والتقرير الاستخباري الذي نشر استنتج ان العراق اصبح ملاذا آمنا للمقاتلين والمجاهدين المسلمين وانه اصبح مكانا مناسبا لتفريخ جيل جديد من الارهابيين على مستوى القادة والعناصر، من جهة فان ما ذكره ذلك التقرير ليس بالشيء الجديد بل امور بديهية نعرفها كلنا والمستغرب هو صبغ ذلك التقرير بالسرية في المقام الاول، وسواء كان غزو العراق عملا صائبا ام خاطئا الا ان هناك حقيقة لا مجال لانكارها وهي ان الغزو زاد من غضب العرب والمسلمين تجاه الولاياتالمتحدة وجعل العالم اكثر خطورة، ان ما نسمعه من انتقادات لمواقف وسياسات الادارة الاميركية تجاه العراق لم يعد يأتينا من اصحاب التوجهات اليسارية او الديمقراطيين فقط بل ايضا من وكالات الاستخبارات الاميركية المتخصصة التي يبلغ عددها 16 وكالة. اقر الرئيس بوش ان التسريب لا يتضمن كامل التقرير واكد مرة اخرى ان مهاجمة الارهابيين لسفاراتنا وللسفينة الحربية كول ولنيويورك وواشنطن حدثت قبل غزو العراق، ونعرف جميعا كما يعرف الرئيس نفسه ان العراق لم يكن الجبهة المركزية للحرب على الارهاب عندما غزت القوات الاميركية ذلك البلد في مارس 2003، كما تمكنت الولاياتالمتحدة من الاطاحة بالحكومة العراقية، ومن خلال سياسة القمع والبطش تمكن صدام حسين من السيطرة على التوترات الطائفية وجاء الغزو الاميركي ليطلق كل الشرور التي يعيشها العراق الآن وعلى رأسها انعدام الامن وانتشار الفوضى واقتراب البلاد من هاوية الحرب الاهلية، الولاياتالمتحدة تسببت بالكثير من المآسي للعراق وعليها الآن واجب اخلاقي تجاه العراقيين يتمثل في محاولة ترك امة مستقرة خلفها اذا ما غادرت وليس ترك دولة فاشلة يمكن ان تخدم الارهابيين وتقدم لهم الملاذ الآمن، كما كانت افغانستان في مرحلة ما قبل سبتمبر 2003. وفي الوقت الذي يقدم هذا التقرير الذخيرة التي يحتاجها منتقدو الادارة لاطلاق نارهم عليها واصابتها في مقتل الا ان الحل العملي ايضا لا يتمثل في الانسحاب الاميركي العاجل، فالتقرير المنشور يقول وهو على حق فيما ذهب اليه ان هزيمة الجهاديين في العراق سوف تضعف الحركة الجهادية على مستوى العالم اجمع، قد يأتي ذلك اليوم الذي يصبح فيه الرحيل المر الاميركي من العراق افضل من البقاء وعلينا ان نعد قواتنا وانفسنا جيدا لهذا الامر، لقد كشف نشر مقتطفات من هذا التقرير وجود صراع داخلي غير عادي بين قائد اركان القوات الاميركية، والادارة الاميركية على تخصيص المزيد من الاموال اللازمة للاستمرار في الحرب، وقد رفض البيت الابيض الشهر الماضي طلبا تقدم به قائد الاركان لزيادة ميزانية الحرب بنسبة 41% لعام 2008. لقد تسببت حرب العراق في تجفيف موارد الجيش واوصلت الامور الى نقطة الانكسار تقريبا مما اجبر البنتاغون على اعادة نشر القوات الموجودة في العراق وابقائها هناك لفترات اطول بسبب العجز في اعداد القوات المتاحة. منذ البداية اعتقدت ادارة بوش انها ستخوض حربا رخيصة ، فلقد وفرت ما يكفي من القوات من اجل الاطاحة بصدام ولكن كانت تلك الاعداد اقل بكثير من اجل المحافظة على السلام والامن في ذلك البلد. لا يخفى على احد ان الادارة الاميركية تشعر بالضيق والانزعاج الشديد بسبب تراجع تأييد الرأي العام الاميركي لتلك الحرب كونها حربا عبثية اضافة الى تكاليفها ا لباهظة التي يتوجب على دافعي