القائمة الوطنية تقدم أوراق ترشحها في انتخابات مجلس النواب بالجيزة والصعيد    «النواب» يناقش غدًا اعتراض الرئيس على «الإجراءات الجنائية».. ومصادر: عرض استقالة 4 أعضاء    محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يفتتحان المؤتمر السنوي الرابع للدراسات العليا في العلوم الإنسانية    وظائف خالية اليوم.. 134 فرصة عمل جديدة بالعين السخنة    الكاردينال كورت كوخ: وحدة المسيحيين ليست خيارًا بشريًا.. بل إرادة إلهية لا بديل عنها    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 في بورصة الدواجن    معلومات الوزراء: تضاعف استهلاك الكهرباء بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا 3 مرات خلال الربع الأول من القرن الحالي    مصر تنقل خبراتها الزراعية لدول «الأمن الغذائي الإسلامي» لتعزيز الاستثمار والتنمية    13 قرارا جديدا للحكومة.. تعرف عليها    توقيع اتفاقية خاصة بإنشاء مكتب للبنك الدولي في دولة قطر    اصطفاف عدد كبير من شاحنات الوقود أمام معبر رفح استعدادًا لدخول غزة (صور)    رئيس الوزراء يؤكد التزام الحكومة ببرنامجها لسداد مستحقات الشركاء الأجانب (تفاصيل)    الجيش الإسرائيلي يطلق النار على فلسطينيين يتفقدون منازلهم في غزة    الكرملين: بوتين والشرع سيتطرقان إلى موضوع القواعد الروسية خلال المحادثات    مارك روته: المزيد من حلفاء الناتو سيمولون شحنات الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا    «أراكم في نوفمبر».. رونالدو يعلق على رقمه القياسي مع البرتغال    «حالته النفسية صعبة».. إعلامي يوجه طلبًا عاجلًا لإدارة الأهلي بسبب إمام عاشور    رمضان السيد ينتقد أسامة نبيه: «تسرع في الظهور.. وكان لازم يهدى الأول»    «عايز ياخد عقده مرتين».. عبدالواحد السيد يفتح النار على زيزو.. ويكشف مفاجأة «عباس»    بعثة المصري تصل إلى ليبيا استعدادًا لمواجهة الاتحاد في الكونفيدرالية    كشف ملابسات مقتل شخص بطلق خرطوش بالقليوبية وضبط الجناة    سوزي الأردنية أمام المحكمة: «اتحاسبت على غلطتي.. والمرة دي ما عملتش حاجة»    إعدام سجائر مهربة جمركيًا في الوادي الجديد    تطورات الحالة الصحية للأطفال المصابين في حادث سقوط تروسيكل بمصرف في منقباد بأسيوط    القبض على 6 سيدات يروجن لأعمال منافية للآداب عبر تطبيق هاتفي بالجيزة والإسكندرية    الليلة.. فرقة النيل تختتم معرض الزمالك الأول للكتاب بحفل شعبي على مسرح القومي    ستايل خريفي دافئ.. ألوان هتخلي بشرتك تنوّر من غير فاونديشن    افتتاح معرض الصور الفوتوغرافية «التراث الأثري الإيبروأمريكي» بمكتبة الإسكندرية (صور)    تردد قناة Star TV التركية لمشاهدة المسلسلات التركية 2025    هيقولوا مخي اتلحس.. باسم يوسف: خايف من الحلقة الجاية من برنامج "كلمة أخيرة"    بعد إغلاق «الكبير».. إقبال ملحوظ من السائحين على زيارة المتحف المصري بالتحرير (صور)    ياسمين علي تتصدر تريند مواقع التواصل الاجتماعي.. لهذا السبب    الصحة: إطلاق حملة توعية مدرسية لتعزيز ثقافة غسل اليدين للوقاية من الأمراض المعدية    نرعاك تسمع.. حملة لتوفير السماعات الطبية بالمجان لمنتفعي التأمين الصحي الشامل    وزير الصحة يبحث مع شركتي «تكنوويف وميدبوت» الصينيتين تطوير الجراحة الروبوتية في مصر (تفاصيل)    تدشين وحدة الكلى الصناعي الجديدة في مستشفى كوم أمبو بأسوان    من هو معلق مباراة المغرب ضد فرنسا تحت 20 سنة في كأس العالم للشباب؟    