لعله عند الحديث عن الحجاب وحكمة تشريعه في الشريعة الإسلامية، يتبادر إلى أذهان البعض ممن لم يعملوا عقولهم قدر الحاجة، و لم يتخلوا عن شعارات و مقولات غريبة أو غربية تنظر من الخارج نظرة عابرة لا تقوم على الاستقصاء، نقول لعل هذا الحديث يجعل البعض يظن أن الإسلام ينظر إلى المرأة على أنّها جسد مثير للغرائز، و يجرّد المرأة أو الأنثى من تكوينها الإنسانى المركب ويختزلها فى صورة أحادية الجانب، والحق أن العكس هو الصحيح، و هذا يعد مفارقة أو تناقضيا ظاهريا paradox، حيث أنه لا فرار من الإعتراف بأن الجسد الأنثوى قد ( بل ينبغي أن) يثير الغرائز الذكورية لوظيفة خاصة تقتضيها ضرورة إنسانية، هي حفظ النوع وتكوين الأسرة. وبذلك فإن الإسلام قد وضع ضوابطا وإطارا محددا واضحا تتم فيه هذه العملية لتحقيق هدفها المنشود ولإنفاذ الحكمة من وجودها، و ممارسة هذا الفعل خارج هذا الإطار يؤدى إلى عواقب وخيمة لا حاجة لذكرها. تقوم فكرة الحجاب على حجب عامل الجسد المثير (مؤقتا)، حتى لا يتم الحكم على المرأة من جانب أحادىّ يبرز عنصرا، ويغض الطرف عن عناصر أخرى. وبهذا فإن الحجاب يعطى المرأة مساحة أكبر و فرصة أوفر للتعبير عن وجودها الأنثوي بطرق مغايرة للنمط المعتاد والذى وقع الكثيرون في شَرَكه بسبب الطبيعة الاختزالية الاستغلالية للحضارة المادية الغربية ورؤيتها المعرفية الكونية، وبحيث يتيح الحجاب للنساء أن يقفن على مستوى واحد يلعب فيه رونق الشخصية وجمال الروح وعذوبة التكسّر الأنثوى دورا أكبر من الجسد الذي قد يخفي خلفه نرجسية وغرورا وجمالا زائفا للمظهر دون وجود جمال الجوهر. و بعد الزواج تكتمل الدائرة، فتلعب العناصر كلها أدوارا تكميلية، لا يذوى الجوهر أبدا مع ذبول المظهر. فإن كان الجسد إلى فناء واضمحلال، فإن العناصر الأخرى التي كان لها دور هام في عملية الحكم والاختيار تمثل المرتكز الأهم الذى يحفظ للمرأة وجودها و يجعلها تظل على ثقتها بنفسها ما طال بها العمر. والله أعلم.