وهو منصب لا يمنحه صلاحيات تشريعية واسعة. ولكن، على رغم ذلك، تمتع يوو بدور في كل القرارات الرئيسة المتعلقة برد الولاياتالمتحدة على اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. ولعل مرد ذلك الى كتابه «قوة الحرب والسلام: الدستور والعلاقات الخارجية بعد 11/9» الصادر عن جامعة شيكاغو، وفيه كل ما يطرب بوش ويحلو له. ففي كتابه هذا، ذهب يوو الى ان للرئيس صلاحية مطلقة تخوله اعلان الحرب من غير موافقة الكونغرس. ويملك صلاحية مطلق في تفسير المعاهدات الدولية، ووقف العمل بها وانتهاكها. \r\n وليس يوو أول من قال ذلك. فالمحافظون المتشددون يؤيدون تمكين السلطة التنفيذية، المتمثلة بالرئيس، وتقويتها. ويشعرون بالريبة حيال القانون الدولي. وجديد يوو هو التوفيق بين مناحي استعمال السلطة الأميركية وبين النصوص الدستورية. \r\n فالدستور الأميركي يقسَّم السلطة في الشؤون الخارجية. فيمنح الكونغرس صلاحيات واسعة في موضوع الحرب. ويعود الى الرئيس، «القائد الأعلى» اعلان الحرب، واستنفار الجيش. ويمنح مجلس النواب صلاحية توقيع المعاهدات وتعيين السفراء. ومنذ اعلان الجمهورية اتخذ مصطلح «السلطة التنفيذية» بعداً جديداً قوامه تمكين الرئيس من الاضطلاع بمهمات السياسة الخارجية. ويرى يوو ان ربط اعلان الحرب بالكونغرس، لا يعني ان للكونغرس ضلعاً في المسألة. فهو يتولى تبليغ (القرار) على ما تدعو اللياقة تجاه الدول التي تشن الحرب عليها». وليست موافقة الكونغرس على الحرب ضرورية إلا في حال «الحرب الشاملة» التي لا يسكت يوو عن معناها. ويعود الى تفسير لفظة «اعلن» في القاموس. فيقول ان معناها هو «تلفظ»، وليس ابتدأ او «تعهد». ويحتج لرأيه بأن الدستور لا يستعمل لفظة «انخراط» في صدد دور الكونغرس في الحرب على خلاف صنيعه في مواد اخرى. ولا بند يلزم الرئيس العودة الى الكونغرس قبل اتخاذ قرار من هذا النوع. \r\n والأدلة التي يستدل بها يوو يجوز قلبها ضده. فتعريف «اعلن» في القاموس يحتمل التوسع والشرح. وأما يوو فلا يميز شخصاً «يعلن» حبه من دولة «تعلن» الحرب. فإعلان الحرب مصطلح قانوني يعني التصريح عن بدء الحرب والانخراط فيها في آن. ولم يشر الدستور الى وجوب مراجعة الرئيس أعضاء الكونغرس قبل اعلان الحرب، لأن اعلان الحرب يعود، بحسب الدستور، الى اعضاء الكونغرس. \r\n ولكن ينبغي الإقرار بأن الحجج التي تدحض نظرية يوو هي محض اكاديمية. فالكونغرس، عملياً، «أعلن» خمس حروب من 125 خاضتها الولاياتالمتحدة منذ الحرب الكورية. وال 120 حرباً الأخرى اعلنت بقرار تفرد به الرؤساء المتعاقبون. ويزعم يوو انه منذ 11 ايلول، صار ملحاً ان تتحرك الأمة بسرعة الى حماية نفسها، وربما عليها ان تعمد الى الحرب الوقائية. فلا يجوز انتظار الكونغرس وقراره. ويذهب الى ان الحرب على الإرهاب لا تحتمل التفكير الديموقراطي، في مراحلها الأولى خصوصاً. ويبقى للكونغرس ان يقطع التمويل عن الحرب التي لا يرى خوضها. \r\n وتفسير يوو لقوة المعاهدات لا يختلف كثيراً عن رأيه في إعلان الحرب. ولطالما اعتبرت المعاهدات في الولاياتالمتحدة ملزمة، شأن القوانين نفسها. وأعلنت المحكمة العليا انه «يجب التعامل مع المعاهدات