حملات الدائري الإقليمي.. ضبط 103 سائقين لتعاطيهم المخدرات أثناء القيادة    السرعة الزائدة تودي بحياة سائقين في حادث تصادم بصحراوي المنيا    قبل ما تدفع غرامة.. شوف إزاي تستعلم عن مخالفات المرور برقم العربية وانت قاعد في البيت    «الوزراء»: 58% من العارضين في «تراثنا» سيدات    اشتركات جنونية ..اتوبيس المدرسة مأساة أولياء الأمور فى العام الجديد    بمشاركة مصرية.. انطلاق المؤتمر الدولي الثالث للحديد والصلب في الرياض    إنجاز دولي في الرعاية الصحية.. «الإسكوا» تمنح «جهار» جائزة النجمات الذهبية    نادية مصطفى تروج لحفلتها الغنائية بمهرجان الموسيقى العربية    التعليم: 158 جنيها رسوم دخول امتحانات الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2025-2026    «التضامن»: توزيع 2000 جهاز لاب توب ناطق مجهز لدعم الطلاب المكفوفين في استكمال دراستهم الجامعية    مدرب اليابان: الفوز التاريخي على البرازيل ثمرة عمل عشرات السنوات    وزير الإسكان يعلن الانتهاء من مشروعات الكهرباء والإنارة ب«شمس الحكمة»    الإفتاء توضح حكم شراء الشقة عن طريق البنك بفائدة ثابتة    «الأمم المتحدة» تحذر من خطر مخلفات الحرب الإسرائيلية على غزة    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء في سوهاج    وليد صلاح عبداللطيف يكشف عن "فضيحة" في قطاع ناشئي الزمالك    خبير مغربي: إعادة إعمار غزة تتطلب دعما عربيا وإسلاميا كبيرا    متى يكون سجود السهو فى الصلاة قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح    الإفتاء: السير المخالف في الطرق العامة محرم شرعًا ويُحمّل صاحبه المسؤولية القانونية    تجمع القبائل والعشائر الفلسطينية في غزة يدعم الجهود الأمنية    هل شراء شقة عبر البنك يُعد ربا؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واشنطن تطلق مجدداً عملية نشر الأسلحة النووية
نشر في التغيير يوم 19 - 03 - 2005


\r\n
والهدف من هذا التبادل الحثيث للأفكار المنتقى بكل عناية كان البحث في تنويع سلسلة الخيارات النووية الموضوعة في تصرف المخططين الأمريكيين من أجل امتلاك أسلحة بالغة الدقة إنما بقوة بسيطة جداً تكون قادرة على اختراق الأرض عميقاً لتدمير الملاجئ والتحصينات(2). فالبنتاجون لم يعد يكتفي بإحصاء الصواريخ والقاذفات في ترسانات الدول التي قد تضرب أمن الولايات المتحدة، بل وصل به الأمر إلى حد وضع لائحة بسبعين دولة تمتلك ما يزيد على 1400 مركز تحكم لإطلاق الصواريخ أو منشآت تحت أرضية لأسلحة الدمار الشامل(3). فخلال الحرب الباردة كان الخطر يتأتى من الأسلحة النووية السوفيتية، أما الآن فإن التحصينات تحت الأرضية لدى من يسمّونهم "الديكتاتوريين" هي التي على ما يبدو يرتعد لها مسئولو الشؤون الدفاعية في الولايات المتحدة.
\r\n
\r\n
والقضية كلها تكمن في الحد من "الأضرار الجانبية" التي يمكن أن تنتج من الضربات النووية لهذه المواقع. فبحسب ما صرح السيد كيث باين إذاً، فإن الجيش الأمريكي يسعى إلى إنتاج صواريخ من نوع جديد يمكنه أن "يحسن قدراتنا على الوقاية من الهجومات بواسطة ردعها". وباين هذا الذي تولى منصب مساعد وزير الدفاع منذ أيار/مايو عام 2003، انضم مذاك إلى دائرة التخطيط التي تحمل اسم "المؤسسة الوطنية للسياسة العامة" (The National Institute for Public Policy) وهو يرى أن "قوة من هذا النوع قد تردع الأعداء المحتملين عن بناء منشآت تحت الأرض"(4).
