وقد جاء تقرير الخارجية الأميركية متهما لعدة دول بنمو ظاهرة العداء للسامية، ومنها روسيا وبيلاروسيا وإيران وسوريا وفنزويلا والسعودية ومصر، ولكن التقرير الأخير خص روسيا باتهامات جديدة، على رأسها اتهام مباشر للسلطات الروسية بعدم بذل الجهود اللازمة لمقاومة ظاهرة العداء للسامية التي يقول التقرير انها شهدت نموا ملحوظا في العديد من المدن الروسية في الآونة الأخيرة. \r\n \r\n \r\n ويقول التقرير ان المعاداة للسامية في روسيا أمر قديم وموجود طيلة سنوات الحكم السوفييتي، إلا أنه في التسعينات في عهد الرئيس يلتسين شهد انحسارا وتراجعا مع مناخ الحرية الذي كان موجودا في هذه الفترة، إلا أنه عاد لينشط بشكل ملحوظ في الأعوام القليلة الماضية من حكم الرئيس بوتين مصحوبا بتغاضٍ واضح وربما متعمد (على حد وصف التقرير) من جانب السلطات الرسمية. \r\n \r\n \r\n ويقول التقرير الأميركي ان عشرين عضوا من أعضاء البرلمان الروسي طلبوا من المدعي العام الروسي فرض حظر على أنشطة كافة الجمعيات والمنظمات اليهودية الدينية منها والقومية في روسيا، واستشهد التقرير الأميركي بحوادث الاعتداء المتكررة التي يقوم بها شباب روسي متطرف اليهود في أماكن عبادتهم، ومنها حادث اعتداء الشاب الروسي ألكسندر كوبتسيف على المصلين اليهود في أحد المعابد في العاصمة موسكو في يناير من عام 2006. \r\n \r\n \r\n حيث استخدم كوبتسيف سكينا حادا وطعن ثمانية من اليهود، وأيضا ما تقوم به جماعات «حليقي الرؤوس» من اعتداءات على المعابد اليهودية في المدن الروسية ويكتبون على جدرانها «الموت لليهود»، ويرسمون الصليب النازي المعقوف. \r\n \r\n \r\n أيضا يقول التقرير الأميركي ان هناك أكثر من مئة مطبوعة دورية تصدر في روسيا تنشر مقالات معادية لليهود، وهناك أكثر من ثمانين موقع على شبكة الانترنت خصصها أصحابها لنشر الدعايات المضادة لليهود. \r\n \r\n \r\n الخارجية الروسية التي أبدت استياءها من التقارير قالت على لسان المتحدث الرسمي لها بأن هذا التقرير لا يختلف عن تقارير حقوق الإنسان التي تصدرها الخارجية الأميركية لاعتبارات سياسية بحتة بهدف ممارسة الضغوط على بعض الأنظمة الحاكمة في دول العالم. \r\n \r\n \r\n وقالت الخارجية الروسية ان روسيا دولة متعددة القوميات، ويسكنها أكثر من ستين قومية ومنها اليهود، ولا تشعر أي قومية بأي مظاهر اضطهاد أو تمييز ضدها، فلماذا بالتحديد اليهود الذين تهتم بهم واشنطن دون غيرهم من القوميات. \r\n \r\n \r\n علما بأن اليهود في روسيا بالتحديد يتمتعون بمميزات يفتقر إليها غيرهم من القوميات الأخرى، حيث انهم منتشرون بشكل كبير في الأوساط الإعلامية والفنون والرياضة وغيرها، ومنهم كثيرون من مشاهير النجوم في روسيا المحبوبون من الشعب سواء في السينما أو المسرح والغناء وغيرهم. \r\n \r\n \r\n الموروث التاريخي الثقافي لليهود في روسيا لا يختلف عن غيره في العديد من دول العالم، وخاصة في أوروبا، حيث يحفل هذا الموروث بكثير من الانتقادات والسخريات من اليهود ومن عاداتهم وميولهم المعروفة عنهم بخلق