وتعهد بوتين بنشر أسلحة جديدة كان يجري تطويرها سلفاً منذ عدة سنوات، في استجابة منه لتلك الخطط الأميركية. وفي اليوم نفسه أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف توقعاته بشأن نشر مئات الآلاف من الصواريخ والنظم الدفاعية الاعتراضية على نطاق العالم بأسره، في المستقبل القريب المنظور. \r\n \r\n وفي اعتقادي أن كلا الادعاءين خاطئ. ذلك أن سباق الأسلحة الاستراتيجية، القائم على تصاعد الأفعال وردات الأفعال بين المعسكرين الشرقي والغربي إبان حقبة الحرب الباردة، لم يحدث له أن كان واقعاً فعلياً. ومثله أيضاً لن تتحقق نبوءة \"لافروف\" الخاصة بنشر مئات الآلاف من الصواريخ المضادة والنظم الاعتراضية. وإبان الحرب الباردة، لطالما ساد الاعتقاد بأن كلاً من الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي قد تورطا في فخ سباق تسلح نتج عنه تزايد ملحوظ في نشر السلاح النووي، أدى بدوره إلى ارتفاع منتظم في حجم الميزانيات الدفاعية الاستراتيجية، إلى جانب تزايد خطر نشوب حرب نووية كونية. وكان بول رانكل، مدير برنامج التحكم في الأسلحة في إدارة جيمي كارتر، هو مهندس فكرة تبادل جنون سباق التسلح بين كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي. وعليه فقد دعا رانكل وآخرون إلى إبرام الاتفاقيات الخاصة بالتحكم بالأسلحة، أو كما جاء على حد تعبيره \"التحكم في ذروة جنون\" ذلك السباق. لكن كما هو حال الكثير من الاعتقادات الشائعة، فقلما تخضع هذه الاعتقادات لما يلزم من بحث علمي لإثبات مدى صحتها في المقام الأول. ولعل الاستثناء الرئيسي من هذا، الجهد العلمي الذي قام به \"ألبرت وهلستيتر\"، المفكر الاستراتيجي الأميركي البارز، الذي تصدَّى للموضوع بصرامته العلمية المعهودة. ففي مقال له نشر في عام 1976 تحت عنوان \"السباق إلى الأمام أم التقهقر إلى الخلف\"؟ أظهر \"وهلستيتر\" أن برامج الأسلحة الاستراتيجية الأميركية والسوفييتية، تتسم بقدر كبير من الاستقلال عن بعضهما بعضاً، وأن عدد وتكلفة وقوة الأسلحة النووية الأميركية التفجيرية قد بلغت مدى عالياً من التطور يتقدم 15 عاماً على الاتحاد السوفييتي، بحكم الجهود التي بذلها وزير الدفاع الأسبق روبرت ماكنمارا، ثم بدأت عدها التنازلي منذ ذلك الوقت، على رغم التوسع الهائل الذي شهدته ترسانة الأسلحة النووية السوفييتية. \r\n \r\n وباستخدامه لذات البيانات والمعلومات المتوفرة حينئذ للكثير من الأكاديميين والسياسيين الذين لاشك أنهم قبلوا فكرة وجود سباق تسلح نووي منذر بالدمار بين المعسكرين الشرقي والغربي، ألح \"وهلستيتر\" على القول إنه من السذاجة والغباء أن ترد الولاياتالمتحدة حرفياً وعينياً على أي قطعة سلاح جديدة يطورها الاتحاد السوفييتي، ولحسن الطالع أن الولاياتالمتحدة لم تفعل ذلك على صعيد الممارسة الدفاعية العملية. وعليه دعا \"وهلستيتر\" الولاياتالمتحدة إلى الالتزام بتطوير الأسلحة الاستراتيجية التي تحتاجها فعلياً فحسب، مع