\r\n
\r\n
إنها فعلاً المرة الأولى التي يقال فيها أن تعزيز ترسانة أمة ما قد يؤدي إلى تجميد الجهود العسكرية في الدول التي توجه ضدها رسمياً هذه الترسانة. فإذا كان التاريخ يعلّمنا شيئاً ما فهو أن هذا لم يحدث أبداً. فالتسريع في البرامج العسكرية لدى دولة ما، خصوصاً عندما تعتبر عدائية تجاه الضعفاء، كما هو وضع الولايات المتحدة حالياً، يولد حكماً عملية استلحاق و/أو عملية التفاف عند العدو المفترض.
\r\n
\r\n
وما قاله السيد باين هو لسان حال مسئولين أمريكيين آخرين. فقد أشار السيد مايكل شايفز، الناطق باسم البنتاجون، إلى ان على واشنطن أن تعتمد استراتيجيا نووية تواجه بها مباشرة الأخطار المستجدة. ويستفيض السيد بول روبنسون، مدير مختبر سانديا، في هذا المجال. ففي رأيه أنه سيكون في إمكان الولايات المتحدة أن تردع بشكل أفضل أعداءها إذا ما تضاءل الفرق بين الأسلحة النووية والأسلحة التقليدية. وهو يدعو إلى وضع استراتيجيا جديدة تسمح بالجمع بين الهجمات التقليدية و/أو النووية لغايات استباقية أو انتقامية(5).
\r\n
\r\n
لقد سقط إذاً ما أعلنه الرئيس جورج دبليو بوش أثناء حملته الانتخابية في 23 أيار/مايو عام 2000، حول ضرورة خفض الترسانة النووية الأمريكية من جانب واحد مشيراً إلى أن "الأسلحة التي لم نعد نحتاجها هي الميراث الباهظ الكلفة من زمن النزاعات المنتهية"(6). وفي الواقع، إذا كانت خطط البنتاجون الجديدة تشكل طبيعياً مصدر غبطة لمجمل المختبرات النووية الأمريكية التي كانت تخشى، لزمن غير بعيد، الاضطرار إلى الحد من برامجها، فإنها، ولأسباب موازية، باتت تثير مخاوف أنصار الرقابة على التسلح وهم في حقيقة القول ما عادوا يتولون المواقع البارزة في واشنطن.
\r\n
\r\n
وعلى كل حال، فان هذه الاستراتيجيا النووية التي تلوح في الأفق ليست وليدة الساعة، بل تأتي في سياق منطق أقدم. ففي أيلول/سبتمبر عام 1996 وقّع الرئيس بيل كلينتون مذكرة رئاسية تراجع فيها عن التعهد الذي أقر في العام 1978 بعدم استخدام الأسلحة النووية ضد دول لا تمتلك هذا السلاح.
\r\n
\r\n
وفي كانون الثاني/يناير عام 2002 قدم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد إلى الكونجرس مشروع "السياسة النووية" (Nuclear Posture Review) . وفيه تناول أساساً إحاطة مشروع إعادة إطلاق الترسانة الأمريكية بصيغة استراتيجية. وبحسب هذه الوثيقة فإن الولايات المتحدة باتت تواجه أخطاراً متعددة ذات مصادر متنوعة ليست كلها متوقعة. فقد اعتبر البنتاجون إذاً أن الترسانة المتوافرة لا تحوي أسلحة دقيقة بالشكل الكافي، بل أسلحة قوية جداً إنما ذات قدرة محدودة جداً على اختراق الأرض.
\r\n
\r\n
من هنا الحاجة الماسة إلى أسلحة جديدة معدة لتدمير التحصينات تحت الأرضية، حتى وإن كانت عميقة جداً، مع الحد في الوقت نفسه من "الأضرار الجانبية". وقد استعرض التقرير 1400 هدف تحت الأرض واعتبر أنه ليس للأسلحة التقليدية قوة اختراق كافية لتدميرها. ومن أجل تأمين زمن سير أطول للأسلحة البعيدة المدى كما من أجل إنجاز تصنيع الرؤوس النووية الجديدة قد يبدو من الضروري العودة إلى التجارب النووية.
