ولكن دراسة وافية للجوانب أو العواقب اللوجستية والعملياتية والجيوبوليتيكية والاقليمية لهذا السيناريو المثير للجدل، تقود المرء إلى نتيجة عكسية تتمثل في الطبيعة غير العملية وغير القابلة للتنفيذ لما يسمى "خيار تموز" في اشارة إلى عملية القصف الجوي الناجحة التي نفذتها الطائرات "الاسرائيلية" ضد المفاعل النووي العراقي في عام 1981. \r\n \r\n ولكيلا ننسى، وفي الوقت الذي لا تزال فيه تفاصيل عملية تدمير مفاعل تموز غير معلنة تماماً بعد، فمن المؤكد أن طائرات مقاتلة "اسرائيلية" عبرت المجال الجوي لدولة أو أكثر من جيران العراق للوصول إلى الهدف وتدمير المفاعل العراقي. ولكي تهاجم الطائرات "الاسرائيلية" المنشآت النووية الايرانية الموزعة على عدة أماكن في ايران، ولا سيما في وسط ايران، فإن هذا يقتضي عبور حدود عدد من الدول، وسيتمثل الخيار الأفضل للدولة العبرية في أن توجه ضربة متعددة الجوانب باستخدام مسارات مختلفة كأن تعبر الطائرات الاردن والعراق أو عن طريق البحر المتوسط ومن ثم عبر تركيا أو اذربيجان، ناهيك عن "الكابوس" اللوجستي المتعلق بطول المسافة وضرورة تزويد الطائرات بالوقود في الجو، أو الهبوط خلال الرحلة في مطارات ما. ولكن أياً من الخيارين غير متاح حالياً ل "إسرائيل"، ولا يوجد أي احتمال بأن يتوفرا في المستقبل القريب في ظل علاقات ايران الودية مع جيرانها، ومخاوف ومشاعر القلق لدى اولئك الجيران من ردة فعل ايرانية عنيفة في حال السماح للهجوم "الاسرائيلي" بأن يتم عبر مجالاتهم الجوية. \r\n \r\n وبالنسبة لتركيا التي تُعتبر "الشريك الاستراتيجي" ل "إسرائيل" في المنطقة فإن لها علاقات اقتصادية ودبلوماسية ممتازة مع ايران بما أن الدولتين تربطهما تجارة واسعة في مجال الطاقة، وتعاون اقليمي عبر منظمة التعاون الاقتصادي، وسياسة مشتركة تجاه العراق و"قضية الاكراد". \r\n \r\n ومع أن القلق لدى تركيا قائم إزاء طبيعة برامج ايران النووية، إلا أن القادة الاتراك لا يشاركون القادة "الاسرائيليين" مخاوفهم المبالغ فيها حول "ايران نووية" في غياب أي معلومات استخبارية موثوق بها تثبت مخاوف الدولة العبرية، على الرغم من التزام ايران بالبروتوكول الاضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقرير الوكالة الرئيسي الأخير الذي أكد عدم وجود أي أدلة تعزز الاتهامات الأمريكية و"الاسرائيلية" القائلة إن ايران تعكف على بناء ترسانة نووية. \r\n \r\n وفي ضوء الارتياح الذي يعرب عنه قادة تركيا إزاء استمرار تعاون ايران مع عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمفاوضات بين ايران والاتحاد الأوروبي حول برنامج ايران النووي، يصعب على المرء ان يتصور مجازفة القادة الاتراك بعلاقاتهم الحساسة والمربحة اقتصادياً وأمنياً مع ايران بالسماح ل "إسرائيل" باستخدام المجال الجوي التركي لضرب ايران. \r\n \r\n ومن سوء الطالع، فإن إدراك ضعف احتمال القيام بعملية "اسرائيلية" ضد ايران عبر تركيا فات على نحو مستمر وسائل