فاز الإسلاميون بالمرحلتين الأولى والثانية من انتخابات مجلس الشعب، بأغلبية مريحة،صحيح، انتصار له تداعيات أيدلوجية وفكرية، ولكنه انتصار في الوقت ذاته لا يخلو من تعبيرات طبقية. فلأسباب تاريخية واجتماعية-اقتصادية، تركزت الكتلة المدنية كما اصطلح عليها في الطبقة العليا والطبقة المتوسطة العليا، بينما توغل الإسلاميين من الطبقة المتوسطة الأدنى صعودا وهبوطا في الطبقتين الدنيا والمتوسطة الوسطى، ووصلوا إلى الطبقى المتوسطة العليا ممثلة في برجوازية المدن في السنين القليلة الماضية مع صعود دعاة من قلب هذه الطبقة كعمرو خالد مثلا، لكن هذا التوغل الأخير بسبب نوعيته وخفة حدته وابتعاده عن السياسة بشكل صريح، لم يغير في التحيزات القيمية والنفسية لفئات كثيرة داخل هذه الطبقة . في المفهوم السياسي التقليدي تمثل السياسي صراع طبقات على السلطة، ومحاولة كل طبقة اكتساب أو حماية مصالح معينة، تتدخل فيها المصالح والطموحات الشخصية كما تلعب وسائل الإعلام والأبعاد الدينية دورا كبيرا، لكنه يظل أقل تأثيرا من البعد الطبقي، لا يعني هذا أن الانتخابات ستمثل انتصارا لطبقات على طبقات أخرى، لكنها ستمثل انتصار لتيار أيدلوجي متوغل في طبقة معينة، على تيار أيدلوجي متوغل في طبقة معينة ولهذا فرغم البعد الطبقي في التوصيت إلا أنه يجعل الصراع الطبقي صراعا زائفا لتخفيه وراء شعارات أيدلوجية وفكرية لا تعبر عن المصالح الطبقية بشكل واضح خصوصا في الجانب الإسلامي، الذي رغم أن خلفه أكثر الطبقات تضررا من النظام الاقتصادي فإن برامجه كلها تتجه ناحية رأسمالية تقليدية ستعيد انتاج نفس التفاوت الطبقي والاجتماعي مرة أخرى. البعد الطبقي في الاستفتاء تم الربط كثيرا بين نتيجة الاستفتاء السابق وبين نتائج الانتخابات الحالية، ويرى الكثيرون أن كتلة لا هي نفس الكتلة المدنية في الانتخابات، ورغم عدم دقة ذلك إلا أنه مايزال معبرا عن صحة نسبية. كان الخيار وقت الانتخابات هو بين قبول التعديلات أو وضع دستور جديد، مالت القوى الإسلامية لخيار القبول للتعجيل بانتخابات برلمانية تضمن لها وضع دستور دون توافق، بينما مالت القوى الثورية والمدنية إلى خيار التعجيل بوضع الدستور أولا لاسقاط القديم واستكمال الثورة، ولوضع أرضية حقوقية لا تكون محل صراع فيما بعد. يمثل المسيحيون أحد الروافد المنطقية والبديهية للتيارات المدنية، وتميل أصوات المسيحيين بشكل طبيعي دون أدنى حاجة لتوجيه إلى ترجيح كفة الخيار المدني، على خيارات جماعات أخرى لا تؤمن بحقهم في المواطنة. يمكن استعراض بعض نتائج الاستفتاء ودلالتها الطبقية الواضحة، في محافظة الجيزة، مثلا كان عدد المصوتين ب"لا" إجمالا 32 بالمائة، جزئيا كانت نتيجة الدوائر ذات التمركز العالي من الطبقتين الوسطى العليا والعليا أعلى من هذه النسبة، الدقي كانت 53 بالمائة لا، والعجوزة 54 بالمائة لا،بينما تنخفض هذه النسبة إلى 35 بالمائة في امبابة ثم إلى 29 بالمائة في الطالبية . في الدقهلية، كانت نسبة لا في مدينة المنصورة عاصمة المحافظة 46 بالمائة تقل في مدينة ميت غمر إلى 32 بالمائة ثم في أجا الأكثر قروية إلى 16 بالمائة. في القاهرة، ورغم أن بعض