\r\n وتشير التفاصيل التي توفرت حول هذه الصفقة التي لم يكشف عن جميع جوانبها بعد إلى احتمال موافقة واشنطن على أن تستثنى ثلث المفاعلات الهندية النووية الموجودة والتي يراد بناؤها من التفتيش والمراقبة التي تقوم بها الهيئة الدولية للطاقة النووية لتلك المفاعلات وعلى أن يوافق بوش على المطالب الهندية التي تدعو إلى حصر التفتيش على بعض المنشآت النووية الهندية الأخرى بمختصين هنود. لكن الأسوأ من ذلك هو تأكيد المسؤولين الهنود بأن الهند وحدها ستصبح بموجب الصفقة مع بوش صاحبة القرار بمستقبل المفاعلات النووية التي ستختص بالشؤون العسكرية النووية وهي التي ستحددها وتحولها إلى مفاعلات لا تخضع لأي مراقبة أو تفتيش من الهيئة الدولية للطاقة النووية. وهذا يعني أن إدارة بوش ستصادق على برنامج الأسلحة النووية الهندي وعلى تقديم المساعدة له أيضاً. وبهذه الطريقة ستزود واشنطن الهند بالوقود النووي المستخلص من اليورانيوم الأميركي وتحرير الهند من هذه العملية التي لا يتوفر فيها إلا القليل من اليورانيوم الهندي الذي ستقوم بحرقه في هذه المفاعلات من أجل صناعة الأسلحة النووية. وسوف تتمكن الهند من خلال هذه الصفقة من زيادة إنتاجها للقنابل النووية التي يقدر الآن إنتاجها السنوي منها بست إلى عشر قنابل نووية سنوياً وتصبح قادرة على زيادة الانتاج بعشرات القنابل النووية في كل سنة. وكانت الهند قد نجحت في استخلاص البلوتونيوم الذي يكفي لصنع 75 إلى 110 قنابل نووية من اليورانيوم المتوفر لديها، لكن أحداً لا يعرف بعد عدد القنابل النووية التي صنعتها حتى الآن. \r\n \r\n كسر حلقة الرفض وتغيير قوانين اللعبة \r\n \r\n لكن الزعماء الهنود والصحافة الهندية بدأا يعربان علناً عن ابتهاجهما بهذا الانتصار الهندي على الولاياتالمتحدة. فالحقيقة هي أن الرئيس بوش قدم للهند ما رفض كل من الرئيس نيكسون وفورد وجيمي كارتر ورونالد ريغان، وبيل كلينتون أن يفعله لأن جميع هؤلاء الرؤساء باستثناء بوش امتنعوا عن خرق القانون الأميركي، والقانون الدولي الذي لا يقبل تقديم مساعدة نووية للبرنامج النووي الهندي. والمعروف أن الهند قامت عام 1974 بخداع الولاياتالمتحدة ودول أخرى حين وافقت على اتفاقات بعدم تطوير أسلحة نووية وهو ما تتهم إيران بالسير نحوه الآن وتواجه بحملة دولية لمنعها من تحقيقه. فإيران اليوم تقوم بما قامت به الهند عام 1974 حين أعلنت أن برنامجها النووي لأغراض مدنية وسلمية وصناعية ثم استندت إليه وقامت بصنع القنبلة النووية. وفي ذلك الوقت استخدمت الهند البلوتونيوم الذي صدرته لها كندا وصنعت منه القنبلة النووية، فقام الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون والكونغرس الأميركي بتشديد تطبيق القوانين الأميركية على الهند وأنشأ نيكسون ما عرف باسم «مجموعة الدول المنتجة للمصادر النووية» لمنع أي دولة أخرى من انتهاج الطريقة الهندية نفسها وعدم بيعها مواد نووية. لكن الرئيس بوش قام الآن بالتخلي عن هذه السياسة وقرر من خلال ما يعرضه على الهند خرق اتفاقية «حظر انتشار الأسلحة النووية» التي تمنعه من تقديم أي مساعدة لدولة أخرى تعتزم تطبيق برنامج لصناعة الأسلحة النووية. ولا شك أن هذا الاجراء الأميركي سيتطلب نقضاً أو مراجعة لعدد من القوانين الأميركية من بينها البند الدستوري الأميركي الذي يمنع واشنطن