مجتمعات خاصة بهم مغلقة ومحظورة على غيرهم. \r\n \r\n \r\n ولكن هذا في حد ذاته لا يشكل مشكلة في التعامل معهم بشكل عادي كمواطنين في الدولة مثل غيرهم لهم كافة الحقوق وعليهم نفس الالتزامات التي غيرهم، ولكن المشكلة الكبيرة أن هذه القومية دونا عن غيرها من عشرات القوميات الروسية تحظى باهتمام بالغ من الغرب وواشنطن، الأمر الذي أضر بسمعة هذه القومية وجعلها دائما محل شكوك وريبة من الآخرين. \r\n \r\n \r\n وقد جاءت فترة التسعينات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لتجسد بشكل كبير هذه القضية، حيث فوجئ الشعب الروسي الذي لم يعرف طبقة الأغنياء طيلة سنوات الحكم السوفييتي بظهور هذه الطبقة وبكثرة اليهود فيها، ثم ظهرت طبقة المليونيرات والمليارديرات في روسيا والتي شكل فيها اليهود أكثر من ثلثيها. \r\n \r\n \r\n وكان على الشعب الذي يعاني الجوع والفقر أن يتساءل من أين هبطت عليهم هذه الثروات فجأة، ولم يقتنع الشعب بمقولة ذكاء اليهود ونبوغهم وتميز عقولهم عن غيرهم، ثم أتى عهد الرئيس بوتين ليكشف الكثير من المفاسد والجرائم التي ارتكبها هؤلاء من أجل جمع ثرواتهم الهائلة التي أصبحوا ينافسون بها أغنى أغنياء العالم. \r\n \r\n \r\n وعندما أراد تطبيق القانون عليهم مثلما حدث مع أحدهم، وهو ميخائيل خودركوفسكي صاحب شركة يوكوس العملاقة للنفط، فر الآخرون هربا للخارج، منهم من هرب إلى لندن وكثيرون آخرون فروا لإسرائيل، والهارب دائما مدان لأنه يخشى المحاكمة التي ستثبت إدانته. \r\n \r\n \r\n لكن هؤلاء الأغنياء الذين كونوا ثرواتهم بشكل غير شرعي ليسوا كلهم يهود، ولا يمثلون في الواقع يهود روسيا الحقيقيين المحترمين، ومنهم علماء وأدباء وفنانين ونجوم يحبهم ويحترمهم الشعب الروسي، ومنهم أيضا كثيرون يشغلون مناصب رفيعة في الدولة. \r\n \r\n \r\n وليس أدل على ذلك من أن الرئيس بوتين وضع على رأس شركة يوكوس يهودي آخر بعد حبس صاحبها اليهودي، فالقضية ليست قضية القومية اليهودية في روسيا، بل هي قضية بعض الأفراد الذين لا تهمهم مصالح أوطانهم ويشعرون بالانتماء لجهات أخرى معادية لمصالح بلادهم، هؤلاء الذين تستخدمهم الجهات الأجنبية أسوأ استخدام ضد مصالح روسيا. \r\n \r\n \r\n ويكفي دليل على ذلك أن الكريملين والحكومة الروسية قدمتا التهاني لليهودي «فيتشسلاف كانتور» رئيس منظمة المؤتمر اليهودي الروسي الذي اختارته المنظمة اليهودية الأوروبية رئيسا لها، على الرغم من أن روسيا لا تعترف بهذه المنظمة ولا تتعامل رسميا معها. \r\n \r\n \r\n وقد صرح كانتور للصحفيين أثناء زيارته لإسرائيل في العام الماضي بأنه فخور لكونه أحد أبناء روسيا، وقال ان روسيا تتعامل مع اليهود بالضبط مثلما تتعامل معهم الولاياتالمتحدة الأميركية وغيرها من دول أوروبا الغربية. القضية إذا ليست غير السياسة والدعاية السياسية المغرضة التي تسعى لتشويه صورة روسيا أمام العالم وإظهارها كدولة غير ديمقراطية. \r\n \r\n \r\n جامعة سيبيريا \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي روسي \r\n \r\n