\r\n
\r\n
وبعد أن فقد مسئولو البنتاجون عدوهم السوفيتي باتوا يجهدون في التفتيش عن بديل له من أجل تبرير مواصلة مشاريعهم... وهكذا وضع مشروع "إعادة النظر في السياسة النووية" لائحة بسبع دول يمكن استخدام السلاح النووي التكتيكي من الجيل الجديد ضدها، وهي روسيا والصين والعراق وإيران وكوريا الشمالية وليبيا وسوريا(7).
\r\n
\r\n
ويخلص السيد جوناثان شل، أحد الوجوه البارزة بين المدافعين عن نزع السلاح(8) إلى ان "الواضح من السياسة الجديدة التي يتبعها بوش أن حظر نشر الأسلحة لا يتم عن طريق المعاهدات بل بفضل الهجوم الأمريكي"(9). وهذه الاستراتيجيا مقلقة إلى حد بعيد لأسباب ثلاثة بنوع خاص. فهي أولاً تتنكر جذرياً لفرضية الردع الكلاسيكية كي تنحو في اتجاه مخطط استخدام الأسلحة النووية المتمحور حول عنصري السرعة والمفاجأة. وبدرجة ثانية، ستساهم في ضرب النظام الذي هو في الأساس لا يطبق كما يجب. وأخيراً هي تعطي، وللمفارقة، الأولوية لنشر الأسلحة النووية.
\r\n
\r\n
بالطبع ليست هذه النزعة إلى وضع الأسلحة النووية في مصاف الأسلحة العادية، والى استخدامها بالنتيجة أمراً مستجداً. فمن الأساس قام التناقض بين مفهومين. فالذين أعطوا الأولوية للمقاربة السياسية شددوا على أن الأمر يتعلق بأسلحة مختلفة كلياً عن الأسلحة التقليدية، وهدفهم من ذلك تحديداً ترهيب العدو كيلا تبقى حاجة إلى استخدامها. في حين صوّرها آخرون، بالعكس، على أنها معدات عسكرية هي بكل بساطة أكثر فاعلية من غيرها مما لا يمنع بالتالي استخدامها.
\r\n
\r\n
في خمسينات القرن الماضي اعتمد فريق الرئيس دوايت آيزنهاور على القوة النووية الأمريكية ل"تعويض" التفوق السوفيتي في مجال الأسلحة الكلاسيكية، فالمفترض بالأسلحة النووية أن تولد "صدمة أكبر بدولارات أقل"(10) (A bigger bang for Less Bucks). وفي الاتجاه ذاته جاءت استراتيجيا الرد التدريجي الذي اعتمدته الولايات المتحدة في ستينات القرن الماضي، وقد قضت صراحة باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية في أرض المعركة. والأمر نفسه انطبق في ثمانينات القرن الماضي على مشروع القنبلة النيوترونية التي تم التخلي عنها في النهاية.
\r\n
\r\n
وفي مطلق الأحوال إذا كان الفكر الاستراتيجي الأمريكي، وبعكس السياسة الفرنسية، قد خلط دائماً بين المقاربات السياسية والعسكرية في موضوع الأسلحة النووية، فانه لم يرد أبداً حتى الآن عند الولايات المتحدة، ليس فقط المبادرة إلى إطلاق السلاح النووي، بل أن تقوم بذلك بدون أن تتعرض مسبقاً لأي اعتداء.
\r\n
\r\n
فما المقصود بالردع؟ إنه التلويح بالتهديد العلني باستخدام الأسلحة النووية التي ستتسبب بالتأكيد بأضرار في اتجاه واحد، وذلك منعاً لأي خصم محتمل من اللجوء إلى هجوم مسلح حتى وإن كان بالأسلحة التقليدية. إذاً، يكون احتمال المبادرة إلى استخدام الأسلحة النووية متصلاً جوهرياً بعملية الردع. ولذلك فان مؤيدي نظرية الردع يرفضون مبدأ "لا نكون البادئين"! !No First Use) الذي بموجبه لا يردع النووي إلا النووي. فالولايات المتحدة، على غرار فرنسا، كانت تقصد ردع حتى هجوم سوفيتي بالأسلحة التقليدية.
