\r\n لكن يظل من الخطأ الافتراض, حتى في مثل هذه الظروف المواتية, ان بوسع الاسرائيليين والفلسطينيين ان يعودوا الى صيف عام 2000 عندما حسبت واشنطن ان نهاية النزاع باتت بمتناول اليد. فقد تصدعت الثقة بين الجانبين منذ ذلك الحين بفعل العنف, ولن تكون عملية اعادة بنائها من جديد سهلة ولا سريعة. ومن شأن التطلع الى الكثير في غضون وقت قصير ان يحول الانفراج الحالي الى فرصة مضاعة. \r\n \r\n المتفائلون الذين يجادلون بأن الوقت مناسب للتوصل الى اتفاق بشأن القضايا الشائكة مثل حدود الدولة الفلسطينية ووضع القدس وحقوق اللاجئين الفلسطينيين, يريدون التحرك بسرعة الى مفاوضات الوضع النهائي. الا ان الاندفاع نحو موقف نهائي سوف ينشط المتشددين في كلا المعسكرين ويقوض زعامة عباس وشارون. \r\n \r\n فعلى الرغم من فوزه في انتخابات كانون الثاني الماضي, الا ان محمود عباس لا زال لا يملك صلاحية الخروج على ارث عرفات فيما يتعلق بقضايا النزاع الحساسة. وقد حصل شارون على التأييد المحلي لخطته في الانسحاب من غزة وشمال الضفة الغربية, لكن التمادي في الطموح سيكون مدمرا بالنسبة له. ولا يتوفر دليل على كونه راغبا او قادرا على تحقيق صفقة كبرى. فأية محاولة بهذا الاتجاه سوف تؤدي الى طرده من حزب الليكود لصالح خصمه المتشدد بنيامين نتنياهو. كما انها ستهدد بقاء حكومته في السلطة, وتعكس الآلية السياسية المواتية التي وفرها سحب القوات الاسرائيلية من غزة. \r\n \r\n قبل التفاوض على اتفاق نهائي, وقبل ان تقوم الولاياتالمتحدة باصدار مسودتها الخاصة بالنتيجة النهائية, يحتاج الجانبان الى توفير الدليل الملموس على استعدادهما للاتفاق الامر الذي سيعد بناء الثقة وينفخ الروح في العملية السلمية. \r\n \r\n ان فك الاشتباك من جانب اسرائيل في كل من غزة وشمال الضفة الغربية يوفر الفرصة المثالية لتحقيق ذلك, وعلى واشنطن ان تركز طاقاتها ومواردها لتنسيق هذا المسعى. اذ ان انسحابا اسرائيليا ناجحا سوف يطيح بالمحرمات القديمة, ويقوض موقف المتطرفين, ويقوي مكانة المعتدلين, ويسهل الطريق امام انسحابات اخرى قادمة. اما اخفاق هذه العملية فانه سيقضي على الاسرائيليين والفلسطينيين معا بسنوات عديدة قادمة من العنف واليأس. \r\n \r\n اخطار التمادي \r\n \r\n هناك احتمالان لحالة التحرك بسرعة صوب اتفاق الوضع النهائي. يعتقد اشد المتفائلين ان على الولاياتالمتحدة ان تتخلص من خارطة الطريق ذات المراحل الثلاث التي قصد منها ان تقدم مجموعة مؤشرات على الطريق المؤدية الى تحقيق حل الدولتين, وان تدفع بسرعة باتجاه مناقشة القضايا ذات الحساسية القصوى وهي قضايا القدس واللاجئين والاراضي. بينما يدعو آخرون الى قيام واشنطن باصدار مسودة للوضع النهائي الان وبغض النظر عن نضوج المواقف لدى الاسرائيليين والفلسطينيين انفسهم. «وترى المجموعتان ان بوش قد قطع بالفعل جزءا من الطريق المؤدية الى تجديد رؤيته لاتفاق نهائي - وهي الرؤية التي لا تتعارض مع الرؤية الني قدمها الرئيس السابق بيل كلينتون«. \r\n \r\n ان المنطلق الذي تنطلق منه هذه الاراء هو ان الفرص في الشرق الاوسط عابرة, وان من الافضل ابرام صفقة كبرى طالما توفرت الفرصة لذلك. ويضيف البعض في واشنطن سببا آخر يفيد بأن اصدار مسودة للوضع النهائي سوف يحسن مكانة الولاياتالمتحدة في العالم العربي لكن مثل هذه الخطوة التي تنطوي على الكثير من المجازفة لا يمكن الا ان تؤدي الى نتائج عكسية وتسحب البساط من تحت اقدام صانعي السلام في المعسكرين وفي واشنطن ايضا. كما ان اية مسودة تهمل الظروف القائمة على ارض الواقع وترفع سقف التوقعات التي لا تملك الا ان تتبدد سوف تطلق موجة جديدة من العنف واليأس. \r\n \r\n سيقوم معارضو محمود عباس حتما باتهامه