اسعار الفاكهة فى أسيوط اليوم الثلاثاء 9122025    محافظ الجيزة يتفقد محطتي مياه الشرب ورفع الصرف الصحي بقري الفهميين والمشتل بالصف    البنك الأهلي يوقع اتفاقية تمويل مع "الأوروبي لإعادة الإعمار" ب100 مليون دولار    الضرائب: الحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية تتضمن العديد من الحوافز والمزايا    مدير مركز تغير المناخ يوضح أسباب التقلبات الجوية التي تشهدها البلاد حاليا    «وزير الري»: مشروع «ضبط النيل» رؤية الدولة لحماية الموارد المائية واستدامتها    الدورة السابعة من جائزة زايد للأخوَّة الإنسانية تتلقى طلبات الترشيح من 75 دولة    أيمن محسب: لقاء الرئيس السيسى وحفتر محطة جديدة فى مسار دعم استقرار ليبيا    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم حرم جامعة القدس    روسيا تسيطر على مدينة بوكروفسك .. واسقاط 121 مسيرة أوكرانية    مواعيد مباريات الثلاثاء 9 ديسمبر - مصر ضد الأردن.. وكأس عاصمة مصر ودوري أبطال أوروبا    مصدر بالأهلي يكشف تطورات صفقة حامد حمدان    الشربيني يُهنئ أشرف صبحي لاختياره رئيسًا للجنة الحكومية الدولية للتربية البدنية باليونسكو    مباريات اليوم.. إنتر يواجه ليفربول في قمة دوري الأبطال ومصر تصطدم بالأردن في كأس العرب 2025    بعد حكم الإدارية العليا.. كمال الدالي يعلن عودته للمنافسة ويوجه نداءً للناخبين    السكك الحديدية: تطبيق إجراءات السلامة الخاصة بسوء الأحوال الجوية على بعض الخطوط    بين الهلع والواقع.. رؤية حقوقية للتعامل مع أزمة الكلاب الضالة بوعي ورحمة    ضبط شخص وابنته بتهمه التنقيب عن الآثار بمنزلهما في المنوفية    إخلاء سبيل طليقة الفنان سعيد مختار بعد استجوابها فى واقعة مقتله على يد زوجها    ترامب يعطي الضوء الأخضر لتصدير رقائق ذكاء اصطناعي متطورة إلى الصين    الخميس، مشروع "لوبيريا" الموسيقي في قصر الأمير طاز    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025    الحبس عقوبة استخدام التخويف للتأثير على سلامة سير إجراءات الانتخاب    13 خرقا إسرائيليا جديدا فى اليوم ال 60 لهدنة غزة    اللجنة المشرفة على الجمعية العمومية في الزمالك تعلن فتح التسجيل    مدير الصحة العالمية يدين الغارات على روضة أطفال ومستشفى كالوجى بجنوب كردفان    اليابان ترفع تحذيرات تسونامي بعد زلزال قوي شمال شرق البلاد    هندوراس تطالب بتنفيذ أمر اعتقال الرئيس السابق هيرنانديز بعد عفو ترامب    متحف اللوفر بين الإصلاحات والإضرابات... أزمة غير مسبوقة تهدد أشهر متاحف العالم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا تعمل ?!    التعليم: عقد اختبار تجريبي لطلاب الصف الأول الثانوي في مادة البرمجة عبر منصة كيريو    لقاءات دينية تعزّز الإيمان وتدعم الدعوة للسلام في الأراضي الفلسطينية    وزير المالية الأسبق: لا خلاص لهذا البلد إلا بالتصنيع.. ولا يُعقل أن نستورد 50 ل 70% من مكونات صادراتنا    العطس المتكرر قد يخفي مشاكل صحية.. متى يجب مراجعة الطبيب؟    