\r\n بيد أن هذا السؤال يمكن طرحه عن علاقة أندونيسيا بشكل أعرض بالعالم. قد يبدو السؤال الذي طرحته الوزيرة فيه نوع من المباهاة، بيد أن هذا التعليق منها فيه نوع من الطباق المتمثل في الحضور الأندونيسي شديد الانخفاض على المستوى الدولي، نتيجة لخليط من الإذعان والسياسة المنكفئة إلى الداخل وعدم وجود زعماء راغبين في انتهاج موقف واضح على المسرح الدولي. \r\n من المرتقب ان تتولى أندونيسيا رئاسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإذا كان من غير الوارد ان يغير ذلك من حضورها الدولي شيئا، إلا انه يوفر مناسبة للنظر فيما يجعل أندونيسيا أكثر أهمية مما تبدو، ولماذا تفشل في ترك أثر. \r\n إن أندونيسيا هي رابع دولة في العالم من حيث التعداد السكاني، وهي أكبر دولة مسلمة، وثالث أكبر دولة ديمقراطية (بعد الهند والولايات المتحدة)، تمتد على أرخبيل جزر بعرض ثلاثة آلاف ميل وتسيطر على طرق بحرية عالمية رئيسية في خلجان مالاكا وصندا ولومبوك وماكسار. \r\n غير ان أندونيسيا لا تعد دولة إسلامية ورغم أن المسلمين في الشرق الأوسط والعالم العربي بوجه خاص يجب ان يتعلموا كثيرا من تراث التسامح الديني في قلب الدولة الإسلامية، إلا ان مسلمي غرب آسيا، والعرب الذين يزعمون ان لهم مكانة خاصة كمصدر للدين، لا يهتمون بالتعلم من الشرق. \r\n وإذا كان العالم الخارجي مبهورا بالازدهار الاقتصادي للصين والهند، فإنه نادرا ما يتوقف ليشهد التحول الملحوظ بنفس الدرجة للسياسة الاندونيسية خلال السنوات العشر الماضي، منذ سقوط نظام الرئيس سوهارتو الديكتاتوري. \r\n أندونيسيا اليوم تملك أكثر النظم ديمقراطية ولا مركزية وتوسعا وانفتاحا في جنوب شرق آسيا، والذي ربما جاء على حساب النمو الاقتصادي، لكن بدون فوضى موضعية، فضلا عن تسوية مشكلتي اقليم اسييه وتيمور الشرقية. \r\n أيضا من الملاحظ تمتع اندونيسيا بمجتمع تعددي يشهد عليه وجود امرأة هي بانجستو وهي من الاقلية الصينية وتدين بالمسيحية، وتحتفظ بحيوية ثقافية تخجل أمامها منطقة مهووسة بالمال. لست أقول أنه لا توجد توترات مجتمعية وإراقة دماء، لكن اندونيسيا تشكل نقيضا مفيدا لدولتين جارتين أصغر حجما وأكثر بروزا وثراء هما ماليزيا، والتي تعاني تعصبا دينيا وانقساما عرقيا متزايدا وسنغافورة التي تعاني بونا شاسعا بين تطورها السياسي والاجتماعي واقتصادها الذي يعتمد على الاستثمارات الأجنبية. \r\n أعود فأقول أنه برغم كل مزاياها وحجمها إلا ان اندونيسيا خفيفة الوزن، وجهودها لتكون لاعبا تعوزها الحماسة، بل ان شركة الطيران الحكومية لا تسير رحلات إلى أوروبا. وهي وإن كانت الزعيم الطبيعي لمنظمة الأسيان التي مقرها جاكرتا، والتي تحتفل بعيدها الأربعين هذا العام، إلا أن الصوت الاندونيسي يكاد يكون صامتا. \r\n ولو أن هناك دولة في الأسيان لديها فرصة إقناع الطغمة الحاكمة في بورما بتغيير مسلكها، وتطبيق الديمقراطية تدريجيا بدون تداعي أركانها، فإنها اندونيسيا؛ ذلك أنها مرت بنفس التجربة، متحولة من نموذج حكومة سلطوية، وإن كانت مختلفة وناجحة. \r\n على العكس من سنغافورة وتايلاند وماليزيا، لا تملك اندونيسيا أية مصالح تجارية محلية تحدد سياستها تجاه بورما، ولكنها تأبى أن تحدد موقفها، وتنتقل من عقيدة حقبة سوهارتو بعدم التدخل، وتنتهز الفرصة وتتزعم منظمة الأسيان بدل ان تكون لاعبا في فريق بلا قيادة، تاركة إدارة تعامل الأسيان مع بورما لدول مثل سنغافورة، لتكون بيتا من بيت لجنرالات بورما وأزواجهم. \r\n قل مثل ذلك عن الاقتصاد. ربما لم تكن اندونيسيا نمرا اقتصاديا، وعانت أكثر من أي دولة أخرى في الأزمة الآسيوية، وربما تعاني مشاكل أخرى مع الفساد والبيروقراطية بأكثر من منافسيها الآسيويين الكبار، بل إنها قد تتهور فلا تخضع لكل مطلب لمستثمر أجنبي لتوفير مستويات من حماية الايدي العاملة، وهو الأمر الذي لا نسمع عنه في الصين. أضف إلى ذلك أن اندونيسيا لا تثري سياسييها كما تفعل الصين الشيوعية. وإذا ألقينا نظرة أطول، على مدار 40 سنة منذ تأذت الصين واندونيسيا في منتصف الستينات من القرن الماضي، نجد أن اندونيسيا أبلت بلاء حسنا. \r\n قد تكون عيون الأجانب مركزة على الصين والهند، لكن بنظرة مستقبلية، نجد أن الموارد الطبيعية ستكون أكثر ندرة على الأرجح من الايدي العاملة الرخيصة في البلدين. فضلا عن أنها أيضا أقل اعتمادا، على الأقل من الصين، على الطلب الغربي للصناع الآسيويين. المزيج الاندونيسي من الموارد والأساس والديمغرافيا الجذابة والثقافة النابضة وإمكانيات الطلب المحلي لا أحد يتحدث عنه، على الأقل من حكومة توجه جل تركيزها على القضايا المحلية والسياسة المحلية. \r\n قصارى القول، اندونيسيا والعالم يمكن أن يستفيدا من تعرف كل منهما على الآخر. \r\n \r\n فيليب بورينج* \r\n * كاتب مساهم في صفحات الرأي بصحيفة انترناشيونال هيرالد تريبيون \r\n * خدمة انترناشيونال هيرالد تريبيون نيويورك تايمز خاص ب(الوطن)