وحسب بعض التقديرات تجاوز إنفاق شافيز على مشروعاته الأثيرة معونات الملياري دولار التي تخصصها واشنطن كل سنة للإنفاق على برامج التنمية ومحاربة المخدرات في منطقة جنوب غرب أميركا. ولاشك أن سخاء شافيز ساعده كثيرا على حشد الدعم الشعبي لسياساته ضد ما يسميه بأهداف واشنطن الإمبريالية في أميركا اللاتينية. وهي السياسيات التي كثيرا ما دفعت شافيز إلى شتم بوش وأعوانه، حيث نعته في شهر مارس المنصرم ب\"الجبان\" متحديا إدارته أن تقترب من فنزويلا. \r\n \r\n لكن شافيز الذي تتوفر بلاده على أكبر الاحتياطيات النفطية خارج الشرق الأوسط لم يقتصر دوره على الشغب السياسي، بل تحول إلى فيديل كاسترو جديد في المنطقة، وإلى بطل يحظى بالكثير من الإعجاب في أعين الجماهير، حيث لا يتوانى عن معارضة أية خطوة تقدم عليها الولاياتالمتحدة في أميركا اللاتينية. بيد أن وضع شافيز يختلف عن وضع فيديل كاسترو في نقطة مهمة عبر عنها ستيفن جونسون، الأكاديمي في مؤسسة \"هيريتيج\" المحافظة بقوله: \"استطاع شافيز أن يحقق ما لم يستطع كاسترو تحقيقه وهو الحصول على مورد دخل مستقل ما جعله يستغل الفراغ الذي خلفه كاسترو ليقود دول عدم الانحياز\". وليس معروفا بالتحديد حجم الأموال الطائلة التي أنفقتها الحكومة الفنزويلية على مثل تلك المشروعات بسبب عدم الإفصاح عن تفاصيل السجلات المالية لشركة النفط الفنزويلية التابعة للدولة \"بتروليوس دي فنزويلا\"، فضلا عن حجب معاملاتها عن مدققين مستقلين. وبالرغم من الطموحات العريضة التي راودت شافيز بشأن تنفيذ مشروعات اقتصادية عملاقة، فإنه من غير المرجح أن ينجح في تنفيذ مشروع مد أنبوب نفط ضخم يمر عبر الأمازون ويربط فنزويلا بالأرجنتين. \r\n \r\n ووفقا لتقديرات \"ستيفن جونسون\" نفسه فقد أنفقت فنزويلا ما يقارب ثلاثة مليارات دولار في شكل مساعدات وجهت إلى دول الجوار، فضلا عن القروض العديدة التي توفرها لدول أميركا اللاتينية، ما حول كاركاس إلى أحد أهم مصادر القروض التي يلجأ إليها كحل أخير. وبينما كشفت دراسة أجراها مؤخرا مركز التحقيقات الاقتصادية في العاصمة كراكاس بأن إجمالي ما أنفقه شافيز منذ اعتلائه السلطة سنة 1999 فاق 25 مليار دولار بمعدل 3.6 مليار سنويا، أكد حزب \"العدالة أولا\" المعارض بأن الرقم السنوي يتجاوز 16 مليار دولار، وهو ما يتطابق مع تصريحات شافيز نفسه. ورغم تضارب الأرقام إلا أن عددا كبيرا من الدول استفاد من المعونات الفنزويلية التي شملت ثلاثين دولة من بينها إندونيسيا. وفي السياق نفسه قامت الحكومة الفنزويلية بتغطية 2.5 مليار دولار من الديون المستحقة على الأرجنتين حسب ما صرح به وزير المالية الفنزويلي \"نيلسون ميرنتيز\"، كما أنها باعت النفط بأسعار مخفضة إلى 13 دولة في بحر الكاريبي، فضلا عن شرائها لأسهم كبيرة في محطات التزويد بالوقود بالأوروجواي. وبينما تتوجه فنزويلا إلى الاستثمار في مشاريع ضخمة