ضرورة خفض عددها وتقليص قدرتها التفجيرية، واقتصارها على الأهداف الدفاعية التي تطور من أجلها بقدر الإمكان. وضمن ما ألح عليه \"وهلستيتر\" القول إن للأسلحة النووية دوراً دفاعياً محدوداً للغاية تؤديه في أمن الدول ودفاعاتها، وإن سعي هذه الدولة أو تلك إلى تأمين نفسها ضد مخاطر عدوانية محتملة، عن طريق التهديد بتدمير شعوب ودول بأكملها في الرد على عدوان من هذا النوع، ليس واقعياً ولا أخلاقياً. \r\n \r\n إن شاء بوتين تبديد المليارات من روبلاته النفطية في بناء ترسانة صواريخ وأسلحة نووية جديدة، فليفعل ذلك كيفما يشاء. \r\n \r\n \r\n \r\n ونصل إلى أن بوتين لم يرمِ إلى إطلاق تهديد واقعي ممكن، بتصريحاته الواردة آنفاً، بقدر ما رمى إلى تحريض وإثارة معارضي الخطط الدفاعية الصاروخية التي أعلنت عنها واشنطن، إلى جانب التأثير على الساسة الأميركيين وغيرهم بنبرة تهديده بإطلاق موسكو لحقبة سباق تسلح جديد. \r\n \r\n غير أن المطلوب هو أن يهدأ ساستنا ومسؤولو دفاعنا القومي في أميركا، لدى سماعهم تلك التهديدات النارية القادمة من روسيا. ذلك أن ترسانة السلاح النووي الأميركي لا تزال تكتنز بالكثير من الأسلحة التي تفيض عن حاجتها، على رغم انحسارها وتقلصها. وبدلاً من أن نعطي تهديدات بوتين مصداقية ليست لها أصلاً، فإن علينا أن نبحث عن السبل الكفيلة بخفض ترسانتنا النووية. وهذا هو عين ما يدعونا إلى مقابلة التهديدات الروسية هذه، بالكثير من الاسترخاء والسعادة، لكونها لا تعبر إلا عن احتمال دخول موسكو مرحلة سباق تسلح جديد مع نفسها. وإن شاء بوتين تبديد المليارات من روبلاته النفطية في بناء ترسانة صواريخ وأسلحة نووية جديدة، فليفعل ذلك كيفما يشاء. \r\n \r\n وعندها فسنبدي تعاطفاً مع دافعي الضرائب الروس، الذين ستبدد الضرائب التي تقتطع من جيوبهم وأفواههم وصحتهم ورفاهيتهم لصالح بناء الأسلحة، ووهْم السباق النووي مع الآخر. ولطالما كانت لمثل هذا الوهم تداعياته وعواقبه الكارثية الوخيمة، إبان فترة الحرب الباردة. \r\n \r\n ومن دون تطوير أي دفاعات صاروخية جديدة، فإن وضعنا الأمني الحالي، يجعلنا عرضة لأي هجوم محتمل من قبل دولة ما أو حركة يقدّر لها الحصول على صاروخ واحد قادر على الوصول إلى تراب الولاياتالمتحدة الأميركية. وهذا ما يعانيه حلفاؤنا في الدول الأخرى، بسبب وفرة الصواريخ القصيرة المدى، القادرة على بلوغ حدودهم. وبسبب عدم توفر أي ضمانات للحيلولة دون وصول الأسلحة النووية لدولة معينة إلى أيدي المتطرفين والإرهابيين، أو لعدم وقوع هجوم عدواني علينا من دولة خطيرة مسلحة نووياً، فإن من شأن تطوير دفاعات وإن كانت محدودة للغاية، أن يثبط همم الطامحين إلى توسيع رقعة انتشار السلاح النووي، ويوفر رادعاً دفاعياً ضدهم. \r\n \r\n \r\n \r\n رتشارد إن. بيرل \r\n \r\n زميل رئيسي بمعهد \"أميركان إنتربرايز\" ومساعد سابق لوزير الخارجية في إدارة ريجان \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n