اذ ان الجزم بهذا الامر ما زال مبكرا ، وقد يكون بعيدا الى حد ما... لكن ما يمكن ان يكون مؤكدا هو ان العالم بعد آب 2008 لن يعود كما كان قبله. فقد اثبت رد الفعل الروسي العصبي على استفزاز جورجيا ، والتدخل الروسي العسكري الفوري والحاسم ، بأن الدب الروسي قد استيقظ من سباته العميق الذي استمر لمدة عقدين من الزمن... استفاق على حقائق لم تكن تدور بحسبانه بعد سقوط النظام الشيوعي وتمزيق الاتحاد السوفيتي الى دويلات بعضها لا حول له ولا قوة اقتصاديا وامنيا.. كما تم تقسيم يوغسلافيا حليفة روسيا التقليدية.. كما استغلت امريكا العدوان الارهابي عليها عام 2001 لتسارع باحتلال افغانستان ثم العراق ، اضافة الى التلويح بضرب ايران ومحاولة تحجيمها وتحجيم سوريا كذلك. الا ان الامر الاعجب الذي عجل في بعث العزة والكرامة الوطنية الروسية كان تركيز امريكا والغرب على تنشيط وتفعيل الحلف الاطلسي رغم عدم جدوى استمراره بعد سقوط النظام الشيوعي ودول الكتلة الاشتراكية برئاسة الاتحاد السوفيتي والتي كانت تؤلف بمجموعها ما كان يدعى بحلف وارسو. ولم تتوقف عمليات استفزاز روسيا واستغلال «قيلولتها السياسية» التي طالت لعقدين من الزمن - لم تتوقف عند الحدود المذكورة.. بل تعدتها الى محاولة حصار روسيا في عقر دارها عن طريق انشاء ما يدعى بمنظومة الدول المحمية بالدرع الصاروخي والتي تضم بعض دول الكتلة الاشتراكية السابقة.. الامر الذي اثار روسيا ودفعها لاتخاذ الموقف الحاسم والعسكري تجاه جورجيا. بالطبع ، وكما سبق ان بينت ، فان روسيا لا تتطلع حتما لعودة اجواء الحرب الباردة ، لكنها ارادت ان توضح ان صبرها قد نفذ ، وانه قد حان الاوان لوقف الاستخفاف الامريكي بالدور الروسي في النظام العالمي. \r\n \r\n تعتمد روسيا في «انتفاضتها السياسية» الاخيرة على عدد من العوامل المساعدة ومن اهمها ان روسيا قد استعادت قوتها الاقتصادية واصبحت تمتلك احتياطيا ضخما.. بالاضافة الى تطور قوتها العسكرية. كما ان كثيرا من دول الاتحاد الاوروبي المتحالفة مع امريكا قد اصبحت ترتبط بمصالح اقتصادية وتجارية ونفطية هائلة مع روسيا.. الامر الذي سيحول دون اتخاذها لموقف موحد ضدها. وقد كانت التصريحات الالمانية والفرنسية تعليقا على الاحداث الاخيرة معبرة عن هذا الموقف الاوروبي. اضافة لهذه العوامل ، فان كثيرا من الدول الآسيوية والافريقية ودول عدم الانحياز غير مرتاحة لاستفراد امريكا برعاية النظام السياسي الدولي ، خاصة وان هذا الاستفراد الامريكي قد ادى لاستخدام امريكا لسياسة القوة لا الحوار.. الامر الذي ادى بالتالي لاحتلال افغانستان والعراق وعودة التوتر والارهاب الدولي وارتفاع غير مسبوق في اسعار النفط والمواد الغذائية. \r\n \r\n حسب اعتقادي ، فان الدولة العربية الوحيدة التي صدر عنها تعليق على الاحداث الاخيرة كانت سوريا التي حذرت من تداعيات ونتائج عودة الحرب الباردة للاجواء الدولية. واختارت الدول العربية ان تنتهج سياسة الصمت ازاء الاحداث التي جرت في جورجيا. وعلى الرغم من ان هذه الاحداث قد لا ترقى لدرجة عالية من التأثير على العالم العربية ومنطقة الشرق الاوسط ، الا ان العرب مطالبون بالاستفادة من «الانتفاضة الروسية السياسية» لاعادة القوة والدور الهام الرئيسي للامم المتحدة واجهزتها وللجامعة العربي ، بالاضافة الى محاولة احياء مجموعة عدم الانحياز. صحيح ان عودة الحرب الباردة قد لا تكون ذات فائدة لمنطقة الشرق الاوسط وقضايانا العربية ، الا ان على الدول العربية ان تستثمر هذه الانتفاضة الروسية الاخيرة من اجل محاولة الحيلولة دون عودة النظام الدولي الاحادي القطبية ، وذلك عن طريق اعادة الروح للمؤسسات الدولية. انه صحيح ايضا ان الحرب الباردة لم تؤمن الاستقرار والسلام لدول العالم.. لكن الاصح ان النظام الدولي الاحادي القطبية قد دفع العالم نحو حافة الهاوية سياسيا وامنيا واقتصاديا ، واصبح التعاون الاقليمي والدولي ضروريا للبحث عن نظام دولي جديد يؤمن العدالة والتنمية والاستقرار والامن والسلام لدول العالم أجمع. \r\n