بالخيانة في قضيتين رئيسيتين هما قضيتا القدس واللاجئين. اثناء حملته الانتخابية, خرج محمود عباس عن ارث عرفات في موضوعتي العنف والتعايش السلمي. لكنه رفض معارضة عرفات في قضايا »حق العودة« والسيادة الفلسطينية الكاملة على المواقع المقدسة في القدس. ودلالة ذلك ان محمود عباس لا يمتلك بعد القوة اللازمة للتوصل الى حلول وسط حول قضايا بمثل هذه الحساسية, وهي الحلول التي ستكون ضرورية عند اية مناقشة للوضع النهائي, الامر الذي سيتركه عرضة لهجمات الرافضين. \r\n \r\n على الجانب الاسرائيلي, يمكن لعملية القفز الى الوضع النهائي ان تدمر الديناميات الايجابية قصيرة الاجل, فقد خلقت خطة فك الاشتباك في غزة معارضة يمينية لشارون. فاذا كان للولايات المتحدة او الاسرة الدولية ان تقدم مسودة للوضع النهائي وتضغط على اسرائيل من اجل قبولها فان حكومة شارون سوف تنهار من دون ادنى شك وسوف تتعطل خطته في فك الاشتباك. وقد يضطر شارون, وهو الذي انتقد بشدة محادثات كامب ديفيد 2000 ومقترحات كلينتون لاتفاق السلام النهائي, ان يقف بالضد من واشنطن. \r\n \r\n ومن المحتمل ان يخسر التأييد الواسع على نطاق الجماهير كما يخسر حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها في حالة ارغامه على مواجهة القضايا الخلافية في وقت ما زال انعدام الثقة بالنوايا الفلسطينية كبيرا. \r\n \r\n وبدلا من اتخاذ خطوة مشحونة بالمجازفة كالتقدم مباشرة الى تحديد الوضع النهائي, ينبغي لواشنطن ان تستثمر الفرصة المتاحة لتسهيل اجراءات بناء الثقة بين الاسرائيليين والفلسطينيين. \r\n \r\n من بين الطرق التي يمكن ان تشير الى التقدم وتقرب الطرفين من بعضهما البعض العمل رسميا على تفعيل المرحلة الاولى من خارطة الطريق. ان الفلسطينيين والاسرائيليين لا يشعرون بعائدية العملية التي تدعو اليها خارطة الطريق لانهم لم يقوموا بوضع الخارطة بأنفسهم او يشاركوا في مناقشتها. لكنها تظل الاطار الدبلوماسي الوحيد الذي يحظى بقبول واسع من لدن الطرفين. \r\n \r\n وباسناد من الاسرة الدولية. وبالنظر لادراك واضعيها بأن السنوات الاخيرة قد زعزعت ثقة الطرفين, فإنها قد اعتمدت اسلوب التدرج مع تركيزها على الهدف النهائي وهو ضمان الامن للاسرائيليين والدولة للفلسطينيين. \r\n \r\n تنص المرحلة الاولى من خارطة الطريق على الدعوة الى اجراءات استهلالية لبناء الثقة. وقد اظهرت الانتخابات الفلسطينية الاخيرة والتزام محمود عباس علنا باصلاح السلطة الفلسطينية واعادة هيكلة قواتها الامنية ان هذه المرحلة قد دخلت دور التنفيذ. ومنذ انتخابه ما انفك عباس يتحدث عن خارطة الطريق بصفتها الطريق الى الامام, وقد قام بالفعل باتخاذ الاجراءات التمهيدية للقضاء على التحريض على العنف. \r\n \r\n اعربت اسرائيل, هي الاخرى, عن دعمها لخارطة الطريق مع بعض التحفظات. وسوف يكون استعداد اسرائيل للسير قدما مشروطا باستعداد السلطة الفلسطينية لمكافحة الارهاب. لكن على اسرائيل ان تبدأ اولا بالوفاء بالتزاماتها بموجب خارطة الطريق بازالة البؤر الاستيطانية غير المرخصة في الضفة الغربية وتقييد النشاط الاستيطاني. \r\n \r\n ان التفعيل الرسمي للمرحلة الاولى سيظهر التزام واشنطن بموقفها الذي يطالب بالتنفيذ المتبادل للالتزامات التي تفرضها خارطة الطريق وبالمحافظة على التوازن الذي تنطوي عليه فكرة الخارطة. \r\n \r\n كما انه سوف يظهر ان الانسحاب من غزة لن يكون خطوة معزولة ومن شأن هذا ان يوفر للفلسطينيين الدليل على ان محمود عباس قد نجح في ضمان مشاركة الولاياتالمتحدة في العملية السلمية والحيلولة ان لا يتحول شعار »غزة اولا« الى »غزة اخيرا«.0 \r\n \r\n \r\n عن: »معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى«.