عرضت قناة التحرير منذ فترة تسجيلاً للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح قبل ثورة 25 يناير ، وكان يتحدث فيه عن البطش الذى تمارسه الداخلية بسبب المحاكمات والاعتقالات الظالمة التى تنال من المعارضين وخاصة الإخوان المسلمين .. وكان يتكلم موجهاً كلامه لحبيب العادلي ويطالبه بألا يكون آداة بطش لحماية نظام مبارك فقط بينما اللصوص الذين سرقوا اموال المصريين يرتعون فساداً ، وعندما قال " لا يجب أن يكون دورك أن تتعقب الشرقاء آمثال خيرت الشاطر وغيره من الطيبين والصالحين من ابناء مصر " لم يستطع أن يتمساك وانهارت دموعه في مشهد مؤثر بعدما ذكر اسم صديقه ورفيق دربه .. ومن يتأمل هذا التسجيل لابد وأن يفكر في السؤال المنطقي : كيف تحول الأخوة لإعداء ؟! لماذا قاد خيرت الشاطر بنفسه فيما بعض حملة الهجوم علي أبو الفتوح بمجرد اعلانه رغبته في الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية .. بل وكان وراء قرار فصله من الجماعة ، بل وحتى بعد قرار اللجنة العليا للانتخابات باستبعاده من الترشح .. يقف الشاطر وراء رئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسي ليس ليفوز بالضرورة .. لكن حتى لا يفوز أبو الفتوح كما يؤكد كثيرون بسبب تفتيت الاصوات .. علامات استفهام عديدة تخرج من سؤال واحد .. ما سبب هذا العداء ؟! رسمياً لا يوجد شيء سوي قرار الجماعة ، فمجلس شورى الجماعة يري أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح برنامجه الانتخابي مشروع شخصي وليس مشروعا إسلاميا، فضلا عن خروجه عن أهداف وبرامج الدعوة، وخاصة فيما يتعلق بتصريحاته التي وصفت المرشد العام للإخوان المسلمين بأنه "رئيس جمعية"، بما أدى إلى حالة من الاحتقان ضده. وفيما يخص أبو الفتوح ، فقد قال إن ترشيح المهندس خيرت الشاطر للرئاسة، لم يضايقه، ولم يسحب من مؤيديه، لأنه يعتمد على التيار الرئيسي المصري والذي جزء منهم هو الإخوان والسلفيين والليبراليين ، وأضاف إن فصله من الجماعة ثم ترشيحها للشاطر يحتاج من الإخوان لرد اعتبارها بعد الارتباك الذي حدث منها”، مشددا على أنه لم يمس اعتباره حتى يحتاج إلى رد اعتباره. ولفت إلى أنه ليس لديه أي معارك ذاتية مع أي طرف بما فيهم الشاطر، لكن قد يكون هناك معركة من الطرف الأخر، مشيرا إلى أن عدائه مع أي شخص ضد مصر ، وأوضح أنه ليس راضيا عن أداء جماعة الإخوان، مؤكدا أن ترشيح الشاطر سيزيد من تفتيت أصوات الإسلاميين، معتبر أن ترشيح الإخوان أحد يؤثر على مصداقيتها وخطأ كبير منها ، وأشار إلى أنه لا يوجد فصل بين الجماعة وحزب الحرية والعدالة، مؤكدا أنه إذا نجح الشاطر في الرئاسة سيكون ولائه لمن رشحه وهى الجماعة ومرشدها، لذلك هو –أي أبو الفتوح- انفصل عن الإخوان عندما قرر الترشح للرئاسة. وقال:”إن لم يكن يسعى ولا مرة لمناصب، وشباب الثورة