الخشيني: جماهير ليفربول تقف خلف محمد صلاح وتستنكر قرارات سلوت    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    عوض تاج الدين: المتحور البريطاني الأطول مدة والأكثر شدة.. ولم ترصد وفيات بسبب الإنفلونزا    الرياضة عن واقعة الطفل يوسف: رئيس اتحاد السباحة قدم مستندات التزامه بالأكواد.. والوزير يملك صلاحية الحل والتجميد    من تجارة الخردة لتجارة السموم.. حكم مشدد بحق المتهم وإصابة طفل بري    أحمديات: مصر جميلة    "محاربة الصحراء" يحقق نجاحًا جماهيريًا وينال استحسان النقاد في عرضه الأول بالشرق الأوسط    الصيدلانية المتمردة |مها تحصد جوائز بمنتجات طبية صديقة للبيئة    كرامة المعلم خط أحمر |ممر شرفى لمدرس عين شمس المعتدى عليه    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    بفستان مثير.. غادة عبدالرازق تخطف الأنظار.. شاهد    خيوط تحكى تاريخًا |كيف وثّق المصريون ثقافتهم وخصوصية بيئتهم بالحلى والأزياء؟    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    الصحة: جراحة نادرة بمستشفى دمياط العام تنقذ حياة رضيعة وتعالج نزيفا خطيرا بالمخ    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    أفضل أطعمة بروتينية لصحة كبار السن    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    أفضل أطعمة تحسن الحالة النفسية في الأيام الباردة    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصمت الديبلوماسي الصيني
نشر في التغيير يوم 15 - 02 - 2005


\r\n
كانت الثورة الثقافية قد دمرت الاقتصاد وألحقت الضرر بمصالح البيروقراطية وبمصالح الشعب. ولدى عودة السيد دنغ زياوبينج إلى السلطة تحقق إجماع داخل الطبقة البيروقراطية على استبدال الخط البراجماتي المتمحور حول التطور الاقتصادي بالتطرف الإيديولوجي الماوي المرتكز على نضال الطبقات. وقد تمكن هذا التوجه الهادف غلى رفع مستوى معيشة الشعب، من اكتساح أصوات الناخبين في مجمل البلاد. وهكذا دخلت الصين طور اصلاح اقتصادها الموجه وانفتحت على التكنولوجيات والرساميل الأجنبية.
\r\n
\r\n
وقد استوحت هذه الاستراتيجيا الإيمان ببراجماتية ليست بنت الأمس. فبدون أي صعوبة تم ملء الفراغ الأيديولوجي الذي خلفه السيد ماو زيدونغ بسياسة الحزب الجديدة، \"التطبيق هو المعيار الوحيد للحقيقة". وجاء هذا الاقتراح متوافقاً تماماً مع القولين المأثورين المفضلين لدى دنغ زياوبينغ: \"ما همّ إن كان الهر رمادياً أو أبيض، المهم أن يصيد الفئران\" و \"أعبر النهر دوساً على الحجارة"، ففي نظر الشعب الصيني الذي أرهقه الفقر منذ عشرات السنين، فإن فكرة الصين هذه التي ستتحول دولة مزدهرة، لا تخلو من بعض الجاذبية. والتطور الاقتصادي، بالمنطق الذي يراه فيه دنغ زياوبينغ، هو العامل المحدد لكل ما تبقى، أو بحسب كلامه هو نفسه \"إن التطور هو الهدف النهائي".
\r\n
\r\n
وقد كان لهذا المفهوم الأدواتي نتيجتان على السياسة الخارجية. فهو أولاً حمل الصين على اعتماد موقف ديبلوماسي مقرّب من الغرب وعلى التخفيف من عدائها الأيديولوجي للأمبريالية الدولية. فقد تخلى الحزب الشيوعي عن التحديد اللينيني للأمبريالية ليقول بصيغة جديدة وهي مفهوم \"الهيمنة\" مستهدفاً أولاً الاتحاد السوفيتي. وقد تخلصت بكين من حلفائها التقليديين في العالم الثالث مقلصةً تدريجياً من مساعداتها الخارجية ومبديةً ميوعة متزايدة في معارضتها \"النظام الدولي اللاعقلاني\" الذي يهيمن عليه الغرب.
\r\n
\r\n
ثانياً، جاءت خطة الانفتاح موجهةً قبل كل شيء في اتجاه الولايات المتحدة [2] ، وذلك لأنها كانت تمتلك التكنولوجيا المتطورة التي تحتاجها الصين إلى أقصى الحدود، وإنما أيضاً لأن الصين، بالنسبة إلى واشنطن اكتست أهمية استراتيجية في تنافسها مع موسكو. وكان من شأن الهيمنة الأمريكية على شرق آسيا والحاجة الملحة إلى استلحاق الوضع الاقتصادي، أنهما دفعتا دنغ إلى القبول ببعض التسويات رغم أنها تمس بالمصالح الحيوية للبلاد. ومنها أن في إمكان الأمريكيين استئناف بيع السلاح الى تايوان. أما بالنسبة إلى النزاعات التي كانت الصين تتواجه فيها مع اليابان ومع منظومة دول جنوب شرق آسيا (ANSEA) حول جزيرة دياويو وبحر الصين الجنوبي، فقد اقترحت بكين \"إخمادها واعتماد سياسة تنمية مشتركة". وقد اعتبر دنغ أن هذه النزاعات سوف تسوّى على أيدي زعماء المستقبل \"الأكثر فطنةً".
\r\n
\r\n
وقد أدى الانفراج في ثمانينات القرن المنصرم إلى تعزيز شعور الصين بالأمان مما حملها على تبطيء إيقاع تحديث جيشها، وكانت قيادات البلاد قد خلصت في ذلك الحين إلى أن \"كلمة السر في العالم المعاصر هي السلام والتنمية.\"
\r\n
\r\n
وقد تغير الوضع فجأة في العام 1989 مع انتهاء الحرب الباردة وقيام نظام عالمي أحادي القطب تحت هيمنة الولايات المتحدة، وإذا بأساس التحالف الاستراتيجي الصيني الأمريكي، أي العداء للاتحاد السوفيتي، ينتهي إلى الزوال، فتبددت أوهام السلام العالمي الدائم. وجاء تزايد التدخلات الأمريكية في \"نقاط ساخنة\" مثل الشرق الأوسط وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة \"آسيا-الباسيفيك\" ليقضي على الآمال التي راودت بكين في تحقيق السلام في محيطها الاستراتيجي. كما اهتزت أيضاً النظرية الصينية في \"السلام والتنمية\" بعد فرض العقوبات الاقتصادية والحملة الأيديولوجية الشرسة التي أطلقتها الولايات المتحدة غداة الأحداث في ساحة تيان أن مين في حزيران/يونيو عام 1989.
\r\n
\r\n
غير أن دنغ رفض التراجع عن رأيه السابق حرصاً على إنقاذ ماء الوجه، لكن في شكل أساسي بسبب خشيته من أن تؤدي أي مواجهة صينية أمريكية إلى إفساد عملية التنمية في البلاد. وهو إذ يعي تماماً التحولات الجوهرية في النظام العالمي، لا يزال يأمل في إحياء الصداقة الصينية الأمريكية التي يعتبرها \"ضرورة من أجل السلام والاستقرار العالميين" [3] .
\r\n
\r\n
أضف أنه بعدما ضعفت الشرعية السياسية للايدولوجيا الشيوعية إثر انهيار الاتحاد السوفيتي وأنظمة أوروبا الشرقية، رأى دنغ أن حركة النمو المستديمة هي وحدها الكفيلة تأمين استمرارية النظام، فالبلاد في حاجة إذن إلى محيط مسالم حولها، وكيف يمكن تحقيق السلام إن لم يكن بطمأنة الغرب؟
\r\n
\r\n
وبغية مواجهة العزلة الديبلوماسية التي أعقبت أحداث العام 1989 قرر دنغ زياوبينغ أنه ليس على الصين أن \"تحمل الراية وتقود الموجة\" إيديولوجياً، بل عليها \"أن تتكتم على نياتها وتجميع القوة الوطنية". هذا التراجع الأيديولوجي الهادف إلى التخفيف من العدائية الأمريكية حرم الصين سلاحاً معنوياً فعالاً كان دنغ نفسه قد حمل رايته بذكاء في أواسط ثمانينات القرن المنصرم من أجل تحقيق الوحدة السياسية مع الدول النامية ضد الهيمنة والنظام العالمي الخاضع لسيطرة الغرب. أضف إلى ذلك أن شعوراً بالنقص قد برز متحكماً بشبه الوعي في أوساط القيادة الصينية، وبفعل هذا الواقع وجدت الصين نفسها باستمرار في موقع دفاعي بالنسبة إلى الغرب.
\r\n
\r\n
وقد قلص هذا التكتيك من قدرته على المناورة الاستراتيجية وأفسد مصالحه الجيوسياسية كما يتبين من خلال الأزمة الكورية الجارية في العامين 2002- 2003، إذ إن كوريا الشمالية قد أثارت هذه الأزمة بدون استشارة \"حليفها\" الصيني أو إعلامه مسبقاً. ففقدان بكين نفوذها أساء بدرجة كبيرة إلى المصالح الصينية في مجال الأمن في شمال شرق آسيا، والصين إذ خسرت الدعم الاستراتيجي من عدد كبير من حلفائها السابقين بين الدول النامية، وجدت نفسها معزولة في شكل لم يسبق له مثيل في مختلف نزاعاتها مع الولايات المتحدة منذ أواسط تسعينات القرن الماضي.
\r\n
\r\n
غير أن هذا التساهل، سواء في المفاوضات مع واشنطن في شأن فتح السوق الأمريكية أمام البضائع الصينية أو حين امتنعت الصين عن التصويت في مجلس الأمن في العام 1991 على القرار الخاص بالعراق، قد أمّن للصين منافع احتياطية في ثلاثة مجالات، وهي رفع العقوبات بعد العام 1992 ومنحها من جانب الولايات صفة الدولة الأكثر رعاية وتزايد ظاهر في الاستثمارات الخارجية المباشرة(IED). وكان من شأن التصاعد السريع في حركة الصادرات وفي الاستثمارات الخارجية المباشرة أن سند دينامية النمو الاقتصادي.
\r\n
\r\n
وقد أعاد التخفيف من حدة التوترات والتقدم في طريق التطور الاقتصادي بعض الثقة إلى البلاد حين تولى الجيل الثالث زمام القيادة بعد الزعماء الثوريين. فهؤلاء القادة كانوا أقل اهتماماً من أسلافهم بالقضايا الأيديولوجية، إذ إن هؤلاء التكنوقراط الذين تلقوا إعداداً صلباً كانوا يعرفون كيف يسوّون بعض القضايا المادية في بعض القطاعات، لكن لم يكتسبوا الخبرة في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية كي يفهموا طبيعة الرهانات في المسائل الداخلية والخارجية، فاكتفوا باستئناف سياسة التنمية الموروثة عن دنغ.
\r\n
\r\n
إلا أنه وابتداء من أواسط تسعينات القرن الماضي أثارت قوة الصين الاقتصادية المتنامية مخاوف الولايات المتحدة وبعض دول شرق آسيا وحتى عدائيتها. وإذا واشنطن، في إطار سياستها المنتظمة لتطويق القوى الصاعدة، تكثف من انتشارها العسكري في الشرق الأقصى وتعزز تحالفاتها العسكرية مع اليابان ومنظومة دول جنوب شرق آسيا، وبهذه السياسة ضيّقت هامش المناورة أمام السياسة الصينية.
\r\n
\r\n
أما على الصعيد الداخلي فقد تحقق النمو على حساب البيئة والعدالة الاجتماعية وحتى على حساب الأمن الوطني. فالإصلاحات الاقتصادية التي تمت في أوائل التسعينات فاقمت من حالات الخلل في التوازن، بينما الفساد والفروقات المتزايدة بين المداخيل وتزايد نسبة البطالة ساهمت في خفض نسبة الطلب العام. أما السياسة الصناعية التقريبية وفشل تطبيق استراتيجيا \"مبادلة التكنولوجيات بالسوق الداخلية\" فإنها لم تنجح في تحسين قدرات البحث والتنمية في مصانع البلاد وقد تفوقت إلى حد بعيد في مزاحمتها مثيلاتها من الشركات المتعددة الجنسية [4] .