كنصوص قانونية مساوية للتشريعات». وفي العصر الحديث، عدل الكونغرس بعض المعاهدات. وعلق تلك التي لا تعتمد على شاكل القوانين في المحاكم، الى اشعار لاحق. ويعمد بعض القضاة الى اعتبار معاهدة ما غير ملزمة قانوناً. فرفضت محكمة الاستئناف الأميركية بواشنطن طلب معتقل بغوانتانامو وقف محاكمته عسكرياً لأن ذلك ينافي معاهدة جنيف. ويذهب يوو ابعد، فيقول ان المعاهدات وعود سياسية، ولا تتمتع بصفة قانونية ملزمة. ويترتب على هذا الإقرار للرئيس بالحق المطلق في مراجعة المعاهدات، وتفسيرها وتعليق العمل بها متى شاء. \r\n ويسند يوو آراءه الى فصل صارم بين الشؤون الخارجية، وهي من صلاحيات السلطة التنفيذية، والشؤون الداخلية، وهي مجال التشريع. ولكن واضعي الدستور الأميركي كانوا رفضوا رفضاً قاطعاً الفصل بين المسألتين. ويرد يوو بأن السياسة الخارجية هي باب تنفيذي ويعود تالياً الى السلطة التنفيذية (الرئيس) البت فيها. والحق ان الدستور خص الرئيس بصلاحيات واسعة في شأن المعاهدات، وخص غيره بمسؤوليات كبيرة. فعلى المعاهدات ان تحظى بموافقة ثلثي مجلس النواب لإبرامها. وآن تصديقها تصبح «قوانين» تطبقها المحاكم. ولا شك في ان الدستور يبيح للرئيس مراجعة المعاهدات، من غير ان يطلق رأيه في تفسير المعاهدات، أو يلزم به الهيئات الأخرى. \r\n ولعل من السخرية ان يعتنق رئيس «بناء الدستور» سياسة، ويميل الى قبول تفسير يوو، في آن. فهو (يوو) لا يمت الى البناء بصلة. فمن مبادئه «اصولية» النص، بذريعة ان التفسير او الاجتهاد يشرع الباب في وجه القضاة، ويبعدهم من السراط الدستوري الأول أو «الأصلي». \r\n ويرى ان إعلان الحرب من غير مراجعة الكونغرس، والخروج على المعاهدات الدولية، والتمتع بالحصانة في حال تجاهل القانون الدولي، هي «اصول» دستورية. وليس ذلك إلا تسويغاً لآرائه في الحرب على الإرهاب بعد 11 ايلول. فهو ارسل مذكرة الى البيت الأبيض، يدافع فيها عن سلطة الرئيس المطلقة في ملاحقة ليس ارهابيي 11 ايلول، بل وإرهابيي العالم كلهم، وافق الكونغرس أم لم يوافق. وأتبعها بمذكرات اخرى ترفض تطبيق معاهدة جنيف على اسرى طالبان، لأنهم اصلاً لم يعترفوا بالمعاهدات الدولية ولم يوقعوها. ولا يحق لهم الإفادة منها. وبناء على هذه النصائح، شنت ادارة بوش الحرب على افغانستان، ورفضت منح سجناء «القاعدة» وطالبان صفة اسرى حرب. \r\n وفي ما يعود الى التعذيب في السجون. استشير يوو مرة اخرى، وطلب منه رأي قانوني. واجتهد يوو في تفسير القوانين المحلية والدولية التي تحرم التعذيب. وأفتى بحق الحكومة في تعذيب المعتقل قدر ما تشاء اثناء التحقيق، شرط إلا يؤدي الى تعطيل وظيفة احد اعضائه او احدى وظائفه. ورأى ان التهديد بالموت مشروع اذا لم يؤد الى موت فعلي. وحكم بأن استخدام عقاقير الهلوسة في المعتقلين مباح، اذا لم يؤد الى فقدانهم القدرة على تمييز العالم الخارجي من حولهم. \r\n وعلى هذا، يبدو ان ما نصح به يوو تحول احراجاً كبيراً لواشنطن، من غوانتانامو وأبو غريب، الى ممارسات جعلت شباناً كثيرين ينخرطون في صفوف «القاعدة». والرجل اسهم في تحويل التعاطف مع اميركا، غداة 11 ايلول، الى عداء وكراهية نلمس نتائجها المدمرة.