الدواير يقل فيها وضوح البعد الطبقي بسبب التصويت الطائفي فيها، إلا أنه بسهولة يمكن ملاحظة ذلك في دوائر الطبقة العليا مثل مصر الجديدة كانت نسبة لا 65 بالمائة تقريبا أعلى نسبة في الجمهورية بينما في مدينة نصر "طبقة متوسطة ومتوسطة عليا " كانت 53 بالمائة في قسم أول، و37 في قسم ثان، وفي قسم قصر النيل\\وسط البلد كانت نسبة لا 63 بالمائة بينما حينما نذهب للشرابية مثلا تقل النسبة إلى 29 ثم إلى 26 في المطرية. بينما مثلت أكثر المحافظات البعيدة عن الطبقتين العليا والوسطى الأعلى، والخالية نسبيا من المسحيين مثل الشرقيةوكفر الشيخ أقل النسب التصويت ب"لا" 13 بالمائة و12 بالمائة على التوالي. التعبير الطبقي الانتخابات أعقد بكثير جدا من الاستفتاء كما أنها أقل صراحة في مشكلاتها، وتتدخل فيها عوامل كثيرة حاسمة مثل شخصية المرشحين وحجم التمويل وحجم الشائعات واتساع الدائرة، هل سبق له الترشح أم لا،أكبر حملتين إعلانيتين هما حملتي النور والإخوان تليهما الكتلة ثم الوفد. تعتمد قائمة الإخوان على تحالف شكلي لا يغير من كون الإخوان 75 بالمائة في القوائم، ولهم مرشحون في 90 بالمائة من مقاعد الفردي. لكن مجرد هذا التحالف الشكلي يطمئن فئات غير إخوانية لنوايا الإخوان ويجعلهم خيارا مقبولا، بينما يعتمد النور على حملة إعلانية قوية جدا وعلى الكتلة العددية للتيار السلفي التي تزيد بكثيرعن الكتلة العددية للإخوان. تلك الزيادة العددية للنور يحاول الإخوان تعويضها بالاستعانة بإخوان محافظات المرحلة الثانية والثالة، بينما تعتمد الكتلة المصرية على الكتلة المدنية في الطبقات العليا وعلى تصويت طائفي من جانب المسيحيين، أما الوفد فله قناتان وإن كنت لم أستوعب لماذا انتخبه الناس . بينما لظروف الميدان والثورة وعدم وجود أي تمويل لم تستطع قائمة "الثورة مستمرة" المنافسة بجدية في المرحلة الأولى، وإن كانت تعتمد لو نظريا على التصويت لصالح برنامجها ذو الطابع اليساري وعلى نبذ الاستقطاب الإسلام العلماني بإسقاط هذا على الواقع، كانت نتيجة محافظة القاهرة في الاستفتاء 60 بالمائة نعم، وكانت نسب الحرية والعدالة والنور معا حوالي 55 بالمائة في الانتخابات، بينما أتت الكتلة في المركز الثاني على مستوى القائمة في القاهرة، وكان الأمر أكثر وضوحا في دائرة مصر الجديدة حيث 65 بالمائة لا فاز عمرو حمزاوي \\فئات الليبرالي بسهولة على منافسه الإخواني وكذلك فاز هشام سليمان\\عمال بسهولة أيضا في الإعادة، وفي مدينة نصر ذات ال 53 بالمائة لا تمكن مصطفى النجار\\فئات بسهولة على التغلب على منافسه السلفي المدعوم من الإخوان وربما لهذا حرص الإخوان في الدعاية على التركيز على فئة لا تصت تقليديا للإخوان مثل هذا الفيديو، وتمكن عمرو عودة\\عمال بصعوبة في الفوز على الإخواني عصام مختار أيضا في القاهرة في دايرة قصر النيل ذات ال63 بالمائة لا تمكن أبو حامد \\مصريين أحرار من هزيمة منافسه الإخواني، بعدما فتت الأصوات بينه وبين جميلة في الجولة الأولى بينما في كفر الشيخ ذات النسبة البالغة 12 بالمائة لصالح "لا"، حاز حزب النور على نسبة أعلى من الإخوان أنفسهم، وكذلك بالاسكندرية حيث نسبة التصويت ب"نعم" كانت 67 بالمائة، حصل السلفيون والإخوان معا على 65 بالمائة تقريبا، بينما تمكن مرشحوا الإخوان في الدوائر التي كانت نسب "لا" و"نعم" متقاربة فيها من الفوز ولو بصعوبة على مرشحي النور، بينما في مينا البصل حيث نسبة التصويت ب"لا" 17 بالمائة، والأكثر تمركزا للطبقات المتوسطة الأدنى، تمكن السلفيون من هزيمة الإخوان في الإعادة. !