قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن أكبر كذبة في تاريخ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هو زعم إسرائيل الدائم بحرصها واهتمامها بتحقيق السلام العادل والشامل، وأن العائق الوحيد لذلك هو رغبة الفلسطينيين في تدمير الإسرائيليين. وأضافت المجلة -في تقرير بثته على موقعها الإلكتروني- أن هذه الفكرة تم تسويقها وإعادة إنتاجها بشكل كبير في الولاياتالمتحدة ودول أخرى..وأن بعض المحللين المنصفين أيقنوا بأن الرواية الإسرائيلية حول سبب فشل عملية السلام "مزيفة" ، ذلك أنهم يعرفون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابيين الذي وقع على اتفاقية أوسلو لم يفضل أبدا خيار إقامة دولة فلسطينية ، وأن الفلسطينيين بالرغم من أخطائهم عرفوا أن ما قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك في كامب ديفيد عام 2000 يظل غير كاف للوصول إلى حل الدولتين بشكل حقيقي.
وذكرت المجلة أن الأسابيع الأخيرة شهدت انكشاف النقاب تماما عن هذه الحجة الإسرائيلية ، وهو ما وضحه محلل إسرائيلي بصحيفة هاآرتس الإسرائيلية حين قال "إن القيادة الفلسطينية اتخذت قرارا استراتيجيا منذ زمن طويل بالقبول بحل الدولتين ، وهو ما تقبلته الجامعة العربية بالإضافة لبعض الهيئات الدولية ، إلا أن إسرائيل تتحرك في اتجاه آخر يجعل تنفيذ هذا الحل أمرا مستحيلا ومقوضا في ذات الوقت للديمقراطية الإسرائيلية.
وتابع المحلل السياسي أن النهج الإسرائيلي ظهر في تعميق سياسة "الفصل" لفرض قدر أكبر من التحكم على الأرض دون التخلي عن الهوية اليهودية ، كما عملت تل أبيب على خلق نظم قضائية منفصلة أحداها للإسرائيليين والأخرى لسكان الأراضي المحتلة، وقامت أيضا بتقسيم هؤلاء الذين يعيشون في الأراضي المحتلة على أساس التمييز العرقي.
وأضاف أن إسرائيل تخلت عن مسئوليتها في رعاية من يعيشون بها ووضعت خطا واضحا بين مبادئها الديمقراطية وسياستها الفعلية في الأراضي المحتلة ، وان هذه السياسات هي التي مكنتها من الاستمرار في احتلال الأراضي لأكثر من 45 عاما ، وهو شيء لم يتم قبوله في أية دولة في القرن الحادي والعشرين.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" أن السياسات الإسرائيلية تنجح دون وجود ضغط دولي لتغييرها لأن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن يجعل من المستحيل على الولاياتالمتحدة ممارسة أية ضغوط على تل أبيب.
واستشهدت المجلة أيضا بمقال لمساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السابق مايكل فرويند الذي افتخر فيه بنجاح مشروع المستوطنات في أن يجعل من حلم "إسرائيل الكبرى" حقيقة على الأرض ، كما أدى لطمس حدود عام 1967، مشيرة في هذا السياق إلى أن رأي فرويند لا يمثل آراء المتطرفين بل رأي الغالبية الإسرائيلية.
وقالت المجلة أن آثار سياسة الفصل والإستيطان ظهرت على الأرض في القدسالشرقية التي تعاني من نقصان المياه وتزايد عمليات هدم المنازل خصوصا في السنة الأخيرة، وتهجير الآلاف من المواطنين نصفهم من الأطفال وهو ما فسرته إسرائيل بنتيجة طبيعية للبناء غير المرخص، في حين أوضح تقرير حديث للأمم المتحدة أن 90% من طلبات ترخيص البنايات التي يتقدم بها الفلسطينيون يتم رفضها في الوقت الذي يستمر فيه بناء المستوطنات الإسرائيلية.
وقالت مجلة "فورين بوليسي" إن ما تقوم به إسرائيل آلان ببساطة هو تطهير عرقي بطيء ، حيث تم استبدال طرد الفلسطينيين بقوة كما حدث أعوام 1948 و1967 بتأزيم أوضاع الفلسطينيين بحيث يكون بقاؤهم على الأرض مستحيلا مع مرور الوقت ليغادروا بلادهم بإرادتهم.
وأضافت المجلة أن فهم الوضع في إسرائيل يساعد على معرفة من هم أصدقاء إسرائيل ومن يهددون مستقبلها ، وأن أصدقاءها قد لايكونوا ملتزمين بها عاطفيا، إلا أنهم يدركون أن الاستيطان يعتبر كارثة لإسرائيل، وهو ما سيحكم أفعال الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبي اللذين يريدان تجنب هذه الكارثة الحتمية في المستقبل.
وأشارت المجلة إلى أن أصدقاء إسرائيل يعلمون أن أفعالها في غزة ولبنان والضفة الغربية وسياساتها تجاه إيران ستسحب الشرعية والدعم التي كانت تتمتع به من قبل حتى بين يهود العالم.موضحة أن اقتران إسرائيل بكوريا الشمالية في دراسة أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) هذا العام حول الدول ذات التأثير السلبي على العالم يوضح أن تل أبيب تواجه مشكلة كبيرة، وهو ما قد يكلفها فقدان ما تتلقاه من دعم من واشنطن خصوصا بعد أن سمح أصحاب الرؤية القاصرة من المدافعين عن إسرائيل للاحتلال بالتعمق، مهدرين الفرص الحقيقية للسلام.
واختتمت المجلة تقريرها بالقول إن الوجود الأمريكي في المنطقة تم تلويثه بسبب العلاقة الخاصة مع إسرائيل، وفي ظل سياسات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، وقد دفعت هذه العلاقة القادة الأمريكيين لاتخاذ مواقف أكثر التواء ونفاقا حول حقوق الإنسان وسياسات عدم التسلح ودعم الديمقراطية وشرعية القوة العسكرية، ليصبح هؤلاء القادة عاجزين في كل مرة ينددون فيها بالأفعال الإسرائيلية.
وأوضحت أن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية تجعل الساسة في واشنطن يركزون تفكيرهم على دولة صغيرة مهملين بذلك الدول الأخرى ، لتصبح بذلك الولاياتالمتحدة داعمة للمتطرفين من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وزيادة الكراهية بينهما على نحو يجعل سياسة دعم السلام بين الطرفين الأكثر فشلا في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية.