ستتصرف بشكل يدعم المصالح الصينية- الأميركية المشتركة. ولكن السلوك الصيني تجاه أهم السياسات الأميركية جعل من الواضح أن بكين درجت على التحدث بلغة التعاون في نفس الوقت الذي استمرت تتصرف فيه كمنافس استراتيجي. وأصدق مثال على ذلك تدخل الصين في المفاوضات النووية مع إيران. وبدا أن الولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ينتهجان سياسة \"الشرطي الطيب والشرطي الشرير\" بهدف إنهاء طموحات طهران النووية. فبينما عرض الاتحاد الأوروبي تقديم حوافز اقتصادية أخذت الولاياتالمتحدة تهدد برفع المشكلة إلى أروقة مجلس الأمن استمرت الصين في هذه الأثناء تعمل في إبطال مفعول العصا الأميركية والجزرة الأوروبية على حد سواء. فخلال المراحل النهائية من المفاوضات الأوروبية- الإيرانية في أوائل نوفمبر المنصرم قام وزير الخارجية الصيني \"لي زهاو كسينغ\" بزيارة إلى طهران أعلن خلالها أن الصين تعارض أية جهود تسعى لإيقاف البرنامج النووي الإيراني في الأممالمتحدة. \r\n \r\n وبدون شك فإن \"لي\" يرغب في تأمين اتفاقية للنفط والغاز بمليارات الدولارات كانت الصين قد وقعّتها لتوها مع ملالي إيران. وهي الصفقة التي تعكس النمو الهائل في التجارة الصينية- الإيرانية التي شهدت زيادة بأكثر من 50 في المئة في العام الماضي والتي من شأنها أن تخفف تأثير أي من الحوافز أو العقوبات التي قد يحاول الغرب ربطها بمساعيه الرامية لنزع أسلحة طهران. وهناك حسابات شبيهة تتعلق بالمصالح الاستراتيجية والاقتصادية هي التي أخذت توجه السياسات الصينية نحو السودان حيث لدى الصين أيضاً استثمارات هائلة في مجال الطاقة. لذا ليس من قبيل الصدفة أن تستمر الصين في حماية نظام الخرطوم من عقوبات الأممالمتحدة بشأن استمراره في ممارسة أعمال العنف ضد المواطنين في \"دارفور\". \r\n \r\n وفي كلتا الحالتين أظهرت الصين أنها لاعب دولي اكتسب المزيد من الثقة، ولكن على عكس نظرية المشاركة ظلت تستغل هذه المكامن الجديدة للقوة بالإضافة إلى مقعدها الدائم في مجلس الأمن من أجل إلحاق الأضرار الجسيمة بالأهداف الأميركية- الأوروبية. بل إن هذه الروح التي تتسم بالخلاف والمعارضة قد امتدت أيضاً لتشمل مسألة كوريا الشمالية. وغني عن القول إن إزالة الترسانة النووية للرئيس \"كيم جونغ\" بكل المقاييس المنطقية يجب أن يمثل أحد المصالح المشتركة بين الصين والولاياتالمتحدة، ولكن عوضاً عن ذلك ظلت بكين تتصرف وهي تلقي باللوم مناصفة على الولاياتالمتحدة وكوريا الشمالية في ما آلت إليه الأمور. وبعد أن نصبت نفسها ك\"وسيط عادل\" استمرت القيادة الصينية في مطالبة الطرفين بتوخي \"المزيد من المرونة\"، وعندما قام \"كيم جونغ نام\" رئيس البرلمان الكوري الشمالي بزيارة إلى بكين في أكتوبر الماضي تعهد الرئيس الصيني \"هو جينتاو\"، \"بتعزيز أواصر التعاون الثنائي والمزيد من التنسيق في الشؤون الإقليمية والدولية. \r\n \r\n وفي تايوان أيضاً ظلت الصين تستغل تنامي نفوذها وثقتها بنفسها من أجل تحقيق مصالحها التي تتعارض وتتصادم مع المصالح الأميركية. ولطالما تعهدت الولاياتالمتحدة الأميركية بأنها لن تقدم على اتخاذ قرار يتعلق بالحالة النهائية لتايوان سواء كان استقلالاً كاملاً أو وحدة مع الصين أو بشأن أية ترتيبات أخرى يتفق عليها المواطنون على كلا جانبي مضيق تايوان، واستمرت تصر على ضرورة حل هذه المسألة سلمياً. إلا أن من الواضح أن بكين لا تؤمن بإيجاد حل سلمي وأن القرار الوحيد الذي يرضيها هو احتواء تايوان، لقد ظلت بكين تنفق جهوداً وموارد هائلة في البناء والحشد العسكري بهدف إجبار تايوان على القبول بوحدة مع الصين بالشروط الصينية ومنع الولاياتالمتحدة في الإيفاء بالتزاماتها بحماية الديمقراطية في الجزيرة. \r\n \r\n ومن طهران إلى \"تايبيه\" يبدو أن الوقت قد فات على واضعي السياسة الأميركية لكي يدركوا أن سياسة \"المشاركة\" التقليدية مع بكين - والتي استندت أصلاً على المصالح الصينية- الأميركية أثناء حقبة الحرب الباردة بهدف احتواء الاتحاد السوفييتي- قد عفا عليها الزمن وأصبحت تنطوي على مخاطر عديدة. إن هذه السياسة تمنح حق المبادرة لبكين التي استمرت دائماً تهدد باتخاذ أسوأ القرارات. وكنتيجة لذلك وعندما عمدت الصين إلى تخفيف القبضة الأوروبية- الأميركية على إيران بدأت الولاياتالمتحدة تتطلع إلى الاتجاه الآخر. ففي كوريا الشمالية حققت بكين فوزاً على واشنطن عندما رفضت ممارسة أية ضغوط حقيقية على \"بوينج يانج\"، وفي تايوان استجابت واشنطن للضغوط الدبلوماسية المكثفة من بكين والمدعومة بقوة عسكرية حقيقية ومتنامية في الإمساك بخناق زعيم الجزيرة المنتخب بشكل ديمقراطي. \r\n \r\n إن نظرة مخلصة للعلاقات الأميركية- الصينية تكشف بدقة أن الولاياتالمتحدة عندما لا تلجأ إلى التوسل مع بكين فإن الصين سرعان ما تتصرف بكثير من التناغم مع المصالح الأميركية، فمجرد أن اتخذت أميركا خطوات حاسمة في العراق سارعت الصين إلى ممارسة ضغوطها على كوريا الشمالية وجاءت بها إلى طاولة المفاوضات. وبالمثل فإن المرونة التي انتهجتها الصين مع تايوان تبعتها اختراقات في مبيعات الأسلحة الأميركية إلى \"تايبييه\". وسواء كان الأمر يتعلق بمسألة انتشار الأسلحة النووية في إيران أو كوريا الشمالية أو السلام في مضيق تايوان أم الانتهاكات الإنسانية في \"دارفور\" فإن المصالح الأميركية لا يجب أن تخضع لسياسة المشاركة مع بكين التي يبدو أنها تثمن علاقة جيدة مع أميركا فوق كل شيء آخر. إن الفترة الثانية لإدارة بوش تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تطوير منهج أكثر شمولية وترابطاً تجاه الصين وأكثر إدراكاً للحقائق الاستراتيجية الجديدة على أرض الواقع، ولكن بنفس الروح الهجومية التي توجه سياستنا الخارجية في أنحاء العالم الأخرى. \r\n \r\n \r\n دان بلومينثال \r\n \r\n المدير السابق لشؤون الصين وتايوان في مكتب وزير الدفاع الأميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"