\r\n
\r\n
وقد اضطرت الصين إلى الدخول في منافسة مع دول نامية أخرى من اجل الحصول على الاستثمارات المتعددة الجنسية مزعزعةً الثقة في التزاماتها السابقة إلى جانب العالم الثالث. وقد ترجمت مثلاً هذه الرغبة في التعايش مع نظام الهيمنة عبر تحولها \"قوة مسئولة\" بين مجموعة الأمم بالقرار الذي اتخذته بعدم خفض قيمة عملتها، \"الرنمنبي" (يوان) لدى حصول الأزمة الآسيوية في العامين 1997 - 1998 من أجل الحد من عدائية الدول المحيطة بها والتمثل بالغرب. وقد شعر الزعماء الصينيون أنهم عاجزون في مواجهة القوة العسكرية التي لا تضاهى للولايات المتحدة. وفي عهد كلينتون دفعت سياسة \"الاحاطة\" ? cogagement ?الأمريكية، وهي مزيج من مفهومي \"الاحتواء\" و\"الالتزام\" بالإدارة الصينية إلى متابعة العمل على هدف مزدوج، يتمثل في تحقيق المصالحة مع واشنطن، وفي الوقت نفسه محاولة ضرب القوى الشرقية الكبرى بعضها ببعض وإقامة علاقات مع روسيا بغية تقادي أي خطر محتمل ياباني أو أمريكي في شمال شرق آسيا. وهذا ما سماه السيد جيانغ زيمن، خليفة دنغ \"ديبلوماسية القوة العظمى".
\r\n
\r\n
لكن هل لهذا الخيار من معنى؟ فلا يمكن الصين أن تفكر في احتلال زاوية لها لا في التحالف الياباني الأمريكي ولا في الوحدة القائمة ما بين الولايات المتحدة وأوروبا عبر الأطلسي. ولا العلاقات الاقتصادية الوثيقة تفضي حكماً إلى توافق سياسي حتى وإن نجحت الصين، باستخدامها الورقة الاقتصادية، في خفض أصوات الانتقادات السياسية الصادرة عن الغرب. وإن يكن التنافس الشرس بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان على دخول أسواقها قد أعطاها هامشاً من المناورة، إلا أنه يبقى محدوداً ضمن الدائرة الاقتصادية.
\r\n
\r\n
وإزاء تباطؤ الطلب الداخلي بذل الزعماء الصينيون قصارى جهدهم من أجل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية في كانون الأول/ديسمبر عام 2001 بغية جذب استثمارات أجنبية مباشرة جديدة والحفاظ على معدل النمو [5] . وكان من شأن استعجالهم ورغبتهم الظاهرة في تقديم تنازلات ملموسة، رفع عتبة الشروط. والأسوأ أنه بدلاً من أن تبدأ الصين بالتفاوض أولاً مع الاتحاد الأوروبي واليابان من أجل إجبار واشنطن، الخصم العنيد في مفاوضاتها الثنائية معها، على التخفيف من شروطها، فإنها فعلت العكس. وعلى الأثر ضاعفت واشنطن ضغوطها وأجبرت بكين على المزيد من التراجع، مما أثار حفيظة الاتحاد الذي تشدد بدوره في مطالبه .وقد اتخذت الحكومة الصينية موقفاً من النوع نفسه في بعض المسائل الاستراتيجية، فرئيس الوزراء تسو جونغ جي قام على جناح السرعة بزيارة واشنطن في خضم تدخل حلف الأطلسي في كوسوفو، وإذا كان هناك شيء من التعاون الجيوسياسي الصيني الروسي، فإن هذه الزيارة قد أسدلت الستارة عليه.
