\r\n يصل الزائرون يوميا من مختلف انحاء العالم الى تلك الانفاق الواقعة بالقرب من المدينة التي عرفها العالم باسم سايغون قبل ان يطلق عليها اسم مدينة هو شي منه بعد تحرير فيتنام الجنوبية عام .1975 \r\n \r\n على مقربة من حطام دبابة ام 41 يعرض مرشد سياحي آخر عشرات الانواع من الكمائن المعروفة باسم \"مصائد المغفلين\" التي كان الفيت كونغ ينصبونها للايقاع بالجنود الامريكيين. \r\n \r\n الدولارات الامريكية ليست وحدها سبب ترحاب الفيتناميين بالزوار. فهناك الفخر بما استطاعوا تقديمه للعالم من نموذج في المثابرة, والابتكار والتكيف. وهم يشعرون بالسعادة وهم يعرضون ثمرة هذه المزايا ويعرضون معها تصميمهم على مقاومة الغزاة الاجانب مهما بلغت قوتهم, تماما كما فعلوا مرارا وتكرارا عبر القرون. \r\n \r\n لدى الفيتناميين اليوم اشياء اخرى كثيرة يفخرون بها في سنوات الثمانينيات دمر ورثة هوشي منه اقتصاد البلاد المدمر اصلا بفعل الحرب عن طريق محاولتهم تطبيق الشيوعية وتحويل ملكية الارض الى التعاونيات وكبح المصالح الخاصة. وقد دفع ذلك بالبلاد الى حافة المجاعة. ثم ما لبث انهيار الاتحاد السوفييتي بأن فاقم عزلة البلاد وقطع عنها تدفق الرويلات التي كانت تديم ما تبقى من اقتصادها. \r\n \r\n منذ ذلك الحين, وفيتنام في حالة تحول عبر عقدين من النمو السريع والمتوازن فتحت خلالهما ابوابها للعالم الخارجي وحررت اقتصادها. وقد بلغ معدل نموها السنوي خلال العقد الماضي 7.5 بالمئة. وتجد اليوم في شارع دونغ خوي حيث المخازن الفارهة تبيع منتجات المصممين العالميين في مدينة هوشي منه جيلا جديدا في الفيتناميين يتميز بالشباب والرخاء والثقة العالية بالنفس وقد ارتفع مستوى المعيشة ونوعيتها عاليا بالقياس الى بلد كان الى عهد قريب يعاني من الفقر الشديد. وتحاول المدن الفيتنامية الكبرى الاحتفاظ بطابعها المعماري الجميل بوجه اعمال البناء المتواصلة وزحمة الطرق التي تغص بالسيارات. \r\n \r\n من جانب آخر, حققت فيتنام معجزة زراعية استطاعت ان تحول البلد ذا الخمسة وثمانين مليون جائع الى واحد من طليعة منتجي المنتجات الحقلية في العالم, كما اصبحت فيتنام مصدرة كبرى للاقمشة والاحذية والاثاث وتأمل ان تحتل قريبا الموقع نفسه في تصدير الرقائق الميكروية \"مايكروتشبس\" عندما تفتتح شركة \"انتيل\" مصنعها في مدينة هوشي منه بتكلفة مليار دولار. \r\n \r\n تصب عوائد هذا النمو في خزائن الدولة عبر الضرائب المفروضة على الشركات الاجنبية وعبر العوائد. وكان من نتيجة ذلك ارتفاع معدلات الانفاق العام على الخدمات, مع بقاء المديونية الرسمية ثابتة عند حدودها المعقولة. \r\n \r\n بعد ابرام السلام مع اعدائها السابقين, استضافت فيتنام الرئيس بوش الذي حضر, الى جانب الرئيسين الروسي والصيني, مؤتمر قمة اسيا الباسفيك عام 2006 ثم ما لثبت ان انضمت الى منظمة التجارة العالمية عام .2007 وهي تشغل للعام الحالي احد المقاعد غير الدائمة في مجلس الامن الدولي. \r\n \r\n اقر شيوعيو فيتنام بالهزيمة الاقتصادية قبل 22 عاما وتبنوا برنامجا اصلاحيا قائما على اقتصاد السوق يسمونه في فيتنام \"دوا موا\" اي (التجديد) وهو مشابه للاصلاحات التي ادخلها دنغ زياوبنغ الى الصين قبلهم بعدة اعوام. وكما كانت الحال في الصين, فان النتائج استغرقت بعض الوقت في الظهور لكنها ما لبثت ان تجسدت في نمو اقتصادي سريع قلص مساحة الفقر الذي كانت البلاد تعاني منه. \r\n \r\n لم تعد فيتنام في حاجة حقيقية الى معونة المنظمات الثنائية والمتعددة الاطراف. وكان المانحون قد وعدوا البلاد بمنح قروض تبلغ 5.4 مليار لهذا العام. لكن احتياط البلاد