وحتى نهاية عام 2004، كانت احتمالات التوصل للسلام بعيدة جداً. وفي السادس والعشرين من ديسمبر عام 2004، وقعت مأساة تسونامي التي دمرت معظم أجزاء اقليم آسييه، وتسببت في مقتل أكثر من 200 ألف شخص وتشريد حوالي نصف مليون شخص آخر. \r\n وعندما رأيت بعيني حجم الدمار بعد يوم واحد من وقوع الكارثة، أدركت أن جهود إعادة الإعمار طويلة الأجل لا يمكن أن تتم بدون التوصل إلى اتفاق سلام في الإقليم. وأدركت أيضا أن سكان اقليم آسييه كانوا غير مهتمين تماماً بالصراع السياسي إبان هذه الكارثة بسبب ما قد يضيفه هذا الصراع إلى حجم معاناتهم. لذا، أصدرت أمراً عاجلاً بوقف كافة الأعمال العسكرية الهجومية لتمكيننا من التركيز على عمليات الإغاثة. وطالبت زعماء حركة تحرير إقليم آسييه بنسيان الصراع والعمل جنباً إلى جنب مع كل الأطراف لمساعدة ضحايا سونامي. وقد أتاحت هذه الخطوات الفرصة أمام الحكومة الأندونيسية لتجديد المحادثات مع زعماء حركة تحرير إقليم آسييه الإنفصاليين الذين قبلوا هذا المقترح. وبدأت الجولة الأولى من المفاوضات التي لاقت تسهيلات ضخمة بفضل مبادرة مجموعة إدارة الكوارث الدولية ومقرها هلسنكي، في شهر يناير عام 2005. وبعد سبعة أشهر، توصل الجانبان إلى تسوية سياسية مفصلة ركزت على ترتيبات منح الإقليم حكماً ذاتياً خاصاً داخل إطار جمهورية أندونيسيا الموحدة. وفي الوقت الحاضر، إختلفت الأوضاع داخل اقليم آسييه تماماً، فقد خرصت أصوات المدافع، وانتهت العداوات. وعاد أعضاء حركة تحرير اقليم آسييه الإنفصالية من التلال والهضاب ليصبحوا مواطنين عاديين بعد إصدار عفو شامل عنهم والتعهد بحصولهم على كامل حقوقهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية. وغادر الجنود وضباط الشرطة اقليم آسييه، وعاد قادة حركة تحرير اقليم آسييه من الخارج. وأصبح الأعداء السابقون يصلون في نفس المسجد ويلعبون كرة القدم مع بعضهم. وقد مرر البرلمان الأندونيسي، مؤخراً، قانوناً يسمح لأعضاء حركة تحرير الإقليم السابقين بالترشح لشغل المناصب السياسية كما ورد في اتفاقية هلسنكي. وبإختصار، أصبح السلام والأمل الآن أمراً عادياً في اقليم آسييه بعد أن كان إستثنائياً في الماضي. وعلى الرغم من ذلك، فإن عملنا لم ينته بعد لأننا لا نرغب في التوصل لأي سلام، ولكننا نرغب في التوصل إلى سلام دائم قائم على احترام حقوق الإنسان والأمان والمصالحة السياسية والوحدة الاجتماعية واعادة بناء الإقتصاد. وسوف يؤدي غياب أي عنصر من هذه العناصر إلى تقويض جهود السلام. \r\n ومع دخول إقليم آسييه في مرحلة خطرة من مراحل بناء السلام، يتعين على النخبة السياسية في الإقليم تعلم كيفية العمل معاً في إطار المنظومة السياسية الجديدة. ويجب محاكاة عملية الأخذ والعطاء التي انبثقت من محادثات السلام داخل أروقة المجتمع السياسي في الإقليم على نحو واسع. ويعتمد سكان اقليم آسييه على التوجه الحكيم لزعمائهم. وسوف يحتاج هؤلاء الناس لقدر كبير من هذه الحكمة في الانتخابات المحلية القادمة والتي ستحدد النظام السياسي في الاقليم خلال السنوات المقبلة. وعندما ينجح الإقليم في إجتياز إختبار الإنتخابات، سوف تزداد فرص حلول السلام العادل والدائم. وبعد مرور عام على توقيع اتفاق السلام، يمكن استخلاص عدد كبير من الدروس والعبر. ويمكن القول بأن أهم درس من هذه الدروس هو أن كل صراع يمكن أن ينتهي إلى حل سياسي سلمي. ومن واقع خبرتي كرئيس لدولة أندونيسيا وجنرال متقاعد بالجيش، أدرك أن الحل العسكري لن يحقق السلام الدائم في اقليم آسييه. وقد حققت اتفاقية السلام الشىء الذي لا يمكن أن تحققه أي حملة عسكرية وهو وضع نهاية سريعة للقتال، وسحب وتدمير الأسلحة، والحد من التهديدات العسكرية لحركة تحرير اقليم آسييه، وضمان الأمن والتماسك الاجتماعي لمواطنينا، كل هذا بدون إطلاق رصاصة واحدة. \r\n والدرس المهم الآخر هو صعوبة دوام الحلول السياسية بدون حصول كل الأطراف على مكاسب متساوية. وفي اقليم آسييه، تم التوصل لحل يحقق المكاسب لكلا الطرفين من خلال صفقة صعبة تعتمد على روح التسامح والوسطية. وقد ارتبطت مساعي السلام بمخاطر سياسية كبيرة فاقت في بعض الأحيان مخاطر شن الحرب. وقد كنت أعتقد دائماً بأن السلام الدائم يجب أن يلقى دعماً وتأييداً في كل من جاكرتا وآسييه، لأن جهود السلام سوف تفشل بدون الحصول على دعم وتأييد واسع. ولهذا ، يجب أن يمتلك الزعماء شجاعة وتصميم وإخلاص في حربهم من أجل السلام. ويجب ألا يفوت الزعماء فرص التوصل إلى تسوية سلمية والتي تأتي بشكل نادر، حتى وإن جاءت على هيئة كارثة كما حدث في زلزال سونامي. \r\n وفي النهاية، يجب أن أؤكد بأن السلام يستحق بذل كل الجهود الممكنة. ويقف سكان إقليم آسييه أمام بداية جديدة. ولم يكسب الحرب أي من طرفي الصراع، ولكن كلاهما كسبا السلام. \r\n \r\n سوسيلو بامبانغ يودهويونو \r\n رئيس أندونيسيا \r\n خدمة انترناشيونال هيرالد تريبيون خاص ب (الوطن)