الضرائب توفيرها من جيوبهم. \r\n \r\n يدرس الكونغرس الاميركي حالياً كيف يمكن التعامل مع المشكوك بهم بأنهم ارهابيون وتقديمهم للمحاكمة، وعلى الكونغرس ان يأخذ بعين الاعتبار قصة ماهر عرار ذلك الكندي المسلم. \r\n \r\n ان قصة عرار تقدم لنا مثالاً حياً كيف يمكن للامور ان تأخذ المسار الخطأ عندما يتم الاخذ بالتكتيكات الخاطئة والقاسية التي يريد الرئيس بوش من الكونغرس اقرارها وتطبيقها ضد المشتبه بهم بأنهم ارهابيون. \r\n \r\n بدأت محنة عرار في سبتمبر 2002 وهو مهندس كمبيوتر واب لطفلين اعتقل في مطار كنيدي في نيويورك خلال توقفه فيه في طريقه إلى كندا بعد قضاء عطلة في تونس مع اسرته. \r\n \r\n لم يكن عرار معروفا للشرطة الكندية التي تلقت معلومات كيدية عن ذلك المواطن. وما كان من الشرطة الكندية إلا ان ابلغت السلطات الاميركية بتلك المعلومات التي يمكن ايجازها بأن عرار متطرف اسلامي ويشتبه بوجود ارتباط له بالقاعدة. \r\n \r\n احتجز عرار لمدة 12 يوماً حيث استجوب في المطار وفي مركز للاعتقال وعندما اخبرته السلطات الاميركية بأنه سيتم ترحيله إلى سوريا التي هاجر منها إلى كندا وهو في سن ال 17 عاما انهار عرار وبدأ بالبكاء راجياً ومتوسلا عدم ارساله إلى هناك لانه سيخضع للتعذيب بمجرد وصوله. \r\n \r\n تم تقييد عرار والقي في مؤخرة طائرة صغيرة نفاثة وارسل إلى الاردن حيث ضرب على يد الحرس الاردني واستجوب بعدها غطيت عيناه وارسل إلى سوريا حيث تعرض هناك للضرب والتعذيب بقسوة متناهية. \r\n \r\n وبقي خلالها عرار حبيساً في زنزانه مليئة بالجرذان لا يزيد عرضها على 3 اقدام ولا يزيد طولها على 6 أقدام اي متر واحد في مترين. \r\n \r\n طلب منه السوريون التوقيع على الاعترافات التي كتبوها له واعيد إلى كندا في 2003 محطم النفس والشخصية بعد كل ذلك العذاب النفسي والجسدي الذي مر به ولم يستطع العمل لاعالة اسرته. \r\n \r\n لقد عرفنا هذه التفاصيل بعد أن امر قاض كندي بنشر تقرير عن الواقعة بعد ان تم الاستماع لشهادة اكثر من «70» شخصا اضافة إلى توافر 21 ألف وثيقة ذات صلة بالموضوع. \r\n \r\n وقد توصل القاضي إلى استنتاج يقول «انه ليس هناك اي دليل من أي نوع يثبت ان عرار كان يشكل تهديداً للأمن. \r\n \r\n ان الارهاب يشكل دون أدنى شك تهديدا للولايات المتحدة ولكن قصة عرار توضح ما الذي يمكن ان يحدث عندما يسيطر الخوف علينا وعلى تصرفاتنا حيث يخل ذلك بميزان العدل الدقيق الذي يتوجب علينا الأخذ به. \r\n \r\n كان بالامكان الاخذ ببعض الاجراءات من اجل تجنب الحاق الظلم بقرار مثل تسليمه لكندا بدل سوريا واخضاعه للمحاكمة هناك وفق الاصول المعمول بها. \r\n \r\n لابد للولايات المتحدة ان تضع قيوداً مشددة على استخدام التعذيب بحيث يخضع المشتبه بهم لممارسات قانونية واخلاقية معقولة. \r\n \r\n لقد قاومت ادارة بوش مثل هذا التوجه العقلاني في التعامل مع المشتبه بتورطهم بالارهاب وهي تريد الاخذ بممارسات ترقى إلى مستوى التعذيب. \r\n \r\n التعذيب شيء لا اخلاقي وبغيض وهو يتسبب بامدادنا بمعلومات سيئة اضافة إلى الحاقه الضرر بالكرامة الانسانية للمشتبه به. \r\n \r\n ان استخدام التعذيب ضد عتاة الارهابيين هو شيء لا يقره الكثيرون اما استخدامه ضد اناس ابرياء فهو امر لا يمكن الصفح عنه ابداً. \r\n