من العملة ازداد بمقدار ضعفي هذا المبلغ العام الماضي نتيجة تدفق الاستثمار الاجنبي. \r\n \r\n اصبحت فيتنام قبلة المستثمرين الاجانب والشركات متعددة الجنسيات. تتبع الشركات المستثمرة استراتيجية تعرف باستراتيجية \"الصين زائدا واحد\" عندما تقوم بانشاء مصانعها في المنطقة. وهذه الاستراتيجية تقوم على توفير بلد مجاور تقام فيه مصانع مماثلة كنوع من الاحتراز ضد اي خلل او طارئ قد يحدث في الصين. ويقع اختيار الشركات على فيتنام باعتبارها ذلك \"الواحد الزائد\". ولا تزال معدلات الاجور في فيتنام ارخص منها في جنوبي الصين, كما ان معدلات الانتاجية فيها في ارتفاع. وعندما سأل مؤتمر الاممالمتحدة حول التجارة والتنمية الشركات متعددة الجنسيات عن البلد الذي تفضل الاستثمار فيه هذا العام والعام الذي يليه كانت فيتنام التي احتلت المرتبة السادسة البلد الجنوب آسيوي الوحيد على قائمة البلدان العشرة الاوائل. \r\n \r\n تتسارع الخطوات في مسيرة بيع اسهم في الشركات التي تملكها الحكومة بغرض تعريض تلك الشركات الى انظمة السوق. وفي الوقت نفسه, سمح التحول من الاقتصاد الموجه الى المنافسة الحرة بازدهار حركة التجارة ودخول الفيتناميين الى عالم رجال الاعمال. اذ يكاد ان يكون لكل عائلة فيتنامية مشروعها التجاري الصغير الخاص بها, في حين يرتفع عدد المشاريع الاكثر طموحا التي تتخذ شكل شركات تدخل الى سوق الاوراق المالية. \r\n \r\n تستحق فيتنام الكثير من الاطراء الذي ينهال عليها. ويبدو ان الحكومة سائرة في طريقها الى هدفها المعلن في تحويل فيتنام الى دولة متوسطة الدخل بحلول عام ,2010 اما هدفها الابعد وهو التحول الى دولة صناعية حديثة بحلول عام 2020 فلا يبدو بعيدا عن الواقعية. \r\n \r\n لكن هذه المسيرة لم تخل من سلبيات, فقيادة الحزب الشيوعي في فيتنام تقر علنا بان الجمهور الفيتنامي قد ضاق ذرعا بالفساد المنتشر كالوباء على جميع مستويات الحياة العامة ابتداء من شرطي المرور الى الموظف العادي ووصولا الى كبار المسؤولين في الوزارات. في عام ,2006 وقبيل موعد انعقاد مؤتمر الحزب الذي ينعقد مرة كل خمس سنوات, استقال وزير النقل والقي القبض على عدد من المسؤولين في اعقاب فضيحة المغامرة بملايين الدولارات المقدمة كمساعدات خارجية على نتائج مباريات كرة القدم. وتؤكد القيادة الفيتنامية انها تبذل قصارى جهدها لمحاربة الفساد, الا ان امامها الكثير كي تفعله في هذا المجال. \r\n \r\n ولا يقل تأثير الاجراءات البيروقراطية ضررا عن تأثير الفساد, خصوصا في مجال التشريعات الجديدة, فسن القوانين يستغرق وقتا طويلا تتعرض فيه مسوداتها الى انواع من العقبات والمعوقات ويتحتم عليها اثناء ذلك ان تتعرض لاستشارات لا نهاية لها سعيا وراء الحصول على الموافقة النهائية, كما ان الخطوط الفاصلة بين الحزب الشيوعي والحكومة والمحاكم ليست واضحة في جميع الحالات. \r\n \r\n وقد قطعت الحكومة شوطا لا بأس به في مجال تحقيق مشروعها الضخم للحد من البيروقراطية وتسهيل الاجراءات الرسمية. \r\n \r\n وقد خفض مؤخرا عدد الوزارات من 28 الى ,22 لكن الاداء البيروقراطي ما زال يحول دون انجاز الكثير من مشاريع البلاد المهمة مثل بناء الطرق ومحطات الكهرباء وغيرها من المستلزمات الاساسية اللازمة للمحافظة على نسبة النمو الراهنة. \r\n \r\n رغم الصعوبات التي ما يزال على فيتنام ان تتجاوزها, فانها قد نجحت في ان تقدم للعالم نموذجا يستحق الاعجاب في التغلب على مخلفات الحرب, والفرقة, والعزلة والسير قدما نحو بلوغ مستوى البلاد متوسطة الدخل وهو نموذج قابل للتطبيق في عدد من الدول الفقيرة في افريقيا وآسيا اذا ما رغبت في ذلك.