هم الذين طالبوني بالترشح للرئاسة حتى لا نتخلى عن الوطن”. عموماً بعد استبعاد الشاطر الكلام السابق لم يعد مهماً .. المهم لنا هنا موقفه من صديق الأمس الشاطر ، فقد قال بخصوص تشبيه الناس للشاطر بنبي الله يوسف، أضاف:”إن أنبياء الله أعظم أن يكون أحد من البشر مثلهم”. وأكد أن ألاعيب اللف والدوران ليس من خلقي، موضحا أنه لم يتحدث مع الشاطر منذ أن ترك هو الإخوان، كما لم يزوره عندما مرض !!. تعالوا نقترب أكثر من الحكاية ، العلاقات الطيبة جمعت الرجلين على مدار ثلاثين عاما داخل جماعة الإخوان، كما قال بعض قياداتها لصحيفة الشروق لم تمنع الخلافات من الظهور للعلن، ربما تبدو قصة انتخابات مكتب الإرشاد فى 2009 والتى تم فيها إقصاء أبوالفتوح أقرب المشاهد الإعلامية لهذا الصراع بين «فرسى الرهان». لكن كما يقول أصدقاء ورجال عملوا بالقرب من الرجلين، الصراع بدأ مبكرا لكنه لم يصل أبدا إلى نقطة التصادم. «خيرت كان دائما حريصا على أن تكون علاقته جيدة بالجميع ولم تكن هناك مشاكل بينه وبين أى أحد. وأبوالفتوح كذلك كان حريصا على تأكيد هذه العلاقة رغم اختلاف طريقة التفكير. قد تتوتر العلاقة بين عبدالمنعم وآخرين فينعكس الأمر سلبا على خيرت. لكن لم يكن بينهما مباشرة شد وجذب» . الخلاف فى طريقة التفكير، هكذا أراد الكل أن يكون عنوان العلاقة بين الشاطر وأبو الفتوح. الأول لديه «مشروع تنظيمى» والثانى «مشروع مجتمعى»، الأول منشغل «بالهم الإخوانى» والثانى يقلقه «الهم المصرى». محمد حبيب الذى خرج من مكتب الإرشاد بالتزامن مع أبوالفتوح، يقول إن الأخير كان «أكثر انفتاحا على القوى السياسية وله شبكة علاقات اجتماعية ومارس العمل العام على مستوى كبير» فى إشارة إلى إشرافه على المهنيين داخل الجماعة ثم عمله فى لجنة الإغاثة بصفته أمين اتحاد الأطباء العرب. «كان ضمن اللجنة التى نسقت مع حزب الوفد فى انتخابات 1984 ثم فى التنسيق مع العمل والأحرار فى 1987»، جنبا إلى جنب مع مأمون الهضيبى وأبوالعلا ماضى. أما خيرت الكلام لا يزال لحبيب فكان «أكثر انكفاء على التنظيم والابتعاد عن الضوء والإعلام والقوى السياسية. كان يؤمن أن جهودنا يجب أن تنصرف للتنظيم والبناء».أحدهم هو الشاطر كان يقول إن العلاقة مع القوى السياسية مضيعة للوقت والثانى هو أبوالفتوح كان يتصور أن تهيئة الرأى العام تمثل رصيدا احتياطيا لانتشار دعوة الإخوان. الشاطر كان أقرب فى ذلك إلى التيار الراديكالى داخل الجماعة وكان أقرب إلى شخصيات مثل محمود عزت وحسن مالك ومحمود غزلان الذى زوجه أخته، فى حين أن أبوالفتوح كان أكثر توافقا مع محمد البلتاجى وعبدالله عمر وهشام حمامى وآخرين أدخلهم هو إلى صفوف الجماعة مثل إبراهيم الزعفرانى وحلمى الجزار وحامد الدفراوى. الفكرة التنظيمية تريد دائما حدودا واضحة «وتعيش أفضل تحت التهديد، وشكل اتخاذ القرار يقوم