ما لم يوافق الكونجرس الأمريكي علي صفقة التكنولوجيا النووية التي اقترحتها إدارة جورج بوش مع الهند، فليس مستبعداً أن تسفر زيارة بوش المرتقبة للهند في شهر مارس المقبل، عن نقلة كبيرة في العلاقات بين البلدين، خاصة وأنهما يعكفان الآن علي تدشين مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي فيما بينهما. هذا وليس ثمة لف أو دوران في شروط ونصوص الاتفاق النووي بين واشنطن ونيودلهي. ففي مقابل مبيعات التكنولوجيا النووية الأمريكية، تلتزم نيودلهي بالسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة برامجها السلمية النووية. وفوق ذلك تلتزم الهند بالتوقيع علي البروتوكولات الإضافية لمعاهدة الوكالة الدولية، والتي سيتسني بموجبها للوكالة إجراء مزيد من الرقابة علي المنشآت النووية المدنية الهندية. ليس ذلك فحسب، بل تلتزم الهند بعدم إجراء أي اختبارات نووية جديدة لأسلحتها، فضلاً عن رفع وتحسين مستوي الإجراءات الرامية إلي تأمين ترسانتها النووية، وتعاونها مع الجهود الدولية الهادفة إلي منع تخصيب المواد النووية والحد من انتشار تكنولوجيا معالجة هذه المواد إلي الدول التي لم تحصل عليها بعد. غير أن المشكلة تكمن في أن الهند ليست ملزمة إزاء أحد أياً كان، بفتح منشآتها النووية العسكرية أمام مفتشي الوكالة الدولية. وهنا مربط الفرس في المصاعب والتعقيدات التي أحاطت بتمرير مشروع هذا الاتفاق النووي عبر الكونجرس. ومن بين منتقدي هذه الصفقة الأمريكية-الهندية، عدد من كبار الشخصيات الديمقراطية والجمهورية علي حد سواء. وأول الانتقادات الموجهة إلي الصفقة المذكورة، هو أن الاتفاق نفسه يجعل من السهل جداً علي الهند إعادة توجيه منتجاتها من الوقود النووي المحلي إلي القطاع العسكري، مما يعني فتح فرصة أوسع أمامها لصنع المزيد من الأسلحة النووية، طالما أنه سيكون في مقدورها شراء الوقود النووي من أمريكا وغيرها من الدول، بموجب الاتفاق آنف الذكر. ثانياً: فإن شروط السلامة التي تعهدت الهند بالتوقيع عليها _وهي الشروط المتضمنة في البروتوكولات الإضافية لمعاهدة الوكالة الدولية- تقتصر علي البرامج المدنية النووية الهندية وحدها، دون أن تطال أو تشمل برامجها العسكرية. ثم وهذا هو الانتقاد الثالث، فإنه لا شيء في نصوص ذلك الاتفاق الأمريكي-الهندي يحدد سقفاً معيناً ومعلوماً لكمية المواد الانشطارية التي يمكن للهند إنتاجها، ولا عدد الأسلحة النووية الذي يجب علي الهند ألا تتجاوزه. ولعل الجانب الرابع والأكثر أهمية في هذه الانتقادات، ما يراه دعاة السيطرة والحد من انتشار الأسلحة النووية، من أن هذا الاتفاق قد يقوض معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية نفسها، في وقت تسعي فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها وغيرها من الدول، لوضع حد للبرامج النووية الإيرانية وللتصدي للأنشطة النووية الجارية في كوريا الشمالية. وفي استجابة منها لهذه الانتقادات، سعت إدارة بوش من ناحيتها، تفادياً لرفض الكونجرس للصفقة الأمريكية- الهندية المقترحة، لإقناع الهند بإضافة كافة الأنشطة والبرامج والمنشآت التجريبية النووية وكذلك كافة مؤسسات البحث النووي_ بما فيها تلك الخاصة بمفاعلات التوليد السريع إلي قائمة أنشطتها النووية. غير أن "لجنة الطاقة الهندية" ردت علي هذا الطلب بموقف حازم يطالب باستبعاد مفاعلات التوليد السريع، من القائمة المذكورة. وعلاوة علي ذلك الموقف الهندي الحازم، هناك جملة من الانتقادات الموجهة إلي الصفقة من شتي ألوان الطيف السياسي الهندي يميناً ويساراً؛ فمن جانبهم يعتقد الوطنيون اليمينيون أنه لا ينبغي لحكومة بلادهم أن تقدم تنازلات ذات صفة سيادية، في سبيل إنجاح صفقتها مع واشنطن. أما اليساريون_ بما فيهم الحزب الشيوعي الهندي- فيتمسكون برفض هذه الصفقة، لا سيما وأنها تمثل حجر الزاوية الرئيسي الذي تقوم عليه العلاقات الاستراتيجية المتوقعة بين البلدين. لكن وعلي رغم التعقيدات والمصاعب الجمة التي تعترض طريق هذه الصفقة النووية، تأمل كل من نيودلهي وواشنطن في نجاح الزيارة المرتقبة للرئيس بوش للهند في الشهر القادم، فهل تنجز الزيارة الغرض الأساسي الذي تتم من أجله؟