اتخذت عدة دول عربية وإسلامية خطوات دبلوماسية تصعيدية تجاه الفاتيكان احتجاجا على تصريحات البابا بنديكت السادس عشر المسيئة للإسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم. وصدرت أقوى هذه الخطوات عن المغرب، حيث بعث الملك محمد السادس أمس برسالة خطية إلى الفاتيكان يحتج فيها على التصريحات المسيئة، وبعيد ذلك بقليل أعلنت الخارجية المغربية عن استدعاء سفير المغرب بالفاتيكان "علي عاشور" للتشاور معه ابتداء من يوم غد الأحد حول تلك التصريحات.
وجاءت هذه الخطوة في وقت يشهد فيه المغرب أجواء من الغضب الشعبي جراء تصريحات بابا الفاتيكان؛ فقد اعتبر الداعية المغربي عبد الله نهاري في حديث ل"إسلام أون لاين.نت" أن "تصريح الحبر الأعظم للكاثوليكية ينم عن عداء واضح للإسلام والمسلمين".
من جانبه شدد عبد الجليل الجاسني عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح المقربة من حزب العدالة والتنمية على أن تصريح البابا دليل على "تناقض في خطاباته، حيث سبق له أن صرح بأنه مع حوار الأديان، وأنه يحترم مقدسات الجميع".
واعتبر في حديث ل"إسلام أون لاين.نت" أن "ما قاله البابا تبرير مباشر للجرائم الحالية التي يرتكبها الغرب في دول إسلامية، منها فلسطين ولبنان والعراق". مؤكدا على أن بنديكت "ملزم بتقديم اعتذار صريح وواضح".
وجاءت تصريحات البابا المثيرة للجدل خلال محاضرة ألقاها أمام أكاديميين في جامعة ريجينسبرج بألمانيا الثلاثاء الماضي عن الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية. واستشهد فيها بحوار دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي ومثقف "فارسي".
وأورد بنديكت السادس عشر قول الإمبراطور للمثقف: "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد؟ لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف". كما انتقد البابا في محاضرته مفهوم الجهاد عند المسلمين.
وفي القاهرة استدعت وزارة الخارجية المصرية اليوم السبت رئيس بعثة الفاتيكان للإعراب عن "أسف مصر البالغ" إزاء محتوى محاضرة البابا.
وفي بيان للوزارة قالت السفيرة وفاء بسيم مساعدة وزير الخارجية التي استدعت رئيس البعثة: إن "هناك ضرورة لقيام البابا شخصيا بالتحرك سريعا لاحتواء الموقف وتدارك تداعياته الخطيرة"، مشيرة إلى أن رسالة البابا يجب أن تكون في المقام الأول "رسالة سلام وحوار واحترام لكافة الأديان".
واعتبرت أن "الإشارات السلبية تجاه الإسلام الواردة بالمحاضرة لا يمكن تفسيرها أو تبريرها".
من جانبه ندد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح علنا بتصريحات البابا المسيئة للإسلام، مهددا في كلمة ألقاها يوم السبت أمام تجمع انتخابي حاشد بالعاصمة صنعاء بإعادة النظر في العلاقات مع الفاتيكان إذا لم يعتذر البابا عن تصريحاته.
بدورها طالبت الحكومة السعودية بتوضيحات "عاجلة" لتصريحات البابا المسيئة للإسلام، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
وقال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في خطاب بعث به إلى الفاتيكان: إن محاضرة البابا التي أدلى فيها بتعليقات مسيئة للإسلام جاءت لتبرير "منطق الحملة الصليبية التي شنت على العالم الإسلامي".
وقال الخطاب: إن "السعودية تعرب عن أسفها البالغ من تصريحات البابا التي أعطت انطباعا سيئا عن المسلمين في الوقت الذي تكافح فيه الدول الإسلامية لفتح حوار جاد مع الأديان والحضارات في مقدمتها الدين المسيحي".
بدوره طالب وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد صباح السالم الصباح الكنيسة الكاثوليكية بتقديم شرح لخطاب البابا، ودعا الفاتيكان إلى مواجهة تعليقات البابا بطريقة ترضي المسلمين.
كما استدعت وزارة الخارجية القائم بأعمال سفارة الفاتيكان لديها، وأعربت له عن استياء الكويت مما ورد من محاضرة بنديكت السادس عشر.
وفي العراق وصفت وزارة الخارجية تصريحات البابا بأنها "موضع استغراب وأسف كبير"، وقال بيان الخارجية اليوم السبت إنها "بادرت بالاتصال بالسفير البابوي في بغداد للاستفسار عن هذه التصريحات وتوضيح الموقف منها".
ولم تتخلف تونس عن ركب الدول العربية المستنكرة لتصريحات البابا، حيث أعرب المجلس الإسلامي الأعلى في تونس -وهو هيئة استشارية حكومية- يوم السبت عن استيائه الشديد ورفضه لإساءة البابا للإسلام.
وعن موقف جامعة الدول العربية فقد أعربت الجامعة عن "الاستغراب والغضب الشديدين للتعبيرات الماسة بالإسلام التي نقلت عن البابا". وتساءل الأمين العام للجامعة عمرو موسى عن "أسباب مثل هذه التصريحات وتوقيت صدورها وحكمة استحضار مواقف غير موفقة والاقتباس منها بما يهدد علاقات كثيرة".
وعلى صعيد ردود فعل الدول الإسلامية قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إنه يتعين على البابا أن يسحب تعليقاته "القبيحة" حول الإسلام.
وقال أردوغان في تصريحات بثها التلفزيون السبت: "تحدث البابا كأنه سياسي أكثر منه رجل دين.. التصريحات قبيحة ومؤسفة. يحتاج البابا لأن يتراجع للحفاظ على السلام بين الأديان".
ومضى يقول: "لا نستطيع قبول مثل هذه التصريحات. العالم الإسلامي لا يستطيع قبولها. أعتقد أن هذه التصريحات لا يمكن أن تكون مقبولة أيضا من العالم المسيحي والكاثوليكي".
وقال البابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان للمسلمين اليوم السبت إنه يشعر بالأسف بعد أن رأوا أن كلمته عن الإسلام التي تحدثت عن انتشار الديانة عبر إراقة الدماء كانت مسيئة، قائلا إنه يأمل أن يفهموا "المعنى الحقيقي" لكلماته.
وأثارت تصريحات البابا ردود فعل شعبية غاضبة في العالم العربي والإسلامي الذي شهد تظاهرات وتصريحات منددة بتعليقات البابا، مطالبة الفاتيكان بتقديم اعتذار رسمي.
وجاءت تلك التصريحات في نفس الشهر الذي نشرت فيه صحيفة دانماركية العام الماضي رسوما كاريكاتيرية مسيئة للنبي عليه السلام في سبتمبر 2005؛ وهو ما أثار موجة غضب عارمة في العالم الإسلامي.
كما تزامنت مع الذكرى الخامسة لهجمات 11 سبتمبر التي أسفرت عن شن الولاياتالمتحدة لحربها على "الإرهاب"، والتي لم تستهدف سوى المسلمين.
ومنذ قيام تلك الحرب قامت القوات الأمريكية -بمساعدة من حلفائها- بغزو دولتين مسلمتين هما أفغانستان في أكتوبر 2001، والعراق في مارس 2003. كما ساندت واشنطن العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان في 2006.