وباعتباري جندياً نظامياً سابقاً، فإنني وجدت تفاصيل تلك الرواية مفزعة ومخيفة للغاية. والجهة التي نشرت تلك القصة وروجتها هي جهة أمنية غير معروفة -لأسباب لم يُكشف عنها النقاب- ربما تتمثل في بعض كبار مسؤولي وزارة الداخلية، أو الشرطة، أو جهاز الاستخبارات الداخلي \"إم آي 5\". ومؤدى تلك الرواية باختصار هو أن الجهة الأمنية المعنية اكتشفت مؤامرة كان يفترض أن يتم فيها خطف جندي بريطاني مسلم موجود في بريطانيا في إجازة من وحدته التي يخدم فيها والعاملة في أفغانستان، وتعذيبه، وإجباره على إدانة الجيش البريطاني، ثم نحره، ووضع شريط الإعدام المصور بعد ذلك على شبكة الإنترنت. \r\n وحسب مصادر الشرطة فإنه قد تم الإفراج عن ثلاثة من المشتبه فيهم دون أن توجه إليهم تهم.. أما الستة الآخرون فمن المقرر أن يمثلوا أمام محكمة \"أولد بيلي\" في 23 من فبراير الحالي لمحاكمتهم فيما نسب إليهم من تهم. وقالت تلك المصادر إن توجيه الاتهامات، قد تم بناء على قوانين مكافحة الإرهاب المطبقة في بريطانيا، وإن عدد المضبوطات الموجودة بحوزة الشرطة يبلغ 4500 بنداً تشمل أجهزة كمبيوتر، وهواتف نقالة، ومستندات. \r\n من ناحيتي أعتقد أن بعض المنظمات الإسلامية في مدينة برمنجهام قد تعجلت عندما انتقدت الشرطة البريطانية وادعت أن بعض المسلمين من سكان المدينة قد تعرضوا لمضايقات من أجهزة الأمن. \r\n وفي ظني أن أجهزة الأمن والشرطة يجب أن تتوخيا غاية الحذر عند تعاملهما في قضايا مثل هذه. فهذه الأجهزة ليس أمامها من بديل سوى القبض على الأفراد قبل أن يتم هجوم إرهابي، وقد تتعرض أثناء ذلك لأخطاء كما حدث في مرات عديدة من قبل وخصوصاً عندما تلقي القبض على أفراد بناء على معلومات استخباراتية دون أن تكون لديها أدلة كافية تقدمها لتبرير ما تقوم به من إجراءات. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن تلك القوات عندما تفشل في منع حدوث هجوم إرهابي مثل ذلك الذي تم في لندن في يوليو 2005 عندما تم ضرب شبكة مواصلات لندن فإنها تتعرض لهجمات فورية من بعض الجهات. \r\n ولقد كانت وزارة الدفاع البريطانية في غاية التعقل عندما تحملت عبء استقطاب البريطانيين المسلمين، واستيعابهم في القوات المسلحة التابعة للتاج. ومنذ خمس سنوات تعرضت إحدى وحدات الخيالة التي تعد من وحدات النخبة في مجال الحراسة إلى انتقادات بسبب عدم وجود أي حارس أسود ضمن صفوفها.. أما اليوم فإن الجنود البريطانيين المسلمين يمكن أن يطلقوا لحاهم كما يمكن للمسلمات العاملات في وزارة الدفاع ارتداء البنطلون بدلاً من التنورة. \r\n وكانت مجلة \"الإيكونومست\" قالت في معرض تعليقها على هذا الموضوع: \"لقد أفتى بعض علماء المسلمين بأن أتباع الدين الإسلامي الذين يلقون مصرعهم في حروب بريطانيا سيستمر النظر إليهم على أنهم أبطال\". \r\n وفي 8 من شهر يوليو تم في برمنجهام تشييع جنازة الجندي أول المسلم \"جاربون هاشمي\" في حضور كبير الوعاظ الدينيين المسلمين العاملين في القوات المسلحة -وهي وظيفة حديثة نسبياً. وكان ذلك الجندي قد لقي مصرعه في مقاطعة هلمند في أفغانستان. \r\n ولو كانت الخطة المزعومة لاختطاف وقتل جندي مسلم قد تمت لتسببت في إصابة الجنرالات البريطانيين بالصدمة. ويرجع ذلك إلى حقيقة أنه يوجد هناك في الوقت الراهن 330 جندياً مسلماً يحاربون في صفوف القوات البريطانية، ويحصلون من وقت لآخر على إجازات من