حرية اجتماعية أم عدالة اجتماعية تتمحور أغلب النقاشات بين التيارين الإسلامي والعلماني\\المدني حول الحرية الاجتماعية، تلك الحرية النسبية التي تمتعت بها الطبقات العليا، وكذلك حول حرية الرأي والنشر النسبية الموجودة، وهي كلها قضايا لا يمكن التنازل عنها، ولكنها لا تمثل إلا مصالح طبقة معينة وليس على تحالف مثل "الكتلة المصرية" جعل نفسه معبر عن تلك الطبقة مدافعا عن الحريات الاجتماعية ومتبنيا برنامجا رأسماليا ألا يفاجئ حينما تكون كتلته التصويتة هي كتلة الطبقة العليا مضاف إليها التصويت الطائفي بتحريض من الكنيسة، ولا تلام بقية الطبقات أنها لم تنتخب كتلة أساسا تعمل ضد مصالحها، ولكن هذا لا يعني أن التصويت وإن كان له بعد طبقي أنه أتى انتصارا للعدالة الاجتماعية، البرامج الافتصادية للإخوان والسلفيين ساذجة كأنها كتبت على عجل وبدون اهتمام اللهم إلا اهتمام حزب النور بالقول أنه سيلغي النظام الربوي تدريجيا، مع ميل الاثنين إلى السوق الحرة ما سيجعل سياسيتهم الاقتصادية في الأغلب مجرد تكرار لسياسات النظام السابق مع بعض التعديلات الشكلية مع صعود لفئات منهم إلى الطبقات العليا عن طريق السلطة وتيسييرات التعامل. التصويت الطائفي تعويضا عن الفقر السياسي بسبب الفقر السياسي اعتمدت الكتلة المصرية على تصويت طائفي، في خطوة حمقاء، لأن كل تصويت طائفي مسيحي يقابل بحشد طائفي إسلامي يزيل أثره، كما أنه يجعل كثيرين من الأقرب للكتلة المدنية يعطي صوته للإخوان عنادا في التصويت الطائفي المسيحي. وعلى الجانب الآخر، ونظرا لفقرهم السياسي المخيف، يلجأ السلفيون للحشد الطائفي لعجزهم أي طرح أي برنامج اقتصادي أو اجتماعي أو طرح أي تصور حقيقي لتطبيق الشريعة، وهو ما يجعل للاحتجاج الطبقي عبر التصويت ب"لا" معنى لأنه لن يترجم لسياسات اقتصادية أكثر عدالة. يجب الدفاع عن المجتمع في نفس الوقت التنازل عن الحرية الاجتماعية وإن كانت معبرة عن مصالح طبقة معينة، يعني القبول بدولة شمولية، فأن يتحكم أحد ما في طريقة ملبسنا وفيما نقرأه وفي آرائنا، لحساب العدالة الاجتماعية، هذا يعني أننا ننحاز بلا وعي إلى النموذج الناصري حيث طبقة متوسطة وفرص عمل للخريجين وحيث السجون والمشانق للمعارضين، ومن هنا يكون الدفاع الصلب عن الحرية الاجتماعية جزءا أساسيا من الدفاع عن المجتمع ضد تغول السلطة، وضد تشكيل سلطات شمولية تستعبد الناس لصالح فئة صغيرة في الأعلى. قائمة "الثورة مستمرة" ربما تكون هي الأكثر ميلا في القوائم للتركيز على المشكلة الاقتصادية بشكل يساري مع تبني المطالب الحقوقية المدنية، ولكن يعوزها الكتلة العددية المستعدة للتحرك الفاعل، وينقصها كذلك التمويل، ورغم ذلك فهي تتلافى عيبي الكتلة المصرية : التصويت الطائفي والرأسمالية.