\r\n \r\n \r\n لقد مرت مياه كثيرة تحت الجسر منذ زمن \"خوان بيرون\"؛ غير أن مياه نهر \"ريو دي بلاتا\" كانت شاهدة على تجاذبات كثيرة نهاية الأسبوع الماضي؛ إذ تمحور الصراع حول الطاقة، ملموسة ومجازية. ففي الضفة الأخرى من النهر، في عاصمة الأوروجواي مونتيفيديو، تسبب وجود الرئيس الأميركي جورج بوش في التهاب المشاعر وتنظيم مظاهرات احتجاجية مهمة على غرار تلك التي استُقبل بها في البرازيل. أما في مدينتي بيونس آيريس، في الضفة المقابلة من النهر، فإن المشاعر كانت حمراء متوهجة أيضاً، غير أنها كانت تنطوي في هذه الحالة على دلالة مختلفة تماماً؛ ذلك أن الأحمر هو لون السترة التي كان يرتديها الرئيس شافيز ولون الأعلام الكثيرة التي كانت تحملها الحشود التي تدفقت على الملعب للاستماع إلى خطاب الرئيس الفنزويلي. \r\n وخلافاً للمظاهرات المتجانسة والمتناغمة زمن \"البيرونية\"، فإن الحشود التي قُدِّر عددها بثلاثين ألف شخص جاءت من كل حدب وصوب ومن أوساط مجتمعية مختلفة. ذلك أن الأزمة الاقتصادية في ديسمبر 2001 في الأرجنتين غيَّرت بشكل كبير ديناميتنا الاجتماعية، ومعها علم المعاني والدلالات؛ إذ لم نعد نتحدث اليوم عن \"pueblo\" (بويبلو) –التي تعني مدينة أو قرية وأناسها؛ بل أصبحنا نتحدث عن \"gente\" التي تعني أيضاً الناس، ولكن مع فارق بسيط على اعتبار أنها مشتقة من كلمة \"gens\" اللاتينية التي تعني العرق، أو القبيلة أو السلالة. \r\n المصطلح الجديد يتجاوز الفروق الطبقية؛ حيث انضمت الطبقة الوسطى اليوم إلى الطبقة الفقيرة للمطالبة بحقوقها، وهو ما يفسر مشاركة العديد من الطلبة والمهنيين في التجمع الخطابي ذلك اليوم، ليس بالضرورة لأنهم منجذبون لشخصية الرئيس شافيز بقدر كونهم حريصين على ألا يهدروا المناسبة المناوئة للإمبريالية التي يرمز إليها. فقد وجدنا نحن الأرجنتينيين، الذين تخيلنا يوماً ما أنفسنا أكثر تطوراً أو أكثر \"أوروبية\" من مواطني الدول المجاورة، أنفسنا قريبين أكثر إلى بقية القارة بسبب فقرنا، وها نحن اليوم نجد أنفسنا أكثر انفتاحاً على فكرة التضامن الأميركي- اللاتيني. \r\n ربما كانت حشود الأسبوع الماضي اعترافاً بالدور الذي لعبته المساعدة النقدية للرئيس شافيز في استرجاعنا ل\"الهوية الوطنية\"؛ ذلك أن الأرجنتين كادت تختفي كبلد مستقل خلال رئاسة كارلوس منعم من 1989 إلى 1999، وهي الفترة التي شهدت \"علاقاتنا المصلحية الوطيدة\" مع الولاياتالمتحدة، والتي اتخذت شكل عمليات خصخصة خاطئة ومعدل صرف خيالياً. \r\n أما وسائل \"شافيز\" في الإغراء، فهي دولاراته النفطية وهوسه بمشروع أميركي لاتيني مشترك يعمل الرئيس الفنزويلي من خلاله على تحقيق حلم الزعيم الثوري \"سيمون بوليفار\"، أي الرؤية الطوباوية القديمة المتمثلة في اندماج أميركي لاتيني يبدو اليوم ممكناً أكثر من أي وقت مضى. \r\n ربما اختار الرئيس بوش المغامرة في هذه الربوع المنسية جنوب القارة لمواجهة تلك الرؤية بالضبط؛ حيث حاول في البرازيل لفت الانتباه إلى إنتاج مادة \"الإيثانول\"، منافسة النفط غير المضرة بالبيئة. أما في الأوروجواي، فكل ما بدا أن بوش حاول فعله هو إثارة حفيظة حكومات أميركا الجنوبية الأخرى عبر الترويج لمنطقة تجارة حرة مقابل \"ميركوسور\"، السوق المشتركة الأميركية الجنوبية التي أُنشئت في 1991 من قبل البرازيل والأرجنتين والباراجواي والأوروجواي، ولاحقاً فنزويلا. \r\n لقد انتقد بعض الأرجنتينيين بشدة الرئيس \"نيستور كورشنر\"، متهمين إياه بمنح نظيره الفنزويلي فرصة من هذا القبيل، ومشتكين من أن الرئيس شافيز اشترى زيارته ودفع مقابلها عبر إغداق الدولارات والمزايا على الأرجنتين. إلا أن الواقع غير كذلك؛ والحق أن الصفقة تبدو عادلة حيث قامت على النفط مقابل الخبراء والتكنولوجيا الزراعية. ثم إن الرئيس \"كورشنر\" منذ وصوله إلى السلطة جعل من بلاده قاعدة لرؤساء آخرين عديدين من أميركا الجنوبية مثل فيديل كاسترو، و\"ميشيل باشليه\"، و\"إيفو موراليس\"، والرئيس شافيز نفسه، في مناسبات سابقة. \r\n ويتميز الأرجنتينيون حالياً بميزتين رئيسيتين هما عدم الوثوق والحاجة إلى رضى فوري. والواقع أن شافيز يوقظ لدى الأرجنتينيين كلاً من هذين الميولين؛ حيث لم يعد يبدو مستحيلاً اليوم حلم عملة واحدة لاتحاد في أميركا اللاتينية، على غرار الاتحاد الأوروبي، بهدف خلق منطقة عازلة تواجه هيمنة الولاياتالمتحدة. \r\n أعترف بأنني لست خبيرة في التحليل السياسي؛ وأنني طرقت السياسة من زاويتي ككاتبة روائية. كما أعترف بأنني متفائلة بطابعي، ذلك أن الشعور بالقوة الذي يرسخه الرئيس شافيز، وتؤيده حكومات أميركية جنوبية عديدة، يمثل بالنسبة لي محركاً جيداً لتحقيق المزيد من التقدم؛ ووسيلة لتطوير أنفسنا من وضع منطقة توجد في الحديقة الخلفية لأحدهم، إلى وضع منطقة تتمتع بالاستقلالية الحقيقية، بعيداً عن تأثير شافيز، وبوش، وكل شكل آخر من أشكال الديماغوجية. \r\n \r\n لويزا فالينزويلا \r\n مؤلفة \"رواية سوداء مع الأرجنتينيين\"، و\"ذنب السحلية\" \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n