الاعلام الغربية وأعداد المحللين العسكريين والأمنيين الذين يكتبون عن هذا السيناريو، وكمثال على هذا، تغاضى كينيث بولوك في كتابه الأخير "اللغز الفارسي" عن عدم رغبة تركيا في الموافقة على طلب "اسرائيل" عند بحث "خيار تموز"، وعلى نحو مماثل، يرى الصحافي المخضرم المتخصص في التحقيقات سيمور هيرش في مقالة له في "نيويوركر" انه وبسبب علاقات تركيا الوثيقة مع "اسرائيل" والولايات المتحدة، يمكن لتركيا ان تكون قاعدة انطلاق لهجمات عسكرية على منشآت ايران النووية. \r\n \r\n ومن الواضح ان هذا السهو والخطأ في توصيف العلاقات الايرانية التركية واغفال ما يربط الدولتين من تعاون، يقوّي خرافة الهجوم "الاسرائيلي" الوشيك على ايران في حين ان المطلوب هو تحليل سليم للمتغيرات الأساسية مثل الضرر الطويل الأجل الذي سيلحق بالعلاقات الايرانية التركية وسيؤثر في المنطقة برمتها في حال وافقت تركيا يوماً ما على طلب من تل أبيب لاستخدام المجال الجوي التركي للقيام بعمل عسكري ضد ايران. \r\n \r\n ومقارنة بتركيا، فإن لدى اذربيجان الكثير الذي يتعين عليها ان تخشاه من ايران في حال تعرض الأخيرة لغارة "اسرائيلية" عبر اذربيجان التي تتطلع للحصول على دعم ايراني في محاولتها القديمة الرامية لاستعادة الأراضي التي استولت عليها ارمينيا منها خلال تسعينات القرن العشرين، وبكلمات أخرى، فإن باكو ستخسر الكثير، والقليل الذي ستفوز به ان وجد في حال انصاعت للولايات المتحدة و"اسرائيل" على نحو يعود عليها بالضرر، وعلاوة على ذلك، فإن خطوة كهذه من قبل اذربيجان ستفسد علاقاتها مع موسكو التي تبدي استياءها من موافقة اذربيجان على مرابطة قوات امريكية على أراضيها. \r\n \r\n وكما هو الحال بالنسبة لاذربيجان فإن ابواب دول آسيا الوسطى الأخرى مغلقة حالياً أمام "اسرائيل" اذا ارادت شن هجوم عسكري على إيران. \r\n \r\n ومجدداً، يندهش المرء من مستوى التبسيط والسذاجة الذي يبدو واضحاً على المقالات المنشورة في وسائل الاعلام عن توجيه "اسرائيل" ضربة عسكرية لمنشآت ايران، حيث تقارن تلك المقالات بين مفاعل تموز العراقي الذي كان في المرحلة الأولى من البناء عندما دمرته قنابل "الاسرائيليين"، ومفاعل بوشهر النووي الذي صنعته روسيا ويعمل المئات من العمال الروس على تركيبه ووضع اللمسات الأخيرة عليه، حيث ان مفاعل بوشهر اكتمل بنسبة 90 في المائة، وقد توصلت ايرانوروسيا لاتفاق بشأن اعادة "الوقود المستنفد". وعلاوة على الخسائر في الأرواح التي ستقع بين العمال الروس في حال وقوع هجوم على المفاعل، فإن الهجوم المتوقع سيثير حفيظة موسكو الى حد يمكن ان يؤثر في علاقات روسيا و"إسرائيل" في مجال الطاقة، وسيؤدي قصف المفاعل الايراني إلى كارثة بيئية هائلة يمكن ان تؤثر في جيران ايران في منطقة الخليج. \r\n \r\n \r\n \r\n محلل سياسي ومؤلف كتاب "بعد الخميني: اتجاهات جديدة في سياسة ايران الخارجية" وكتاب "سياسة ايران الخارجية منذ 11 سبتمبر"، والنص منشور على موقع "آسيا تايمز" \r\n