الأدوية الساعية خلف الربح، فالكثير من الأدوية غير متوفرة للأشخاص المصابين بأمراض خطيرة، وهو ما زاد من آلام الفقراء والطبقة المتوسطة. وأشار إلى أن الإهمال الطبي فى مصر وعدم كفاءة الخدمة المقدمة بشكل جيد، يرجع إلى نقص العديد من الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية بالمستشفيات، بالإضافة إلى ضعف الإنفاق الحكومي على المنظومة الصحية، فالحكومة تتهرب من مسئوليتها تجاه المواطنين، حيث إن الإهمال الطبي يتمثل فى ثلاثة محاور، أولها المضاعفات العادية المذكورة فى الكتب والمراجع العلمية للمرضى، وهى أحد أخطار مزاولة مهنة الطب ويجب أن يقبلها المريض، والثانية أن الأخطاء البشرية قد تكون من الطبيب أو الممرض آو العامل أو الأجهزة، والمحور الأخير هو المخالفات القانونية، وهو مخالفة الطبيب للقانون وعمل عمليات غير مصرح بها. كما أكد الدكتور رشوان شعبان، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء سابقا، أن السبب الرئيسي، لفشل المنظومة الصحية، هو غياب الإدارة الرشيدة للمنظومة خلال الفترة الأخيرة وخاصة أزمة الدواء، فالوزارة تحتاج إلى اهتمام حقيقي من الدولة وتخصيص ميزانيات لتحسين المنظومة الصحية، بدل الاعتماد على المبادرات، التي تعتبر مسكنات للمشاكل فقط. مسكنات وأشار إلى أن قطاع الصحة، يحتاج إلى سياسة مختلفة من قبل الدولة، وتبني فكر وسياسة تعمل على تطوير هذا القطاع، مطالبا بضرورة تغيير السياسات والانحيازات، لأن تغير الأشخاص" بتعيين وزير جديد وإقصاء أخر "، ليس هو الحل، فاستمرار السياسات لن يحدث فارقا فى القضايا والمشاكل التي تواجه المواطنين. وأضاف أن المواطن فقير، فلا يستطيع استقطاع جزء كبير من مرتبه كما يحدث فى الدول الغنية، نظرا لانخفاض المرتبات، فبالتالي يجب على الحكومة دفع أكثر من 15% من الميزانية لتطوير قطاع الصحة، مبينا أن الحكومة تقوم بدفع 5 % فقط من الميزانية لقطاع الصحة، مما يعنى أن الصحة تأخذ ثلث نصيبها فقط من الدولة، فبدون رفع الإنفاق، لا يحدث أي تحسن فى مستوى الصحة على الإطلاق، وأيضا زيادة أجور العاملين فى قطاع الصحة، فمعظم الأطباء والممرضين والعمال، يعملون أكثر من عمل، لتحسن مستواهم المادي وبالتالي تقصيره فى عمله الحكومي وتحدث حالات إهمال وأخطاء، ولكن مع تحسين الأجور وعمل حوافز جيدة للعاملين بالقطاع، سيتم إجبار الفريق الطبي الذي يعمل فى أكثر من مكان، للتفرغ لعمله الحكومي فقط وبالتالي تقديم خدمة صحية أفضل. وشدد على ضرورة التدريب والتعليم الطبي المستمر للأطباء، فيجب متابعة التطورات الطبيبة التي تحدث فى العالم باستمرار، وذلك من جانب جهة العمل وعلى نفقتها لتحسين مستوى الرعاية والخدمة الصحية.