توسيع نشر الأسلحة النووية من قبل دول العالم، بل إن ما سوف تقدمه واشنطن للهند لن يحقق مكسباً مهماً من التنازلات الهندية المقابلة، فالهند لا تزال ترفض التوقف عن انتاج المواد التي تصنع منها الأسلحة النووية في حين أن الولاياتالمتحدة نفسها وكذلك بريطانيا وفرنساوروسيا والصين تلزم نفسها بالتوقف عن إنتاج مواد صنع الأسلحة النووية. وهذا ما سوف يخلق بعض المتاعب للرئيس بوش في داخل الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n قلق جمهوري ديموقراطي من الصفقة \r\n \r\n فالجمهوريون والديموقراطيون على السواء يشعرون بالقلق الشديد من داخل الكونغرس تجاه هذه الصفقة مع الهند والطريقة التي اتبعت في إعدادها. وتقول مصادر الجمهوريين إن الصفقة تم «طبخها» على يد عدد من المسؤولين الأميركيين الكبار (أحدهم يقود الآن مجموعة الضغط الأميركية لتعزيز التحالف مع الهند)، ولم تجر مراجعتها من قبل وزارة الخارجية ووزارة الدفاع أو وزارة الطاقة النووية الأميركية قبل الإعلان الذي جرى عنها في حفل أقامه الرئيس بوش للرئيس الهندي مانموهان سينغ. وظهر أيضاً أن الكونغرس لم يستشره أحد في هذا الموضوع ولم يسمع به الأعضاء الجمهوريون في هيئة قيادة الحزب الجمهوري إلا عن طريق (فاكس) وصل إلى مكاتب هذه القيادة. ورأى عدد من الجمهوريين أن أسوأ ما حصل هو أن الرئيس بوش قدم تنازلاً كبيراً لحكومة أجنبية على حساب مصالح الأمن القومي الأميركي. \r\n \r\n المثل السيئ \r\n \r\n يرى رجال القانون والتشريع الأميركيون أن الرئيس بوش خرق القانون الأميركي وأزال الحواجز القديمة والمستمرة التي تحظر انتشار الأسلحة النووية وأن هذا الاجراء يثير المخاوف من تحول هذا الموقف إلى نموذج ومثال ينسحب على دول أخرى. فالدرس الذي ستستخلصه إيران مما جرى بسيط في أغلب الاحتمالات وهو أنه إذا ما قررت الصمود أمام الضغوط فسوف تسكت واشنطن على الملف النووي الإيراني. وسوف تعتبر إيران أن كل ما يجري من حديث حول خرق الاتفاقات ليس سوى دخان زائل وأن واشنطن سوف تخرق القواعد حين تدرك أن خصمها مهم وستنتقل إلى التكيف معه. وعلى صعيد آخر، سارع الباكستانيون إلى الإعلان بأنهم يتوقعون أن تقوم واشنطن بصفقة مماثلة معهم، أما إسرائيل فهي الأخرى لن يفوتها القطار. وربما تجد دول أخرى أنها ستكون قادرة على خرق القواعد المتبعة في موضوع حظر انتشار السلاح النووي وتقوم هي الأخرى بتصدير تكنولوجيا صناعة السلاح النووي لدول صديقة. فثمة شائعات تشير إلى أن الصين على استعداد للبحث مع الباكستان من أجل عقد صفقة تزودها بموجبها بمساعدات نووية. ويذكر أن الصين ساعدت باكستان في ميدان السلاح النووي ثم توقفت عن هذا الدور في بداية التسعينات في أعقاب النجاح الذي حققته واشنطن وحملتها الديبلوماسية لإعادة توافق الصين مع معاهدة حظر انتشار السلاح النووي والالتزام بها. وإذا كانت الولاياتالمتحدة اليوم تستثني الهند من هذه المعاهدة فهل ستقوم روسيا باستثناء إيران؟ يبدو أن رجال القانون الدولي الأميركيين الموالين لبوش بدأوا منذ الآن الإشارة إلى إمكانية مواجهته لأوقات صعبة بسبب هذه الصفقة مع الهند. فالسناتور الجمهوري ايد رويس رئيس اللجنة الفرعية في الكونغرس لشؤون «الإرهاب، وانتشار السلاح النووي» صدر عنه بيان بعد صفقة بوش مع الهند جاء فيه: «ثمة تأييد متحمس في الكابيتول من أجل تعزيز العلاقات الأميركية - الهندية، ومع ذلك لا بد من ملاحظة أن الاتفاقية الأميركية - الهندية حول التعاون النووي المدني تحمل مضاعفات تتجاوز العلاقات الأميركية - الهندية. وفي عملية كهذه ينبغي أن يكون كبح انتشار الأسلحة النووية هدفاً من الدرجة العليا. وسوف يواصل الكونغرس دراسته ومراقبته الحريصة لهذه الاتفاقية ذات الأبعاد الواسعة». يذكر أن اللجنة الفرعية التي يرأسها رويس تتمتع بمسؤولية قانونية في مراقبة المسائل المتعلقة بانتشار الأسلحة النووية. وكان السناتور الجمهوري ريتشارد لوغار رئيس لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية قد أعرب علناً عن مخاوفه إلى جانب عضو الكونغرس الجمهوري هنري هايد رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأميركي. وفي هذا الصدد يقول إدوارد مارنغي عضو الكونغرس الديموقراطي: «إن الولاياتالمتحدة لا يمكن أن تفعل الشيء ونقيضه فنحن لا نستطيع أن نقول لإيران الدولة التي وقعت على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بأنها لا تستطيع امتلاك تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم وفي الوقت نفسه ترانا نقوم بعقد صفقة نستثني بها تطبيق قوانين حظر انتشار الأسلحة النووية على الهند التي رفضت التوقيع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية». ويبدو أن معركة سياسية سيقوم بها المعارضون لهذه الاتفاقية للوقوف في وجه «لوبي» الضغط الهندي الذي تتزايد قوته وضد اللوبي الأميركي الذي يشجع بيع التكنولوجيا النووية الأميركية. وهناك شركات غير أميركية ودول أخرى من بينها فرنساوكندا، وروسيا تصطف في الطابور من أجل بيع الوقود النووي والمفاعلات النووية للهند. وسوف ينضم إلى هذا الطابور المحافظون الأميركيون الجدد الذين يسعون إلى إنشاء حلف أميركي واسع ضد الصين. ويرى هؤلاء بموجب ما صرح به أحد مهندسي اللوبي الهندي: «إن المشكلة لا تكمن في حقيقة أن الهند لديها أسلحة نووية كثيرة بل في أن عدد هذه الأسلحة النووية ليس كافياً». \r\n \r\n إنها معركة بوش الخاسرة سلفاً .. \r\n \r\n ولو كان بوش يحقق شعبية متزايدة داخل الولاياتالمتحدة ولو كان يحقق انتصارات أمنية فقد يتمكن حقاً من كسب المعركة التي سيخوضها في تعزيز قوة الهند النووية لكن هذه المعركة تشبه معركة جوليات أمام داود. وبما أن بوش يعاني من انخفاض شعبيته ويثير قلقاً شديداً من طريقة قيادته للبلاد بل وغضباً من إدارته خصوصاً في الميدان التشريعي والقانوني فإن المشرعين الأميركيين سيشعرون بمزيد من المخاوف تجاه انتشار الأسلحة النووية ولن يهتموا بالمكاسب التي يمكن أن تتحقق من خرق التشريعات الأميركية في هذه الصفقة. وربما يرتكب الرئيس الأميركي خطأً فادحاً إذا ما وضع الأسلحة النووية كمصدر مركزي في عملية تحسين العلاقات الأميركية مع الهند. والمشرعون الأميركيون يريدون تحسين العلاقات مع الهند لكن ليس على حساب مبدأ عدم انتشار الأسلحة النووية. ويرى اندراجيت باسو الكاتب السياسي من (كالكوتا) في الهند أن زيارة بوش إلى الهند لم يتوقع أحد أن تشمل مناقشات حول الاقتصاد والأعمال مع الهند بل حول مسائل الدعم النووي الأميركي. لكن وليام كلاين المستشار والديبلوماسي المختص بالشؤون السياسية والاقتصادية في شؤون الهند في وزارة