الطابع الغالب عموماً على أي انتخابات رئاسية في العالم هو شخصنة المرشح للرئاسة (الرئيس المحتمل)، والحديث عن شخصيته وخلفيته وكل ما يتعلق به كشخص، قبل الحديث عن البرنامج الذي يطرحه أو الفكر الذي يتبناه أو الاتجاه الذي يمثله. شخصنة المرشح الذي يمثل حزب أو اتجاه سياسي يجعل المسألة لدى الناخب لا تتعلق بتفضيل خيار سياسي معين أياً كان المرشح الذي يمثله، بل أن الناخب والناخبة يتجهان إلى المفاضلة بين شخصية وشخصية، وكاريزما وأخرى، وأسلوب في الحديث والخطاب والأسلوب الآخر، قبل أي شيء آخر. وبالطبع، غلبت هذه السمة على الانتخابات الرئاسية المصرية إلى أقصى حد حتى بين مرشحي التيار والاتجاه الواحد... هناك تركيز شديد على "شخص" المرشح سواء كان من اليسار (أبو العز الحريري – حمدين صباحي – خالد علي)، أو من النظام القديم (سواء عسكري مثل أحمد شفيق (العائد للسباق) أو حسام خير الله، أو مدني مثل عمرو موسى)، وكذلك بين مرشحي التيار الإسلامي، وهم كثيرون. الاستثناء الذي خرج عن هذه القاعدة كانت هي حالة جماعة الإخوان المسلمين. المسألة بالنسبة لمرشح الجماعة (خيرت الشاطر ثم محمد مرسي) لم تكن مسألة طرح شخص الرئيس هذا أو ذاك لقيادة مشروع النهضة، ولم تكن بإصرار أو إلحاح أي واحد منهم لكي يسعي للرئاسة ويطلب الترشُّح لها ويظهر في الإعلام في صورة "المرشح المحتمل". بل على العكس من ذلك، ابتعدت فكرة الشخصنة والشخصية كثيراً عن طرح الإخوان وعن تحديد من منهم هو المرشَّح للرئاسة. كانت فكرة طرح مرشح من الإخوان المسلمين للرئاسة غير واردة إلى حين بدأ المجلس العسكري يفتعل الصراع مع جماعة الإخوان ويأتي إلى السطح بنوايا تجاههم (التلويح بسيناريو 1954 في البيان التهديدي الشهير للمجلس العسكري) مضافاً إلى مسعى العسكر للحفاظ على حكومة الجنزوري كغطاء لهم رغم فشلها، ثم تحرشهم بمجلس الشعب المنتخب والتهديد بحل المجلس (والقول أن حكم حل المجلس موجود في أدراج المحكمة الدستورية العليا). وتوازي ذلك مع حملة شعواء من المجلس العسكري ومناصريه في إعلام الفلول ضد الثورة عموماً والتيار الإسلامي خصوصاً. كان ترشيح مرشح من الإخوان المسلمين هو الرد الوحيد الممكن على تصعيد العسكري وبدئه في سيناريو "البقاء في السلطة". ثم قام المجلس العسكري بعد ذلك بخطوة في نفس المسار تزيد من تصعيد صراعه مع الثورة والثوار والتيارات السياسية كلها، وأولها التيار الإسلامي، بترشيحه نائب الرئيس المخلوع ورئيس المخابرات الذي تلاحقه جرائم من كل نوع، عمر سليمان. وكذلك كان ترشيح خيرت الشاطر بالنسبة للإخوان المسلمين هو إعلان عن تمسكهم بمشروع النهضة، الذي هو نفسه مشروع الثورة، لأنه يعني إعادة بناء مصر ومؤسساتها وهياكلها من جديد لتكون تحت حكم الشعب، لصالح الشعب، وبواسطة جميع قوى الشعب. مشروع النهضة – الذي هو نفسه مشروع الثورة والذي هو نفسه مشروع بإعادة بناء مصر – كان يستحق التحرك بوضوح وبشكل مباشر لطرحه بمجرد أن أعلن المجلس العسكري نيته لتطبيق مشروع "انتكاس الثورة" و"إجهاض الثورة" و"إعادة بناء النظام القديم" وتسليم البلاد إلى الحرس القديم القمعي والإرهابي والدموي بزعامة عمر سليمان، ليكون واجهة أكثر وضوحاً من أحمد شفيق أو غيره. تصادم المشروعين (مشروع المجلس العسكري من جهة، ومشروع الحركة الإسلامية والقوى الوطنية والثورية من جهة أخرى) كان هو المحدد لخطوات كل طرف في دفاعه عن مشروعه عند هذه اللحظة. المجلس الأعلى للقوات المسلحة استخدم الحصانة القاتلة التي لدى لجنة الانتخابات الرئاسية لمصلحته ومصلحة مرشحيه، تلك الحصانة التي قدمها الشعب طواعيةً لهذه اللجنة في لحظة سابقة على أساس الثقة في القضاء المصري وفي أن أعلى قيادات القضاء المصري سوف يقدِّرون هذه الثقة ويتحركون على ضوئها وفي إطار حفظ الجميل للشعب الذي وثق بهم ويقفون مع الحق والعدل وقيمة احترام القانون وقيم الثورة، ولكن "قضاة مبارك" و"قضاة