وحداتهم، ويأتون إلى الوطن لقضائها مع عائلاتهم، ومن المستحيل تقريباً حمايتهم على مدار الساعة أثناء تلك الإجازات. ولو كان قد قدر لذلك الإعدام للجندي أن يتم فإنني أخشى أن أقول إن ذلك ربما كان سيكون كفيلاً بدفع بعض أصحاب الرؤوس الحارة للانتقام لزميلهم خصوصاً وأنه لا يخامرني أدنى شك في أن هناك بعض الإرهابيين الذين يريدون خلق فجوة بين البريطانيين المسلمين وبين بقية الأمة من خلال عمليات مثل هذه. \r\n ومما يذكر في هذا السياق أن أجهزة الاستخبارات البريطانية كانت قد أعلنت منذ بداية غزو العراق، أن بعض التكتيكات التي يتم تطبيقها بواسطة المتمردين في العراق و في أفغانستان، يمكن أن تطبق في بريطانيا أيضاً. وقد حدث شيء قريب من هذا، وإن كان في العراق، وذلك عندما تم اختطاف \"كن بيجلي\" المهندس البريطاني الذي كان يعمل في ذلك البلد عام 2004، واعتباره رهينة ثم قطع رأسه بعد ذلك بأسابيع في جريمة بشعة هزت بريطانيا بأسرها. \r\n وهناك خبر ورد في صحيفة \"الإندبندنت\" في عددها الصادر في 4 من الشهر الجاري جاء فيه ما يلي: \"سيتم إخضاع المسلمين البارزين في بريطانيا لإجراءات تعرف باسم (إجراءات تقييم نسبة المخاطر) وذلك بسبب الخوف من أن يتم استهدافهم من قبل المسلمين المتطرفين\" وجاء في ذلك التقرير أيضاً: \"إن تلك الخطوة الدراماتيكية، قد تقررت من قبل المسؤولين من أجل تعزيز الأمن حول السياسيين ورجال الشرطة ورجال الدين من المسلمين، وذلك عقب الكشف عن مؤامرة مزعومة لاختطاف جندي بريطاني مسلم أثناء قضائه الإجازة في بريطانيا، ثم قطع رأسه\". \r\n في شهر نوفمبر الماضي ألقت \"إليزا مانينجهام- بولر\" المديرة العامة المتقاعدة لجهاز الاستخبارات البريطانية الداخلية \"إم آي 5\"، محاضرة في لندن أمام عدد من الحاضرين الذين تم انتقاؤهم بعناية جاء فيها أن هناك 1600 شخص مشتبه فيه موضوع تحت المراقبة، وأن هناك 30 مؤامرة \"أولوية أولى\" لقتل وتشويه أفراد أو إحداث أضرار جسيمة بالممتلكات.. وأن هناك 200 شبكة إرهابية قد تم التعرف عليها في الجزر البريطانية. وأعلنت المسؤولة البريطانية في ختام تلك المحاضرة أنها تعتقد أن معظم تلك الأنشطة تتم تحت الإشراف المباشر لقادة تنظيم \"القاعدة\" في أفغانستان. \r\n وفي نهاية الشهر الماضي تم إجراء استطلاع رأي بواسطة مركز \"بوبيلاس\" على 1000 مسلم بريطاني.. وتبين من خلاله أن ثلث عدد البريطانيين المسلمين من الفئة العمرية 16- 24 يفضلون أن يعيشوا في نظام تحكمه الشريعة الإسلامية على أن يعيشوا تحت القانون البريطاني. وأعرب 17 في المئة ممن شاركوا في هذا الاستطلاع من الفئة العمرية 55 عاماً فما فوق عن تأييدهم لذلك. ولقد تملكتني الدهشة عندما عرفت أن 31 في المئة من المسلمين الشباب المشاركين في الاستفتاء قالوا إنهم يرون أنه إذا ما تحول مسلم عن دينه واعتنق ديناً آخر فإنه يجب أن يقتل. ولم يوافق على هذا الرأي سوى 19 في المئة فقط من الفئة العمرية 55 عاماً فما فوق. \r\n هناك قلق جدي في الوقت الراهن بشأن إقصاء المسلمين في المجتمعات الغربية، وخصوصاً المسلمين الأصغر سناً. والحكومة والشرطة البريطانيتان لديهما دور تلعبانه في ذلك.. ولكن الحل في نهاية المطاف يكمن في أوساط الجالية المسلمة في بريطانيا، وخاصة أغلبيتها المعتدلة تحديداً. \r\n \r\n سير سيريل تاونسيند \r\n سياسي بريطاني من حزب \"المحافظين\" \r\n \r\n