على الطاعة»، أما الفكرة المجتمعية «فتقوم على العلاقة مع الفرد والانفتاح عليه، فكان لأبوالفتوح موقف منفتح من الآداب والفنون»، يقول أحد أعضاء الجماعة، فى إشارة إلى زيارته لنجيب محفوظ بعد تعرضه لاعتداء إرهابى. الشاطر أقرب إلى فكر مصطفى مشهور وأبوالفتوح أقرب إلى عمر التلمسانى، لا يحتاج الأمر كثيرا من التحليل لدى أعضاء الجماعة للوصول إلى هذه النتيجة. أحد القيادات السابقة للجماعة إبراهيم الزعفرانى يقول إن الخلاف كان فى الاسلوب. «أبوالفتوح كان شفافا وواضحا ولا يحب الغموض، بينما كان الشاطر يعمل فى الخلف ومن وراء ظهر مكتب الارشاد ولا يكشف عن حركة الأموال كيف تأتى وتصرف وكيف يعين الأفراد وكان أبوالفتوح يتمتع بالشجاعة للافصاح عن رفضه لهذه السرية». يسبق الشاطر أبوالفتوح بعام واحد. الاثنان تشكلا على حب جمال عبدالناصر وإن انخرط الشاطر فى التنظيم الطليعى.، والاثنان انفصلا عن مشروع الزعيم بعد النكسة. الشاطر الذى كان يدرس الهندسة فى جامعة الإسكندرية ارتمى فى حضن جماعة الإخوان، أما أبوالفتوح طالب الطب فسجل بدايته داخل حركة الجماعة الإسلامية فى الجامعة قبل أن يلحق بصفوف الجماعة مطلع الثمانينيات وقبل مقتل السادات بعام واحد. وسجل هذا العام بزوغ نجم الفرسين، «المهندس والدكتور». أحد من عملوا بالقرب من الشاطر على مدار سنوات، ويفضل عدم الإفصاح عن اسمه، يقول ل«الشروق» إن «الشاطر كان لا يسمح لمن حوله أن يكون على علاقة بأبوالفتوح» الخلاف الفكرى لم يمنع الاختلاف الشخصى وإن لم يفصح أحد عنه صراحة. لكن الإخوان يعودون بالزمن إلى عام 1996 عندما كان الرجلان فى السجن فيما عرف باسم قضية «عبدالوهاب شرف الدين» التى اتهم فيها الإخوان أنهم على علاقة بتنظيم الجماعة الإسلامية المسلح عبر من عرف ب«ياسر سرى». «وصل لأبو الفتوح كلام عن وصف أحد قيادات الجماعة له بأنه عميل للأمن. أصيب بأزمة قلبية ونقل للمستشفى وحاول هو وشقيقه تعقب المصدر إلى أن وصلوا للشاطر. الشاطر بكى وقتها واعتذر لأبوالفتوح»، يروى نفس المصدر. يقول الزعفرانى إن سبب الأزمة كان اطلاع الجماعة على خطاب أرسله أبوالفتوح لأبو العلا ماضى بعد انشقاقه عن الجماعة. لكنه يضيف أن الشاطر كان يلمح دائما أن ابو الفتوح «له مقولات وأفكار تميل للغرب وللحالة الديمقراطية والتى لا يراها الشاطر تتوافق مع الإسلام. وبدأ يصف أبو الفتوح وعصام العريان وآخرين بأنهم أجندة». انتخابات مجلس الشعب فى 2005 دفعت بالخلاف بين الشاطر وأبوالفتوح إلى القمة. «اتصل بنا الأمن وكانوا راغبين فى إجراء انتخابات شبه ديمقراطية ونحن كان هدفنا أن يخرج المصريون من سلبيتهم ويقبلوا على صناديق الاقتراع»، يروى محمد حبيب الذى كان طرفا فى هذه المفاوضات جنبا إلى جنب مع المرشد مهدى عاكف ونائب المرشد الثانى خيرت الشاطر. ويضيف حبيب «كانت السلطة تريد أن تخفض