تزوير الانتخابات" وقمع وقتل النقابات المهنية وتحصين التعديلات الدستورية وتعديل المادة (76) من الدستور - التي كان المقصود منها توصيل جمال مبارك إلى قصر الرئاسة – رفضوا ثقة الشعب وأصروا أن يستمروا في الدوران في فلك الفساد والانقياد للسلطة الغاشمة والانصياع لأوامر أسيادهم في المجلس العسكري واستبعاد المرشحين الإسلاميين خيرت الشاطر وحازم أبو إسماعيل، مع المناورة بترشيح ثم سحب المرشح الدموي الذي أثار ترشيحه موجة غضب ضد المجلس العسكري وأدّي إلي فتح ملف جرائم أجهزة المخابرات، وضلوع كافة أطراف الحكم في الدولة وأجهزتها السيادية والأمنية في تصدير الغاز والتعذيب بالوكالة وقمع ثورة 25 يناير، ثم فتح ملف تورط كل هذه الأجهزة في دور "الطرف الثالث" الساعي إلى الفوضى ونشر الفراغ الأمني وإرهاب الناس. وواصلت اللجنة مناوراتها استعادة شفيق لمضمار الرئاسة لاسترضاء المجلس العسكري و"الشفيقيون أياً كان القانون"!! ولأن الحركة الإسلامية لا تنبني على الشخصنة، ولا على كاريزما الفرد في مقابل جهد وحركة وتضحية المجموع، فإنها كانت واعية بمثل هذه المناورة وإمكانية تحرك العسكري لكي يلعب دوراً دنيئاً ضد الثورة وضد الحركة الإسلامية والخيار الإسلامي عموماً. ولذلك، قامت الحركة بترشيح الدكتور محمد مرسي، الذي يرأس حزب الحرية والعدالة، ليكون مرشحاً رئاسياً ظهيراً لأخيه خيرت الشاطر. المسألة كانت أبعد ما تكون عن الشخصانية لدى الحركة الإسلامية، خلافاً لكل الأحزاب والتيارات الأخرى... لم يكن "خيرت الشاطر" هو الذي رشَّح نفسه، ثم جاء "محمد مرسي" ليرشِّح نفسه بديلاً عنه ومنافساً له. إن خيرت الشاطر لم يطلب الولاية لنفسه ولم يسع إليها. لقد أجاب واستجاب لنداء الواجب عند طلب ذلك منه وتكليفه بهذا الأمر، ونفس الشيء بالنسبة للدكتور محمد مرسى، الذي لم يطلب الولاية لنفسه ولم يسع إليها، ولكنه أيضاً استجاب لنداء الواجب ولطلب الفعل والمبادرة منه عند تكليفه بذلك. وفي ذات السياق، لم يكن ترشيح "الشاطر" ثم "مرسى" مسألة تنبني على شخصانية ما، بل على قيام كل منهم بهمة قيادة مشروع النهضة الذي يقوم بصياغته والتخطيط له وتنفيذه كل مواطن في مصر، بمبادرة وتحرك أساسي من الحركة الإسلامية يتسع للجميع وتتجمع فيه جميع الطاقات وتتضافر جميع الجهود لتحقيق شرط النهضة، الذي هو فعل الثورة، وإطار إعادة البناء الجديد، وتفكيك السلطة والهيكل والنظام القديم. المسألة لم تكن مسألة شخصية أو شخصانية، ولم يكن الأمر لدي الإسلاميين في صورة الحديث عن شخص "الشاطر"، بحيث يكون الأمر كله من باب الدعاية كما يفعل الآخرون، ولم تكن المسألة بطريقة خداع الشعب والتدليس عليه – وكأن الأمر هو بنفس الطريقة والحال التي لدى القوى السياسية عموماً في كل مكان بالعالم من حيث طرح "المرشح اللامع"، ثم إعادة تلميعه وتقديمه بكل أشكال التجميل والدعاية إلى الناس لكسب أصواتهم، دون أن يكون لديه هو أو لدى حزبه أو تياره مشروع حقيقي، بل مجرد شعارات وعناوين كبيرة دون مضمون حقيقي. لم تكن المسألة كذلك بالنسبة للإسلاميين، بل كانت طرحاً لمشروع نهضة يحمله خيرت الشاطر، وإن لم يكن فليحمله محمد مرسى، أو غيره أو غيره من رجالات الحركة الإسلامية – مثلما كان الحال – مع الفارق في القياس – مع قادة جيش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الشهداء وهم يتساقطون ويسلمون الراية من أحدهم إلى الآخر لتظل راية هذا الدين مرفوعة، بغض النظر عن الذي يرفعها سواء قضى نحبه شهيداً أو ينتظر. ومن هنا، لم يكن في الأمر ما يتحمَّل التهكم والتهريج بالقول بالمرشح الأصلي والمرشح "الاستبن"، بل قيادة بعد قيادة، وتضحية بعد تضحية، وتصدي لحمل لواء الحق مع الاستعداد لدفع الثمن – إن لهم أن يقولوا بحق: "هي لله .. هي لله.. لا للمنصب ولا للجاه".. وكل الدعاء أن يوفق الله كل المصريين لما يحب ويرضى، وأن يولي عليهم من يُصلح... وعلى الله قصد السبيل.