وهي مكتوبة على صفائح الاسمنت المسلح, التي تطوق بالكامل مدينة قلقيلية الواقعة في الضفة الغربية. »كنت قبل عامين مضيا استمتع بمنظر الغروب من هذه النافذة. اما في الوقت الحاضر لا تصلني حتى النسمة العليلة, التي تهب من فوق مياه البحر الابيض المتوسط«. يقول ذلك, مشيرا »للوحش« القائم على بعد امتار قليلة من مسكنه, والذي كان قد عمل على تغيير نمط معيشته بشكل جذري, وتلك الخاصة بسكان هذه المدينة الواقعة على »الخط الاخضر«, الذي يمثل خط الهدنة, الذي كان قبل وقوع الاحتلال العسكري في عام 1967 بمثابة الحد الفاصل بين اسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة. ثم يضيف قائلا وقد ارتسمت معالم ابتسامة على شفتيه: »نحن نقاوم بسبب رغبتنا في العيش والحياة. وكان بامكاني ان اصبح ثريا, حيث كان لمستنبت المشاتل العائد لي زبائن في كل من اسرائيل والاردن, اما اليوم, فلا تخرج غراسي من قلقيلية, ولقد اضطررت لتسريح كافة العاملين لدي. ومع شديد اسفي لذلك, لكني لم اعد قادرا على دفع الرواتب«. ينهي حديثه هذه المرة, مع ارتسام كشرة على محياه, تعبيرا عن الالم والاشمئزاز. \r\n \r\n ان الملصقات الملونة, والبيانات الخاصة بالمرشحين للانتخابات الرئاسية, التي جرت امس الاول, كانت قد بعثت قليلا من الفرح لهذه المدينة الهامدة, المفتقرة للحياة, الرمادية كما هي السماء في الايام الاخيرة. اما عدد سكان قلقيلية فيصل الى 45 الف نسمة. ولكن القليلون منهم هم الذين يلتقون بالطرقات. ونادرة هي السيارات التي تتجول بالجوار, خاصة في الاحياء الواقعة على اطراف المدينة. ويلاحظ القليل من النشاط في مركز المدينة, بين مصاطب السوق. وبالنسبة للمواضيع التي طرحت اثناء الحملة الانتخابية, والتي تلخصت: بالاصلاحات, الانتفاضة, الديمقراطية, حقوق الانسان, واطلاق سراح المعتقلين السياسيين, فقد كانت بمجملها لا تعني شيئا بالمقارنة مع القضية المركزية: الجدار, فهل سيبقي »الوحش« الاسمنتي بالمكان الذي يوجد فيه الان, ام ستقوم اسرائيل بهدمه, محولة قلقيلية الى مدينة من جديد, بحيث تنتهي عن كونها سجنا? \r\n \r\n والامل هنا, له اسم هو: ابو مازن. فزعيم منظمة التحرير الفلسطينية, المرشح الذي حظي بدعم حركة فتح, لا يثير في حقيقة الامر حماسا كبيرا. ومع هذا, فقد صوت الجميع لصالحه, مع انه, وبخلاف منافسه الرئيسي, مصطفى البرغوثي, لم يشارك بالحملة الفلسطينية والعالمية الطويلة ضد الجدار العازل, الذي تقوم اسرائيل بتشييد الجزء الاكبر منه داخل اراضي الضفة الغربيةالمحتلة, هادفة من وراء ذلك الى ضم المستوطنات, علاوة على جزء كبير من الاراضي المصادرة, والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية. \r\n \r\n وكانت الحكومة الاسرائيلية قد اكدت على انها قامت ببناء الجدار العازل لاجل حماية نفسها من عمليات الكاميكازي التابعين لحركة حماس. ولكن في مثل هذه الحالة, فمن المفترض ان يكون »الوحش« المرعب قائما على طول حدود ,1967 وليس داخل اراضي الضفة الغربية. وعليه, فهو جدار لا يفصل اسرائيل عن الضفة الغربية, بل الفلسطنيين فيما بينهم, مع حرمانهم من مصادر المياه, والحقول العائدة لهم, واماكن العمل والدراسة. \r\n \r\n ويستأنف حسان الخاروف حديثه ليقول: »لقد اقدم الاسرائىليون على مصادرة 80 دونما من املاكي. وذلك من اجل تشييد الجدار. وما لا شك فيه ان ابو مازن هو زعيم سياسي يحظى بخبرة طويلة, وله علاقات جيدة مع الاسرائيليين, وربما سيتمكن في يوم ما من اقناعهم باعادة اراضينا لنا, وكذلك حريتنا. وحبذا لو حدث ذلك يوم ان يتم التوصل للسلام. ولكن ما لبث وان اعترى وجه الخاروف تعبير تشاؤمي, عاكسا حالته النفسية, وتلك الخاصة بمدينة تجهد لتعيش على الامل. وتجد القليل من المواساة من خلال النظر للملصقات الضخمة, التي تظهر ابا مازن مبتسما الى جانب الراحل ياسر عرفات. فتلك الاستمرارية في الالتزام ما بين الزعيم المتوفى, وذلك المستقبلي, هي التي تعمل على ادخال الطمأنينة الى نفوس السكان, وتدفعهم الى الايمان بمستقبل مختلف, متمنين ان يكون الافضل. ثم ينبري ماهر عبد الكريم ليدلي بدلوه, فيقول: »انا استلطف مصطفى البرغوثي. فقد قدم الى هنا من اجل الكفاح الى جانبنا ولكنه لم يتمكن ابدا من تغيير الوضع القائم. وهو اصلح ما يكون في صفوف المعارضة, وليس رئيسا للسلطة, او رئيس حكومة, بامكانه انتزاع بعض التنازلات من الاسرائيليين. في حين يحدثنا ابو مازن عن وضع نهاية للحرب, وعن اتفاق يوقع مع اسرائيل. وهذا ما نتطلع اليه«. \r\n \r\n هذا, في ان سعيد ميم, من المكتب المحلي للجنة الانتخابات الفلسطينية, لا يعتريه اي وهم, حيث يقول: »لقد باتت الحقيقة معروفة للجميع. فلن يستطيع ابو مازن, في واقع الامر, من اقناع اسرائيل بهدم الجدار, ووضع نهاية للاحتلال. فسيبقى مستقبلنا بايدي اسرائيل والولايات المتحدةالامريكية«. ثم يلوذ سعيد بالصمت للحظات, ليعود لاختتام حديثه بالقول: »تعتبر قلقيلية مدينة ميتة, ولقد باتت منسية بالنسبة للفلسطينيين الاخرين«. \r\n \r\n عن: المانيفيستو الايطالية \r\n