مثل التخطيط لشراء 36 ناقلة نفط من البرازيل، نجدها تكتفي في أحيان أخرى بمشاريع متواضعة مثل منحها مبلغ 3.8 مليار دولار لأربع دول إفريقية. \r\n \r\n وينظر المنتقدون إلى الإنفاق المبالغ فيه للحكومة الفنزويلية على أنه ممارسة نزقة تندرج ضمن سياسة شافيز الشعبوية التي تسعى إلى تلميع صورته في المنطقة وتقديمه على أنه سياسي محنك يعرف كيف يحرج الإدارة الأميركية. وهو هدف مازال يسعى شافيز إلى تحقيقه منذ أن منح المسؤولون الأميركيون تأييدهم الضمني للمحاولة الانقلابية الفاشلة ضده سنة 2002. لكن رغم مداخيل النفط المتراكمة بسبب ارتفاع الأسعار مازالت فنزويلا تعاني من الفقر وسوء الإدارة. وفي هذا الصدد قال جون نيجربونتي، مدير أجهزة الاستخبارات الأميركية، في جلسة استماع أمام الكونجرس خلال شهر فبراير الماضي: \"في الوقت الذي يقحم فيه شافيز نفسه لإنفاق أموال طائلة على مشاريع سياسية واقتصادية في بلدان أجنبية يحتاج بلده إلى تنمية اقتصادية واجتماعية ملحة\". إلى ذلك يعتبر \"أنطونيو ليديزما\"، أحد الخصوم السياسيين لشافيز، أن هذا الأخير: \"يطمح إلى تسطير برنامج سياسي يمتد إلى الخارج\". أما الرئيس الفنزويلي من جانبه فينظر إلى إنفاقه المالي على أنه سخاء ثوري يرمي إلى تحقيق الحلم القديم الذي راود \"سيمون بوليفار\" بتوحيد أميركا اللاتينية. وفي ظل ارتفاع أسعار النفط الفنزويلي إلى أكثر من خمسة أضعاف سعره السابق منذ انتخاب شافيز سنة 1998 لم تتأثر الاحتياطيات العالمية، كما أن قدرة فنزويلا على الإقراض مازالت قوية. ويعتبر المختصون في المجال النفطي أن استمرارية شافيز في سياسته الحالية يعتمد بالأساس على تدفق مداخيل الريع النفطي، وتواصل ارتفاع أسعار الوقود، فضلا عن كمية النفط التي تستطيع الصناعة الفنزويلية إنتاجها. \r\n \r\n ويحذر المراقبون من الآثار السلبية لسياسة الإنفاق الخارجي على الاقتصاد الفنزويلي، حيث أعلن \"ميشل بيلينغ\"، مدير شركة \"بيرا\" للطاقة أنه من الخطر مواصلة الإنفاق، خصوصا في ظل غياب \"ادخار كافٍ يقي الاقتصاد من الهزات المفاجئة مثل انخفاض أسعار النفط، ما قد يؤدي إلى مشاكل اقتصادية كبيرة\". لكن بالنسبة للمسؤولين الحكوميين في فنزويلا تعتبر تلك الاتهامات عارية عن الصحة ما دامت الأولوية هي للفقراء في البلد، مؤكدين على أن الحكومة بصدد التخطيط لرصد مبلغ 10 مليارات دولار خلال السنة الجارية للبرامج الاجتماعية بارتفاع يقدر بملياري دولار عن السنة الماضية. ورغم تشديد المسؤولين الحكوميين على إسهام البرامج الاجتماعية في تقليص معدل الفقر بين الشعب الفنزويلي إلى 30% من السكان، يشكك علماء الاجتماع في هذا الرقم موضحين أن نسبة الفقر مازالت تحوم حول 50% من مجموع السكان. \r\n \r\n \r\n \r\n خوان فورينو \r\n \r\n مراسل \"نيويورك تايمز\" في كاراكاس \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\"