\r\n
\r\n
لكن الأمر اختلف بالنسبة إلى الدول غير النووية. فمنذ العام 1978 تعهدت الولايات المتحدة بعدم استخدام السلاح النووي ضد دول لا تمتلكه. وقد التزمت الدول الخمس الكبرى النووية رسمياً(11) هذا التعهد بشكل علني عند إقرار معاهدة الحد من نشر الأسلحة النووية في العام 1994 بعد ستة وعشرين عاماً على توقيعها. قد شكل هذا تنازلاً قدم للدول التي لا تمتلك أسلحة نووية مقابل تخليها عن امتلاكها. لكن الأمريكيين بعدها تراجعوا ضمناً عن هذا التعهد.
\r\n
\r\n
والأخطر أيضاً في هذه السياسة الاستراتيجية الجديدة هو أنه يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم بدون حرج أسلحة نووية ليس فقط ضد دول لا تمتلكها، وإنما ضد دول لم ترتكب بحقها أي اعتداء. وللقيام بذلك يكفي أن تؤكد أنها تريد إطلاق عملية "وقائية" خارج الإطار القانوني للدفاع المشروع عن النفس ضد دولة تدعي إنها تشتبه في أنها تعمل على الاعتداء على أمنها. وقد كان من شأن حرب العراق أن تنتهي بسرعة أكبر وبشكل أفضل لو أنه أمكن، بفضل فعالية الأسلحة النووية البالغة الدقة، قتل السيد صدام حسين في ملجأه تحت الأرض منذ بداية الحرب، وهذا ما ينافح عنه أنصار تغيير السياسة الذين عبروا عن رأيهم في هذا الاتجاه بعد حرب الخليج الأولى في العامين 1990 - 2000 (12).
\r\n
\r\n
والآن مع السقوط الصريح للمحرمات التي تميز بين الأسلحة النووية (التي لم تستخدم أبداً منذ العام 1945 بفعل طابعها التدميري تحديداً) والأسلحة التقليدية، فإن أمثال "الدكتور فولامور" الجدد يقومون بمجازفة كبيرة بتسهيلهم استخدامها. فهل هم يأملون في حل المعادلة البالغة التعقيد في الشرق الأوسط تحت وقع "القنابل المصغّرة"؟ وليس من حاجة لأن يكون المرء اختصاصياً في القضايا الاستراتيجية كي يشعر بالقلق من هذه النظرة، هذا من دون الكلام عن خطر "أخطاء الهدف" الذي لا يمكن استبعاده أبداً.
\r\n
\r\n
في 6 آب/أغسطس، وأثناء الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين لقصف هيروشيما، أعلن حاكم هذه المدينة، السيد تاداتوشي أكيبا، ان معاهدة الحد من نشر الأسلحة النووية كانت على وشك الانهيار، ليس بسبب ما يصدر عن الكوريين الشماليين من كلام خطير، بل بشكل أساسي بسبب السياسة النووية الأمريكية (13) ذاك ان خطط واشنطن تقضي على عشر سنوات من حظر أي أبحاث تتعلق بأسلحة تقل قوتها عن خمسة كيلوطن. وفي الواقع يبدو أن الولايات المتحدة تحلم بسياسة الضربات النووية الوقائية تعادل في الميدان الذري "الدفاع الوقائي المشروع" التي نفذت في الحرب على العراق.
\r\n
\r\n
سؤال آخر يطرح نفسه، أليس ان تنفيذ تصنيع هذا الجيل الجديد قد يستدعي التراجع عن وقف التجارب النووية الذي أعلنته الولايات المتحدة في العام 1992؟ حتى الآن لا يبدو هذا الأمر مطروحاً، فواشنطن التي لم تصادق على معاهدة الحظر التام للتجارب النووية TICE (وضعت في العام 1995) قد التزمت اقله حتى الآن احترام هذا القرار من جانب واحد.
\r\n
\r\n
في أيار/عام 2002 تعهدت الولايات المتحدة لروسيا تقليص عدد الرؤوس النووية الهجومية التي تمتلكها من 6000 إلى 2000. وكان هذا الوعد سراباً إذ ان العسكريين الأمريكيين احتفظوا في الواقع بحق امتلاك عشرة آلاف رأس نووي مخزونة يمكن إعادة تنشيطها خلال بضعة أيام عند الحاجة(14). ومع أن واشنطن هي التي ابتدعت مفهوم "الرقابة على التسلح" فإنها تتميز حالياً برفضها المطلق أي نزع للسلاح يجري التفاوض عليه.
