إن أحد الأمور الخرافية التي لا يزال يتم مناقشتها في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو الادعاء بأن (إسرائيل) كانت دائماً ترغب في تحقيق سلامٍ عادل ومنصف، وأن الشيء الوحيد الذي يقف حجر عثرةٍ في طريق التوصل إلى اتفاق سلام هو التزام الفلسطينيين بتدمير (إسرائيل). وقد جرى تدويل هذه الفكرة بشكل لا نهائي من قبل الإسرائيليين والمدافعين عنها في الولاياتالمتحدة وأماكن أخرى حول العالم. بالطبع، عرف محللو هذا الصراع الطويل بأن هذه الرواية الخبيثة كانت زائفة. كانوا يعلمون بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين (الذي وقّع على اتفاق أوسلو) لم يؤيد إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، وقال صراحةً بأنه "يريد دولة فلسطينية عبارة عن "كيان يفضي إلى أقل من دولة". خلال الأسابيع الماضية، انكشف الغطاء بشكل كامل تقريباً. فإذا أردت أن تفهم ما يحدث في واقع الأمر، هنا أشياء قليلة تحتاج إلى قراءتها. يسرد عكيفا الدار، كاتب عمود في صحيفة هآرتس العبرية، في مقالٍ له بعنوان " سياسات (إسرائيل) الجديدة ومصير فلسطين" شرحاً موجزاً عن فكرة مبدأ حل الدولتين، وهذا اقتباس من مقاله: " في عام 1988، اتخذت القيادة الفلسطينية قراراً استراتيجياً بالموافقة على الحل القائم على مبدأ حل الدولتين. من جانبها، صوتت الجامعة العربية لصالح مبادرة السلام التي تنص على الاعتراف بدولة (إسرائيل) ووضع شروط للتوصل إلى تسوية شاملة للصراع في الشرق الأوسط. لكن (إسرائيل) التي وقعت على اتفاقية أوسلو قبل عقدين سلكت الاتجاه الخاطئ". ويصف الدار بالتفصيل كيف جعلت الاتجاهات الديموغرافية والسياسية حل الدولتين خياراً بعيد المنال، وخصوصاً في ظل وجود " الفصل". حيث ابتعد عن استخدام مصطلح " الفصل العنصري" تجنباً للحساسية السياسية. ولكن، يصف الدار هذا الواقع الحالي بالقول: " حتى تمارس سيطرتها على الأرض من دون التخلي عن هويتها اليهودية، استخدمت (إسرائيل) مختلف سياسات الفصل بين الناس. حتى أنها قسمت السكان الذين يعيشون في الأراضي المحتلة بناءً على الهوية العرقية. وسمحت هذه الفواصل ل(إسرائيل) بإدارة هذا الاحتلال ل 45 عاماً في ظل المحافظة على هويتها ومكانتها الدولية. لا يوجد دولة في القرن الحادي والعشرين استطاعت تجنب ذلك، إلا (إسرائيل) التي عملت على التقليل من تغيير ذلك". بطبيعة الحال، كان اللوبي الإسرائيلي يجعل من المستحيل على قادة الولاياتالمتحدة أن يمارسوا أي ضغط ملموس على (إسرائيل) من أجل تغيير سلوكها، حيث أصبح هذا السلوك اليوم متناقضاً مع الكثير من القيم الأساسية للولايات المتحدة. ولإدراك ما يقوله "الدار"، يمكن الرجوع إلى مقال مستشار نتنياهو السابق، مايكل فرويند الذي نشره في عمودٍ بصحيفة جيروزاليم بوست بتاريخ 20 يونيو الماضي وكان بعنوان " قبّل الخط الأخضر وقل وداعاً". وعلى عكس "الدار" تماماً، فإن فرويند فخور جداً بنجاح المشروع الاستيطاني الذي جعل من فكرة " إسرائيل الكبرى" واقعاً حقيقياً. وقال في مقاله " إن حدود عام 1967 ماتت وتم دفنها ولم يعد لها أي صلة بالسياسة أو أي أمور أخرى". باختصار، إن ما يجري للفلسطينيين هو عملية تطهير عرقي بشكل بطيء بدلاً من طردهم بالقوة وذلك كما حدث بين عامي 1948 و 1967. ويرجع الهدف ببساطة من وراء ذلك إلى جعلهم غير قادرين على الدفاع عن حياتهم مع مرور الوقت. وبالتالي سيغادرون أوطان آبائهم وأجدادهم تدريجياً ومن تلقاء أنفسهم. أخيراً، تأكد بأنك قرأت تقرير لجنة ليفي الأخير. وخلص التقرير إلى أن وجود (إسرائيل) في الضفة الغربية لا يعتبر "احتلالاً"، وبالتالي فإن اتفاقية جنيف الرابعة فيما يتعلق بحماية حقوق المدنيين لا تنطبق عليها. إنها لا ترى أي مانع قانوني يمنع الاحتلال الإسرائيلي من نقل مواطنيها لأي مكان في هذه الأرض. ولذلك، أوصت اللجنة الحكومة الإسرائيلية بشرعنة العشرات من المستوطنات غير الشرعية. ناهيك عن أنه لا يوجد بلد في العالم بما فيها الولاياتالمتحدة أو حتى الأممالمتحدة أو أي هيئات قضائية أخرى خارج (إسرائيل) تتفق مع ما نشرته تلك اللجنة. لقد انكشف الغطاء منذ زمن طويل، وتمزق بشكل كلي تقريباً. وبمجرد فهم ما حدث هنا، أصبحتم قادرين على قول وجهة نظركم في من هم أصدقاء إسرائيل الحقيقيون ومن يهدد مستقبلها. (أصدقاء إسرائيل) الحقيقيون قد يكونون مهتمين أو غير مهتمين عاطفياً بذلك، لكنهم الوحيدون الذين يدركون تماماً بأن المشروع الاستيطاني كان كارثة، وأن تضافر الجهود من جانب الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي سيساعد هذا القطار المستقبلي على تجنب الدمار. إنهم الوحيدون الذين يدركون بأن تصرفات (إسرائيل) في غزة والضفة ولبنان ودبي وإيران تضعف وبشكل تدريجي من الشرعية التي كانت تتمتع بها (إسرائيل) حول العالم. وعلى النقيض تماماً، فإن المدافعين عن (إسرائيل) يتمتعون بقصر النظر تجاه رؤيتهم للأمور ويسمحون باستمرار الاحتلال وتعميقه. إن غياب تفكير قادتهم ساعد على إهدار فرص السلام الحقيقية، وتقوية نفوذ المتطرفين في كلا الجانبين وإطالة أمد الصراع الطويل والمرير. والسؤال البسيط الذي نطرحه هو: أين يفكر من يقود ذلك؟ وينطبق المبدأ نفسه على المصالح الأمريكية وسياسة الولاياتالمتحدة نظراً للعلاقة الخاصة بين الولاياتالمتحدة و(إسرائيل). ومن الواضح أن صورة الولاياتالمتحدة في المنطقة والعالم ككل فقدت بريقها في ظل استمرار إسرائيل في اتخاذ المسار الموضح أعلاه. هذا الوضع يجعل قادة الولاياتالمتحدة عاجزين تماماً عن الرد في حال تم إدانة (إسرائيل) حيال تصرف ما ويكتفون بقول عبارة "من المؤسف" و " إنه يضر بعملية السلام" لكنهم لا يفعلون أي شيء لهم بعد ذلك. إنه يجبر السياسيين في كلا الطرفين على تكريس الاهتمام لبلدٍ واحد صغير، وإهمال بلدانٍ أخرى.