عدد المرشحين ونحن لم يكن يعنينا عدد المقاعد التى سنحصل عليها وإنما كنا نريد أن يكون لنا مرشحون فى أغلب الدوائر لأنها فرصة للتواصل ونشر الدعوة. رفعنا السقف وبدأنا من 200 مرشح ووصلنا إلى 161 مرشحا». أبو الفتوح كما يقول المصدر الذى عمل مع الشاطر «كان يرى أنه لا يجب الالتزام بأى عدد وأن على الإخوان أن يفرضوا أنفسهم على الشارع ليسببوا حراكا. كان يراهن على الشارع»، فى حين كان الشاطر يريد «الترتيب مع الدولة وأجرى اتفاقا معها باسم الجماعة». حصلت الجماعة على 34 مقعدا فى الجولة الأولى من الانتخابات ثم 42 فى الثانية ثم جاءت الثالثة والنتيجة كما تقول جماعة الإخوان «14 شهيدا و800 مصاب و1700 معتقل». «رأى أبوالفتوح كان سيجعلها بحارا من الدم وكان سببا فى القبض على الشاطر»، على الأقل هذا ما يعتقده هو. «كان دائما يردد أبوالفتوح هو السبب فى سجنى». بدأ نفوذ الشاطر فى التمدد. محمود عزت كان معجبا به وكان هو موضع ثقة من عاكف المتزوج من شقيقته. ذهبت الأمانة العامة لعزت والأموال بالكامل عند الشاطر. «ووظف أعضاء من الجماعة فى شركاته الخاصة فيدير أحد مكاتبه نجل محمود عزت». وعندما جرت الانتخابات التكميلية فى 2008 «اختار الشاطر جميع الأسماء»، لكن عاكف بحكم الميراث التاريخى له كان يجد دائما حلولا وسط بين المشروعين، مشروع الشاطر ومشروع أبوالفتوح. العام التالى شكل لحظة فارقة. مهدى عاكف، آخر القيادات التاريخية فى الإخوان، تقدم باستقالته. «لحظة خروجه كانت معركة تنظيمية ولحظة قوة لتيار الشاطر»، يقول رجل الشاطر السابق. «كثر الحديث حينها عن أبوالفتوح وعن انه يعمل لمشروع شخصى وله علاقات مشبوهة. وبالتالى كان طبيعيا أن تشهد لحظة خروج عاكف خروج أبوالفتوح». يرفض محمد حبيب الحديث عن هذه اللحظة «الفارقة» ويقول انه يؤجلها لتصدر فى كتابه القادم. فى ذلك العام خرج حبيب غاضبا واعتكف فى منزله بأسيوط، أبوالفتوح الذى تم إقصاؤه أيضا استقل القطار وذهب يواسيه، .. لماذا أعلنت قيادة الإخوان الحالية الحرب على عبدالمنعم أبوالفتوح، أحد رموز الجماعة الأكثر شعبية، طرح السؤال على أى عدد من الأشخاص داخل تنظيم الإخوان، لا يؤدى لإجابات مختلفة. الجواب هو خيرت الشاطر. «لأن قدس الأقداس بالنسبة له هو التنظيم». يقول الشاطر عن أبوالفتوح «هو أخ فاضل وعزيز والمسألة ليست شخصية. لكن الجماعة من خلال مجلس شوراها اتخذت قرارا بعدم الترشح للرئاسة. طبيعى أن تتعدد الرؤى ولذلك لدينا الشورى وعلى الأقلية الالتزام بقرار الأغلبية». تراجعت الجماعة عن قرارها من الرئاسة لكن لم تتراجع عن موقفها من أبوالفتوح. خسر أبوالفتوح مشروعه داخل الإخوان واكتسب مساحة فى الشارع. وخسر الشاطر أبوالفتوح واكتسب مزيدا من النفوذ فى الإخوان. فيديو بكاء أبو الفتوح على سجن الشاطر .. http://www.youtube.com/watch?v=LRjb5YBfEcU