\r\n
\r\n
وكانت هذه الأخطاء في الحسابات كافية كي تحرم الصين صفة الفعالية النافذة. وقد جاء قصف الولايات المتحدة لسفارة الصين في بلغراد بعد شهر فقط من فشل زيارة رئيس الوزراء تسو جونغ جي إلى واشنطن لتقضي كلياً على الحلم الصيني ب\"ديبلوماسية القوة العظمى". وقد نسب هذا الإذلال إلى وضعها الاقتصادي المتخلف وليس إلى قصر النظر في سياستها الخارجية. ومن أجل تفادي ردة فعل وطنية أحيت الحكومة الخطة التكتيكية التي وضعها دنغ زياوبنغ \"ما همّ إن كان الهر رمادياً أو أبيض، المهم أن يصيد الفئران\". وبما أنه من البديهي أنه \"ليس لأمة ضعيفة ديبلوماسية\" فقد كان من المحتم تفادي مواجهة مع الولايات المتحدة من شأنها أن تعوق عملية النمو الاقتصادي في البلاد. وقد اقتضى الأمر العودة إلى سياسة التنمية بعد محاولة التصرف كقوة عظمى وإن لفترة قصيرة ومن دون جدوى.
\r\n
\r\n
وإذا كان زعماء \"الجيل الثالث\" يستنهضون الشعور الوطني من أجل دعم شرعيتهم، إلا أنهم ليسوا وطنيين متحمسين. وفشل محاولات إعادة إطلاق الصناعات الوطنية والوهم القائل بأن جميع المشاركين في نظام العولمة هم رابحون، قد ولّدا شعوراً بالانهزامية أدى إلى ظهور \"كمبرادورية\" ثقافية [6] وهذه الظاهرة تتناقض بقوة مع حس العنفوان الوطني المتجذر عميقاً في دول مثل كوريا الجنوبية. أضف إلى ذلك ان الأزمة الاجتماعية السياسية الداخلية قد بلغت حداً باتت معه أولويات الزعماء تأمين الاستقرار الداخلي والإمساك بالوضع. ولذلك فإن الحكومة تتغاضى عن الانتقادات التي يوجهها الوطنيون الصينيون إلى سياستها الخارجية ويلزمون جانب الحذر حول القضايا العالمية وحتى أنهم يصمتون حول أحداث تطال مصالحهم الاستراتيجية الأساسية سواء في تايوان أم في آسيا الوسطي، نقطة ضعفها على الصعيد الجيو-اقتصادي.
\r\n
\r\n
وقد حدت الحرب على الإرهاب التي شنتها الولايات المتحدة غداة اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر عام 2001 من حدة التوتر بين بكين وواشنطن. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة قد استغلت هذه الحرب لتسرّع من عملية تطويق الصين استراتيجياً [7] . فتعزيز الوجود العسكري الأمريكي المستمر في شرق آسيا ووصولها إلى آسيا الوسطي، واستئثار اليابان عملياً بجزيرة دياويو والحركة القائمة من أجل منح تايوان استقلالها هي كلها عوامل تعرّض جدياً أمن الصين الخارجي وتهدد حركة نموها الاقتصادي. وبالتأكيد ان منظومة دول جنوب شرق آسيا، المتجاوبة مع رغبات الصين منذ عشرين عاماً، قد توافقت على تفادي النزاعات الحدودية في بحر الصين الجنوبي باسم التعاون الاقتصادي الإقليمي. ولكنها تتوقع أن تعالج بعض المطالب الاستقلالية من هنا وهناك في إطار مفاوضات متعددة الطرف. وفي الوقت الحالي وفي مواجهة الأحادية القطبية الأمريكية تسعى الصين إلى \"إضفاء الطابع الديموقراطي على العلاقات الدولية" [8] لكنها لا تريد العودة إلى الوراء ومحاولة الوقوف إلى جانب الدول النامية في مواجهة السياسة الغربية النافذة. وإذا اعتبرنا أن القوة وحدها، وليس الإقناع، هي التي تستطيع إفشال الاحتكار الأمريكي الحالي، تبين أن آمال الصين هي حتماً مجرد سراب.
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.