المبادىء والفلسفة الذرائعية القائمة على الاستشراف العملي للمسائل والقضايا, بدلا من التعصب الايديولوجي, الحقائق والبراهين عوضا عن الانفعالات والاحكام المسبقة, هكذا ترغب هيلاري كلينتون ان تمارس عملها كوزيرة للخارجية, والعمل على عرض السياسة الخارجية للولايات المتحدةالامريكية في السنوات الاربع المقبلة الى جانب سيد البيت الابيض باراك اوباما. لقد بدأت السيدة الاولى السابقة, والمرشحة السابقة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي, عضو مجلس الشيوخ السابقة عن ولاية نيويورك, حياتها الجديدة وهي في الواحدة والستين, كوزيرة خارجية للرئيس الرابع والاربعين, وتعود مرة اخرى لخوض المعترك السياسي, السلطوي, ولقد استقبلت بترحاب كبير لدرجة دفعت صحيفة النيويورك تايمز الى القول: بعد مرور ثمانية اعوام, بدا الامر وكأنه احتساء لكوب من الماء البارد في قلب الصحراء, كما عمدت فورين بوليسي الى تدشين مدونة جماعية تحت عنوان السيدة الوزيرة. \r\n \r\n سوف تكون هيلاري هي التي ستطير محلقة الى منطقة الشرق الاوسط للقيام برحلات مكوكية بين مقريّ الحكومة الاسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية, وكي تعمل من جديد على التذكير بما اصطلح على تسميتها رؤية واشنطن, اثناء جلسة الاستماع المخصصة لتثبيت تعيينها من قبل مجلس الشيوخ الامريكي: دولتان تعيشان جنبا الى جنب بامن وسلام, كما ستكلف هيلاري بالسفر الى بغداد وكابول, من اجل اعادة رسم ملامح التدخل الامريكي في كلا البلدين, الانفكاك من العراق, والتزام اكثر فاعلية في افغانستان, وستضطلع هيلاري بمهمة اعادة اقامة علاقات حسنة مع روسيا, وتطويع او تنمية العلاقات والخلافات مع الاتحاد الاوروبي, وادارة التعايش مع القوى الصاعدة في كل من الصين, الهند, والبرازيل, في الفترة الاسوأ من الازمة الاقتصادية التي لم يعرف العالم مثيلا لها بعد الحرب العالمية الثانية, واخيرا, سوف تتكفل هيلاري بادارة المواجهة مع ايران. \r\n \r\n لكن لن تكون هيلاري هي من تقرر منفردة الكيفية التي يتوجب على امريكا اتباعها في استخدامها لما يسمى القوة الذكية, عبر سلم الوسائل المتاحة من دبلوماسية, اقتصادية, عسكرية, سياسية, شرعية, قانونية, وثقافية, بحيث نعمد الى اختيار الوسيلة الانجع, او عمل توليفة من تلك الوسائل تخصص لكل وضع على حدة, وهناك ما هو اكثر من ذلك, فالدبلوماسية ليست بالمجازفة السهلة, لكن فيما لو تم العمل بجد فيكون من الممكن ان تؤدي وظيفتها على الوجه الاكمل, ليس فقط من اجل العمل على ابطال مفعول التوترات بل بهدف الوصول الى نتائج تخص امننا القومي, ولاجل تحقيق مصالحنا وقيمنا وذَكّرت وزيرة الخارجية الجديدة زملاءها اعضاء مجلس الشيوخ بالمكان المخول باتخاذ القرارات, او في البيت الابيض, حيث يمثل فوجيّ بوتوّم الذراع التنفيذية, وهو الاسم المستعار الذي تشير من خلاله واشنطن السياسية الى مقر وزارة الخارجية, لقد قال الرئيس بكل وضوح انه لن تكون ابدا شكوك فيما يخص حقيقة ان الدبلوماسية تضطلع بالدور القيادي في مجال السياسة الخارجية. \r\n \r\n هل ستكون باستمرار ورود ورياحين ما بين اوباما وكلينتون? من الصعب المراهنة على ذلك من دون المجازفة للتعرض للتنفيذ, فالاثنان يتمتعان بحضور قوي وحاسم, كلاهما زعيمان, لقد تم وصف هيلاري كلينتون على النحو التالي من قبل كارل بيرنشتاين, في كتاب: طريقها, حيث قال: لديها قابلية فهم كل من ينتقد خططها, حتى لو فعل ذلك بطريقة استدلالية, كواحد من الاعداء, وبعد ذلك, اذا ما تابعنا تاريخهما في مجلس الشيوخ, والمعركة من اجل ترشيح الحزب, لوجدنا ان الرئيس ووزيرة الخارجية لم يكونا من نفس الفريق باستمرار, رغم انتمائهما لنفس الحزب. كان اوباما قد صوت ضد الحرب على العراق, في حين قالت كلينتون نعم لجورج دبليو, بوش, كما كانت هيلاري ضد قرار الحزب الديمقراطي, الذي كان من شأنه ان يؤدي عبر ايقاف التمويل بقيمة 87 مليار دولار الى تجميد مشروع بوش الخاص بالدرع المضاد للصواريخ, ما تسمى بحروب النجوم: التي رفضها اوباما. \r\n \r\n وعندما قال اوباما اثناء الحملة الانتخابية انه لن يمانع اذا ما توجب عليه التحدث الى الجميع بمن في ذلك الرئيس الايراني, محمود احمدي نجاد, كانت كلينتون قد اندفعت للهجوم مطأطئة الرأس. اما اليوم بالنسبة للمسألة الايرانية على اقل تقدير نجد ان هيلاري هي التي عدلت من موقفها, حيث ان مجلس الشيوخ لم يستبعد ان يعمد الرئيس الامريكي في يوم ما الى التقاء الزعامة الايرانية سيتم التحدث اليهم, لكن ليس لمجرد الرغبة في الحديث, سوف يتم ذلك بشكل استثنائي مع المحاورين المناسبين, بالاوقات والاماكن التي نختارها, وفقط فيما لو كان ذلك يصب في مصلحة الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n ان اختيار كلينتون لمنصب وزيرة الخارجية, كان واحدا من اختيارات الرئيس اوباما الاولى بعد الفوز الذي تحقق يوم 4 تشرين الثاني, ويتم تبرير استدعاء خصم مثل هيلاري كلينتون التي لم تدخر جهدا في توجيه الضربات الى المنافس على مقعد الرئاسة, وفقا للاعتبارات التالية, لقد قرر اوباما السير على خطى سلفه ابراهام لينكولين, الذي اقدم حين تشكيلة الوزارة على اختيار جميع الخصوم, هادفا بدوره الى جعل هيلاري خارج اللعبة, وهو ما يعني اذن الرقم واحد من فريق المنافسين لاوباما, وتتم نتيجة لذلك الحيلولة دون ان تترك لهم كامل الحرية في انتقاد الرئيس, ولاجل القبول بمثل هذا العرض, كانت هيلاري قد طالبت بالكثير من الضمانات, سوف نأتي على ذكرها, اضافة الى غيرها من التطورات اللاحقة على عملية الاختيار, في الحلقة الثانية,