خرجنا في مسيرة من مسجد مصطفى محمود بعد صلاة الجمعة (27 يناير 2012)، غيرت المسيرة طريقها المعتاد ومشينا أكتر في شوارع جانبية لكي نجمع ناس أكثر. كانت المسيرة جميلة جدا، وأخذت تكبر وتتسع وكانت هتافاتها تنويعات على شعار "يسقط يسقط حكم العسكر". كان عدد المشاركين بالمسيرة هائلا، ولم يكن يُرَى لها بداية ولا نهاية، وكانت مفروشة بعلم مصر، وكانت أصواتنا وأصداؤها ترج العمارات حولنا في المهندسين والدقي. أثناء المسيرة، جرب أحدهم يهتف "اتنين ملهمش أمان.. العسكر والإخوان"، لكننا أسكتناه. وأي هتافات كانت تعمد لتخوين أي فصيل لم تكن تلاق صدى أو تجاوبا، وكانت تلك الهتافات تموت بمنتهى السرعة. مشينا من الساعة الواحدة ظهرا، ووصلنا كوبري قصر النيل الساعة الرابعة والنصف عصرا. توقفنا أكثر من مرة فوق الكوبري، منهما مرتان لقراءة الفاتحة لأرواح الشهداء ومرة ثالثة توقفنا لصلاة العصر. وعندما جئنا لندخل الميدان كان المشهد على النحو التالي: كانت منصة الإخوان تواجه كوبري قصر النيل، وكان معلقا على أعمدة الإشارة بجانب المنصة 17 ميكرفونا لهذه المنصة. هذا رقم حقيقي وليس مبالغة. كانت الميكروفونات تذيع بأعلى صوت سورة الكهف. كلنا توترنا، ولا ندري ماذا نفعل. نعم كان هذا قرآنا يتلى. لكنه قرآن في غير موضعه. ويتم استغلاله لإخراس هتافات الثوار المنادية بسقوط العسكر، وإعلانا لموقفهم الحقيقي من التجمع في التحرير. حاولنا نهتف، لكننا لم نكن قادرين على إسماع صوتنا من شدة ارتفاع الصوت المنبعث من ميكروفانات القرآن. رفع رجل كان أمامي جزمته في الهواء، فرجوته أن ينزلها، وقلت له سيقولون عنا كفرة نرفع جزمنا عند إذاعة القرآن. وطلب الناس الذين حوالينا منه أن ينزلها، ونزلها فعلا. على المنصة، كنا نرى مجموعة أشخاص يرتدون زي المشايخ، وبعض الشباب لابسين كابات، أظنها كابات الحرية والعدالة. وكنا نشير لهم بأن يخفضوا الصوت. لكنهم لم يعبؤوا بنا. ساعتها بدأ بعض الشباب يتحركوا من أجل أن يتسلقوا أعمدة الإشارة ويقطعوا سلك الميكروفونات. والقرآن لسه مستمر، كأننا كفار قريش. ولما واحد منهم أمسك بالميكرفون، قال "احترموا القرآن يا شباب". عندها استفز جميع الواقفين. أولا، من ناحية المبدأ، الأمر لا يصح أن يكون احتلالا. ولا يحق لأي جهة مهما كانت أن تثبت 17 ميكروفونا في ميدان التحرير، وتشغلهم على مزاجها. ثانيا، هؤلاء الداخلين إلى الميدان ليسوا أجانب.. بل هم مصريون مثلكم تماما ولهم حق في المكان مثلكم أيضا. ولهم حق في أن يُسمَع صوتهم بدون أن يشوش عليهم أحد. أم أن الديمقراطية عندكم هي أن تكسب مكانك بأصوات الناس وبعد ذلك تخرسهم. ثالثا. هؤلاء الداخلين ليسوا كفارا. هم مسلمون وكانوا يصلون العصر ويقرؤون الفاتحة للشهداء. وواضح لكم أنهم