\r\n
\r\n
في ستينات القرن الماضي وسبعيناته نتج مفهوم "الرقابة على التسلح" من المخاوف التي أثارتها الانعكاسات المزعزعة للتوازن استراتيجياً، والمدمرة مالياً، في عملية السباق إلى التسلح. ولم يكن المقصود العمل على وقف هذه العملية بل التحكم بها على المستوى الثنائي. وحتى نهاية ثمانينات القرن الماضي كانت ترسانات القوى العظمى تتنامى إنما بوتيرة أخف بكل وضوح. وفي مطلع التسعينات تحول الأمر من التحكم بعملية التسلح إلى نزع السلاح، أي إلى محو القوى النووية الوسيطة وتقليص الترسانات المركزية فكان التحول من معاهدة سالت إلى معاهدة ستارت، أي أن مفهوم خفض التسلح حل مكان الحد من التسلح(15)، والى الحد الكلي من الأسلحة الكيميائية وخفض القوات التقليدية في أوروبا...
\r\n
\r\n
هذه الانطلاقة هي التي انكسرت حدتها في القسم الثاني من تسعينات القرن الماضي مع رفض معاهدة الحظر التام للتجارب النووية وإلغاء معاهدة منع الصواريخ الباليستية (ABM) المعقودة في العام 1972 (والتي صمدت في وجه كل مساوئ المواجهة بين الشرق والغرب)، هذا من دون الكلام على رفض معاهدة حظر الألغام وبروتوكول التحقق من تطبيق شروط معاهدة الأسلحة البيولوجية.
\r\n
\r\n
فالأمريكيون الذين يقدمون إلى العالم صورة مشوهة عن التصرف الأحادي الطرف يسعون إلى التملص من تعهداتهم السابقة (بينما يطلبون إلى الدول الأخرى أن تلتزمها) ويرفضون الخضوع لتعهدات جديدة (وهم يحضون الدول الأخرى على احترامها). وبذلك يكون هناك عودة إلى مفهوم نزع السلاح من دون تفاوض إنما عبر فرضه على الضعفاء كما على المهزومين في الحروب.
\r\n
\r\n
والولايات المتحدة، على غرار سائر القوى في المجتمع الدولي، لا تزال تغض الطرف عن البرنامج النووي الإسرائيلي، مع انه لم يعد احتمالاً بل حقيقة واقعة. والولايات المتحدة التي كانت قد مارست ضغوطاً مستمرة على الهند وباكستان كي تتخليا عن برنامجهما النووي العسكري، وقد تجددت هذه الضغوط بعد التجارب التي نفذتها هاتان الدولتان في العام 1998، سلّمت بحكم الواقع بالصفة التي اكتسبتها هاتان الدولتان كقوتين نوويتين. والحقيقة أن هذه الدول الثلاث ظلت خارج معاهدة الحد من نشر الأسلحة النووية وهي بالتالي لا تنتهك أي التزام قانوني.
\r\n
\r\n
\r\n
والخطط الأمريكية التي لا تهتم بمكافحة نشر الأسلحة النووية تجازف بالأحرى بإعادة إطلاق هذا السباق. والنتيجة التي يمكن أن يستخلصها المرشحون لامتلاك السلاح النووي، من حرب العراق ومن هذه الاستراتيجيا الجدية، هي انه لتفادي الغضب الأمريكي من الأفضل امتلاك القدرة على الرد والأذى بدلاً من احترام التعهدات بعدم امتلاك أسلحة دمار شامل.
\r\n
\r\n
هكذا نجد أن قضية كوريا الشمالية التي تعترف رسمياً بامتلاكها السلاح النووي، والتي ترفض القبول بأي رقابة دولية، هي الآن موضوع معالجة ديبلوماسية من جانب الولايات المتحدة، بينما العراق، الذي ظل ينفي امتلاكه أسلحة نووية ووافق على التحقق غير المشروط من تصريحاته تعرض للرد العسكري المعروف. ولذلك فان مؤتمر إعادة النظر في معاهدة الحد من نشر الأسلحة النووية، المقرر انعقاده في العام 2005، قد يكون صاخباً بامتياز...
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.