ويجادل بعضهم على حق أن تشويه صورتهم، يعود إلى أولئك الذين عارضوا برنامج فرانكلين روزفلت للإصلاح في الداخل والخارج. ومنهم جاءت المكارثية وما رافقه من تسميات سيئة لليبراليين، باعتبارهم «أناس هشين وضعفاء»، في تعاملهم مع الشيوعية. \r\n \r\n لكن الليبرالية أصبحت تشير أيضا إلى النخبوية والغطرسة ومقت القيم التي يشترك فيها الأميركيون العاديون. فكروا بتلك السلع الاستهلاكية التي يتهم اليمين الليبراليين باستخدامها: جبن البْري، الفولفو، قهوة اللاتي، وقضاء العطل في «كرمة مارثا». حتى مع حقيقة أن المحافظين هم الذين يسعون إلى إلغاء الضريبة المفروضة على الإرث على مزارع الكروم تلك. \r\n \r\n يقدم ديفيد براون في كتابه «ريتشارد هوفستاتر: سيرة فكرية» حياة أحد المؤرخين الأميركيين الذين يحظون بالتقدير. وهو مؤلف كتب مثل «عصر الإصلاح»، الذي صاغ الليبرالية بشكل ما زلنا نتشبث به اليوم. \r\n \r\n أي شخص يحب التاريخ الأميركي مدين لهوفستاتر، وأنا واحد منهم. وأنا كنت محظوظا لوجود مدرسيْن خلال دراستي الثانوية، هما جيم غارمان ونورم هيس اللذان عرّفاني بهوفستاتر. \r\n \r\n ولكن قراءة براون هي أيضا تذكير بالموضع الذي ربما يكون هوفستاتر قد قاد فيه الحركة الليبرالية ذاتها التي كرس نفسه لها نحو اتجاه خاطئ. فكان هناك، أولا، تأكيده على الشعبويين الأميركيين باعتبارهم يجسدون «النزعة المناطقية المترسخة عميقا»، والتي يعتبر تمردها رد فعل على نهوض المدينة الكبيرة الكوزموبوليتية، وكذلك على المظالم الاقتصادية. \r\n \r\n وإلى ذلك أكد أن الكثير من التقدميين والاصطلاحيين مثلوا الطبقة الوسطى الانغلوساكسونية التي عانت من «قلق المكانة» في رد فعل على نهوض نخبة البزنس الجديدة المبتذلة. \r\n \r\n ويحلل هوفستاتر الجناح اليميني في خمسينات القرن الماضي وأوائل ستيناته في إطار مماثل. وبات التشوش السايكولوجي والابعاد الاجتماعي أكثر أهمية من الأفكار والمصالح. \r\n \r\n وكان هوفستاتر جذابا لأنه، على وجه التحديد، يعيد النظر بصورة رائعة في وجهات النظر المقبولة والمتزمتة أحيانا حول الشعبويين والتقدميين. ولكن كان هناك شيء رافض بشأن تحليل هوفستاتر لليبراليين العميان للمظالم المشروعة للشعبويين والتقدميين، وكذلك الجناح اليميني. \r\n \r\n \r\n وأشار الراحل كريستوفر لاش، وهو واحد من طلاب هوفستاتر وناقد مقدر لعمله، انه بتوجيهه «النقد السياسي في اطارات نفسية» حرر هوفستاتر وحلفاؤه الفكريون أنفسهم «من العمل الشاق للحكم وايراد الحجج». \r\n \r\n وأضاف لاش قائلا انه «بدلا من الجدل وإيراد الحجج مع الخصوم، فإنه كان ببساطة يرفضهم على اسس نفسية». \r\n \r\n واعتقد ان هذا كان انعطافة خاطئة نحو الليبرالية. انه لمن الخطأ ابعاد الليبرالية عن جذورها الشعبوية وتأكيد العنصر العقلاني للحركات الشعبوية الى حد اقصاء فهمها الذاتي تقريبا. وقد كان فرانكلين روزفلت، الذي كان هوفستاتر يمجده على الدوام، يفهم الحاجة الى المزاوجة بين الصيغ المدينية لليبرالية وتقاليد الاصلاح والاحتجاج الشعبي. \r\n \r\n وقد توفي هوفستاتر بسبب اللوكيميا عام 1970، وكان في عمر الرابعة والخمسين. ولم يترك كثير من الكتاب خلفهم الكثير من الأعمال الجيدة والكتب التي تتعمق في مفارقات وضعنا القومي. وأود التفكير بأنه من التكريم بالنسبة لارث هوفستاتر، ان نخضع تاريخه الخاص الى ذلك النمط من المراجعة الذي مارسه مع مثل هذه البراعة، وبرغم أن الليبراليين مدينون لهوفستاتر، ولكنهم مدينون لأنفسهم بالجدال معه أيضا. \r\n \r\n * خدمة «واشنطن بوست» \r\n \r\n خاص ب«الشرق الأوسط» \r\n a