متضررون من تصرفكم الذي عملتوه. وتريدون أن تظهروهم كأنهم لا يحترمون القرآن. الناس كلهم غضبوا، والذين رفضوا على مدار مسيرة مدتها 3 ساعات ونص أن يهتف أحد ضد الاخوان، تم استفزازهم في تلك اللحظة باتجاه الهتاف ضد الإخوان. وقد ولد الهتاف تلقائيا بيننا: "بيع بيع بيع الثورة يا بديع". استمرت إذاعة القرآن بصوت عال، واستمر هتافنا. حاول أحدهم أن يتكلم وكان يقول: "عيب يا شباب". ولم نفهم من الذي يصدر عنه العيب. هل هو الذي يخرس الناس مستفيدا من قوته، أم الذي يحتل ميدانا صنعه كل المصريين، وهو قرر فجأة أنه يملكه، ويطير فيه البالونات احتفالا! نعم! هتف الناس ضد الإخوان. وقلنا إنهم خونة وكذابين. حاولوا احتواء الموقف وأحضروا محمد عبد المنعم الصاوي يتكلم وكذلك أحمد ماهر. والمنصة التي كانت منذ دقائق تذيع قرآنا بصوت عال لإخماد صوت الثوار في هتافهم ضد العسكر، فجأة تحولت إلى منصة ثورية تقول: "ثوار أحرار حنكمل المشوار". ولما هتف الإخوان "يسقط يسقط حكم العسكر" ردينا عليهم "يسقط يسقط الاخوان". أريد أن أقول لمن يقرأ هذه السطور أن كاتبة السطور ليست إنسانة طائشة ولا بلهاء ولا سريعة الغضب والانفعال. والذين يعرفونني يعرفون ذلك عني جيدا. أفهم تماما ما تعنيه وحدة الصف. ولا ينفع بأي حال أن ننقسم على أنفسنا. لكن يا فرحتي لما أجد أنه في يوم 28 يناير قبل سنة كان يطلق علينا الرصاص ليقتلوننا، واليوم يتم استخدام الدين ضدي ليقتل صوتي. ماذا تغير خلال سنة؟! أصبحنا أشداء على بعض رحماء على العسكر؟ نوجه برقية تهنئة وشكر للعسكر على انعقاد أول جلسة لمجلس الشعب ويطلق بعضنا الصراخ على بعض في الميكروفونات ليقول أنه لا صوت غير صوته؟ هل أصبحت الأمور بالعافية؟ أنا نشأت في بيت يفخر بتاريخ جدي ونضاله في صفوف الإخوان. وكنت أعتب على الاخوان قبل أحداث شارع محمد محمود انفصالهم عن الثورة. لكن العتب تحول بعد أحداث محمد محمود لألم. واليوم أوشك أن يتحول لكره. لولا إن لي أصدقاء من الإخوان، وأعلم أن ناسهم من أحسن الناس، كنت كرهتهم بلا تردد. لكن متى سينتهي هذا الحمق السياسي؟ بقيت منصة الإخوان تذيع النشيد الوطني، وبعض الناس كانوا يحاولون رجمهم بأشياء وكنا نمنعهم. أريدكم أن تطمئنوا أنه لا أصابع خارجية ولا طرف ثالث افتعل الأزمة. الأزمة خلقها الذين حاولوا أن يخرسوا الناس. أستطيع أن أتفهم لماذا تخلى العسكر عن الثورة، لكنني غير قادرة أن أفهم ولا أتفهم لماذا البرلمان الذي جاء من الناس يخرس صوت الناس؟! عندما دخلت الميدان لم أكن مرتاحة أبدا لرؤية بائع الأعلام يقول لي: "علم مصر بخمسة جنيه. علم الاخوان بخمسة جنيه". هذه لقطة نسجلها في رصيد ملاحظاتنا. لماذا ستدخل الناس الميدان رافعة علم مصر أو علم الاخوان. أنا مستاءة وحزينة وغاضبة.