\r\n \r\n \r\n \r\n ولكن ذلك لا يمنعنا من القول إن الضرر قد وقع وإن الأخطار قائمة، وإن هناك عملاً حقيقياً يجب أن يبدأ. \r\n لا يسعُ المرء سوى أن يتساءل عن السبب الذي حدا بالبابا إلى اقتباس النقد الشديد الذي وجهه الإمبراطور مانويل ليشير إليه في محاضرته، بيد أن الشيء الواضح هو أن ما قاله البابا شكل خطراً كبيراً، وهي حقيقة يعترف بها الفاتيكان الآن، بل يمكن القول إن دعوة البابا للتحاور تعتبر في حد ذاتها دليلاً على اعترافه بالخطأ. \r\n وعلى الرغم من أن بعض هواة التبرير قد يذهبون للقول إن الغرض من كلمة البابا كان فتح باب للحوار في الأساس، فإن تحقيق هذا الهدف من خلال الإساءة لأسس عقيدة \"الآخر\"، لا يعتبر مقاربة مناسبة لتحقيق هذا الحوار. \r\n فكلمة البابا، وبدلاً من أن تسعى إلى التقريب بين المسلمين والكاثوليك أدت إلى تعميق هوة الخلاف بينهما. وعلى الرغم مما يقوله بعض رجال الدين الكاثوليكي من \"الليبراليين\"، الذين دخلوا مع البابا في سجال بشأن الطريقة التي تعامل بها مع هذا الأمر، فإن الشيء الذي كان مثيراً للقلق في الحقيقة، هو قيام بعض رجال الدين الكاثوليك التقليديين وأعداد متزايدة من زعماء الأصوليين المسيحيين بتبني وصف الإمبراطور للإسلام بأنه \"دين شرير وغير إنساني\" لإثبات صحة مواقفهم الراسخة والمتطرفة المضادة للمسلمين. ليس هذا فحسب، بل إن البعض منهم وجهوا اللوم للبابا لقيامه بالاعتذار عن اقتباسه مقولة الإمبراطور. \r\n وإذا لم يتم كبح هذا الاتجاه داخل الفاتيكان، فسوف يحدث نوع من التآكل الخطير في الاحترام الدولي الذي يكنه الكثيرون من غير الكاثوليك للمنصب البابوي، وهو الاحترام الذي يرجع الفضل فيه للإرث الذي تركه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني والذي يهدد البابا بنديكت بإضاعته الآن. \r\n ومن بين التأثيرات الواضحة السلبية لكلمة البابا إتاحته الفرصة لبعض المتطرفين في العالم الإسلامي. فعلى الرغم من ردود الأفعال كانت مخففة، وأنه كانت هناك دعوات لالتزام الهدوء، إلا أن خطر الانفجار يظل قائماً مع ذلك إذ يمكن للمتطرفين أن يستخدموا ما قاله البابا كفتيل يشعلون به ردود فعل عنيفة لتقوية أوضاعهم السياسية. \r\n الضحايا في كل ذلك هم المسيحيون الشرقيون الذين غدوا محاصرين إلى حد كبير. فسياسات الاحتلال الإسرائيلية، وهجومها على لبنان، وغزو أميركا سيئ التخطيط للعراق ترك المسيحيين العرب في مرمى النيران المتقاطعة، حيث يتحولون وبشكل متزايد إلى أهداف للغضب. وتشير مقالة نشرت حديثاً في مجلة \"أميركا\"، وهي إحدى المجلات الرئيسية التابعة لطائفة \"اليسوعيين\" أن عدد مسيحيي العراق قد هبط من 1,2 مليون إلى 600 ألف فقط خلال العقود القليلة الماضية، وأن نسبة المسيحيين في فلسطين والتي كانت تصل إلى 15 في المئة قد هبطت إلى ما دون 1,5 في المئة فقط في الوقت الراهن. \r\n ما يمكن قوله في خاتمة هذا المقال هو أن بنديكت لم يزن كلماته جيداً وهو ما يرجع إلى أنه رجل لا يعيش في العالم الحقيقي، وإنما هو عالم دين أكاديمي يعيش داخل أسوار الجامعة، ويؤمن بالمركزية الأوروبية، ويركز بشكل أساسي على استعادة الإيمان المسيحي إلى سابق عهده في أوروبا، ولم يقم بتقدير المظالم التي يحس بها المسلمون تجاه الغرب، ولا مدى حاجة المسيحيين الشرقيين إلى تقوية أواصر التفاهم والاحترام المتبادل بينهم وبين مواطنيهم المسلمين. \r\n والمأمول هو أن يكون ما حدث عنصر تنبيه وإيقاظ، وأن تغييراً يمكن أن يحدث قبل أن تحدث كارثة، وأن يؤدي حوار الفاتيكان القادم بين البابا وسفراء الدول الإسلامية إلى بدء حوار جاد ومحترم. \r\n \r\n