الخارجية الأميركية يقول إن الولاياتالمتحدة تعهدت بتطوير علاقات اقتصادية قوية مع الهند قبل قيام الرئيس بوش بزيارة الهند. ومن الأمثلة التي يقدمها الانتهاء من صياغة اتفاقيات تدعو إلى مضاعفة التبادل التجاري مع الهند في السنوات الثلاث المقبلة بقيمة 40 مليار دولار. ولعل أهم ما تتصف به هذه الاتفاقية هو أنها وضعت حلاً مناسباً للخلاف المزمن بين الدولتين حول السماح بدخول الهند إلى سوق الولاياتالمتحدة وخصوصاً في مجال البضائع الزراعية الهندية. وكانت الولاياتالمتحدة قد توصلت إلى حلول حول بعض المنتجات الزراعية الهندية وتحسين مواصفاتها لدخول السوق الأميركية ويتطلع رجال الأعمال الأميركيين في المقابل إلى توسيع الاستثمارات وخصوصاً في قطاعات الطاقة والبنى التحتية. وذكر روب بورتمان الممثل التجاري الأميركي في الهند أن بعض المجموعات الأميركية التجارية تدرس الآن مسألة سماح الولاياتالمتحدة بدخول الكومبيوترات الهندية التي يتم تجميعها في الهند. \r\n \r\n نقلة جيدة في العلاقات الاقتصادية \r\n \r\n وتقول تقارير الغرفة التجارية الأميركية - الهندية إنه على الرغم من وجود نوع من الشراكة القوية في العلاقات الاقتصادية بين البلدين منذ سنوات إلا أن هناك نقلة جيدة في السنوات القليلة الماضية. فقد ازداد على سبيل المثال التبادل التجاري الثنائي وبلغت قيمته 22 مليار دولار في عام 2004 بعد أن بلغت 6،5 مليارات عام 1990، وهذا يشير إلى زيادة بنسبة 387% خلال 14 عاماً. وصدرت الهند إلى الولاياتالمتحدة في العام الماضي 2005 بما قيمته 28،19 ملياراً وبما قيمته 13 ملياراً في عام 2003 و16 ملياراً في عام 2004. وفي تلك الأعوام نفسها ازدادت الاستثمارات الهندية في الولاياتالمتحدة وبدأت تفرض ثقة داخل السوق الاقتصادية الأميركية. لكن كل هذا يحدث وما زالت الصين تراقب ما يحدث على صعيد الرغبة الأميركية بتوثيق التعاون التكنولوجي النووي مع الهند في الوقت نفسه الذي تحاول فيه الإدارة الأميركية دفع اليابان نحو التحول إلى قوة نووية عسكرية في آسيا. ويعتبر بوش أن أكبر دولتين ديموقراطيتين في العالم هما الولاياتالمتحدة والهند، وأن على الولاياتالمتحدة تعزيز أشكال العلاقات كافة مع الهند من أجل مستقبل آسيا والمصالح الأميركية فيها بعد النمو المتصاعد اقتصادياً وعسكرياً للصين وامتداد نفوذها السياسي في كوريا الشمالية.. ويبدو أن قادة الهند يشعرون بمدى حاجة الولاياتالمتحدة لهم في ظل التطورات المستجدة على توازن القوى في قارة آسيا مثلما تشعر روسيا والصين بأنهما بحاجة أيضاً إلى عدم وجود حلف أميركي - هندي أو على الأقل بحاجة إلى هند غير معادية في قارة آسيا. ولا شك أن الفشل الذي لحق بواشنطن في موضوع السلاح النووي الكوري الشمالي سيحمل تأثيرات على كيفية تحديد واشنطن لحلفائها في منطقة آسيا، خصوصاً وأن الصين وروسيا كان من مصلحتهما إبقاء الملف النووي الكوري الشمالي مفتوحاً من أجل توفير إمكانية ابتزاز واشنطن. وإذا كان عصر الحرب الباردة قد فرض على الدول العظمى التشدد في حظر انتشار الأسلحة النووية، فإن عصر ما بعد تلك الحرب والتطورات التي تقود إلى احتمال نشوء قوى عظمى جديدة منافسة للولايات المتحدة سيشهد محاولة تقديم المساعدة على انتشار هذه الأسلحة لخلق أكثر من خصم أو عدو لهذه القوة أو تلك. \r\n \r\n \r\n