\r\n كانت غارات الجيش الاسرائيلي المتكررة على حي القصبة بمدينة نابلس, قد تركت اثارها الواضحة الجلية فجدران الابنية الحجرية التي تعود الى العهد العثماني لم تستطع الصمود امام قاذفات الميركافا, وقنابل طائرات اف-,16 ويمارس اطفال الحي لعبة الحرب في الازقة بين الانقاض واكوام القمامة, مستخدمين مسدسات بلاستيكية وقاذفات صواريخ مصنوعة من الكرتون. في حين يعلو صوت المؤذن من فوق مئذنة احد المساجد القريبة, مناديا المؤمنين للصلاة. \r\n \r\n وكان ناصر جمعة, القائد المحلي لكتائب شهداء الاقصى (التي باتت تسمى كتائب ابو عمار) قد وصل الى الموعد في الوقت المحدد, فالتقيناه داخل احد البيوت الآمنة, الذي يطل على احد الاحواش, وله مخرجان. فهو يتنقل من بيت الى اخر, ويحرص على تبديل بطاقة الهاتف النقال باستمرار: فاسمه وارد على رأس قائمة الفدائيين الملاحقين من قبل اجهزة المخابرات الداخلية, ومن الاستخبارات العسكرية. وبدأ حديثه لبانوراما قائلا: »نحن الى جانب اجراء الانتخابات, ومرشحنا هو مروان البرغوثي, الزعيم الذي يحظى بالشعبية الاكبر بعد ياسر عرفات فبإمكانه قيادة الانتفاضة من داخل السجن كذلك, تماما كما فعل نيلسون مانديلا. واذا ما وقع اختيار فتح على ابو مازن, فاننا سندعمه فقط وفقا لشروطنا المتمثلة في مواصلة الكفاح المسلح, لا تنازلات بشأن القدس, وحق العودة للاجئين الى فلسطين وهو ما ينطبق على المستوطنات المقامة في الضفة الغربية وقطاع غزة بالاضافة الى وجوب انسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلت في عام 1967«. \r\n \r\n هذا, ولقد حدد تاريخ 9 كانون ثاني المقبل, كموعد لاجراء الانتخابات, وذلك تبعا للآجال المنظورة من قبل النظام التشريعي الفلسطيني. ولكنه تاريخ يراهن عليه القليلون, وذلك نظرا لكثرة العقبات والعراقيل التجهيزية والسياسية الواجب تجاوزها ففي المسافة بين القدس ونابلس تقام هناك اربعة حواجز عسكرية وتضطر جمهرة صامتة للانتظار على الحاجز الاخير لساعات كثيرة: نساء بصحبة المواليد الجدد المتعلقين بأعناقهن, رجال محملون بحقائب السفر, صبية, ذاهبون لزيارة اقاربهم, ويترتب على الجميع واحدا تلو الاخر, المرور عبر الموانع المربوطة الى قفص حديدي. ويعتبر كل منهم ارهابيا محتملا, من قبل العسكريين, الذين يقومون بتفحص الوثائق, واسلحتهم مشرعة مصحوبين بالكلاب المدربة على شم المتفجرات: فالكاميكازي الذي نفذ اخر عملية انتحارية باحد اسواق تل ابيب, كان قادما من مخيم بلاطة القريب من نابلس. ويتساءل ناصر جمعة قائلا: »كيف يكون باستطاعتنا الذهاب الى صناديق الاقتراع, بطريقة حرة وديمقراطية, اذا ما كانت مدننا تحاصرها العربات المصفحة?. ان من واجب اوروبا والولايات المتحدةالامريكية العمل على اقناع اسرائيل للتخفيف من الكماشة المفروضة على الاراضي المحتلة, والسماح للناس بحرية الحركة, والموافقة على وجود مراقبين دوليين«. \r\n \r\n انه طريق مليء بالموانع والعقبات ويجمع القادة الكبار من بين المسؤولين الفلسطينيين, على الاعتقاد بان ليس سوى الانتخابات بامكانها اضفاء الشرعية على الزعامة التي خلفت عرفات, بحيث منحتها السلطة والقبول الضرورين للانطلاق من جديد بعملية السلام ومن الملاحظ ان توني بلير وجورج بوش هما من نفس الرأي.لكن المحاذير تبقى كثيرة. كما يشير ناصر جمعة الى توقف عمليات المقاومة العسكرية في الوقت الحاضر. ولكن سيكون بامكان المجموعات المتطرفة تنفيذ عملية ارهابية لهدف الحيلولة دون اجراء الانتخابات, التي يبدو ان كلا من حماس والجهاد الاسلامي لا تنوي المشاركة فيها. \r\n \r\n اما حافظ البرغوثي, رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة التي تصدر في رام الله, فيقول بان بعض القطاعات من الائتلاف الوطني العلماني, لديهم النية المبيتة حول مقاطعة الانتخابات. »فكثيرون من اعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية, واللجنة المركزية لحركة فتح, بالاضافة للعديد من اعضاء المجلس التشريعي, كانوا قد تمت تسميتهم من قبل عرفات, ويخشون ان يتم عزلهم الان« وفي غزة على وجه الخصوص حيث تمكن عرفات باستمرار من التوسط بين الفئات المتخاصمة, فان الصراع من اجل السلطة, والدولارات اللازمة لعملية تحويل المليشيات, بات يخاطر في التحول الى نزاع مسلح. ويتم في هذا المجال, التذكير بحادثة اطلاق النار التي وقعت داخل خيمة العزاء, عند تواجد كل من ابو مازن ومحمد دحلان. \r\n \r\n ولاجل ضمان تحقيق عملية تنصيب جديرة بالثقة فان على ابو مازن الحصول على دعم المحاربين القدماء, المنتمين للجناح الاكثر حزما وتصلبا بزعامة فاروق القدومي, والقائد المتنفذ السابق لجهاز الامن الوقائي في الضفة الغربية, العميد جبريل الرجوب. وقبل هذا وذاك تلقي الدعم من مروان البرغوثي, مهندس الانتفاضة الثانية, الذي يمثل المرجعية بالنسبة للشباب الراديكاليين داخل التنظيم, ومن كتائب ابو عمار, وكثيرون هم الذين يعتقدون انه من اجل منع حدوث انقسام خطير فان على هذا الزعيم الشعبي الموافقة على دعم رئيس انتقالي, بانتظار الترشيح للرئاسة, عند انتهاء ولاية ابو مازن, التي ستمتد الى خمسة اعوام. \r\n \r\n ولكن الشكوك بشأن المرحلة الحاسمة من الانتخابات لا تنعدم كذلك بالنسبة للجانب الاسرائيلي, فالحكومة منقسمة فيما يخص مبدأ حق التصويت بالنسبة الى 200 الف فلسطيني يعيشون في القدسالشرقية وضواحيها ففي الوقت الذي يعلن فيه وزير الداخلية على ذلك, حيث يقول انه اذا لم يكن بمقدورهم التصويت لانتخابات الكنيست, فيترتب عليهم التصويت للسلطة الفلسطينية, فان كلا من وزير الخارجية سيلفان شالوم, ونائب رئيس الوزراء, وزير الصناعة ايهود اولمرت, هما معارضان باصرار, حيث يقولان ان القدسالشرقية هي جزء من اسرائيل, ولن تكون ابدا جزءا من الكينونة الفلسطينية. \r\n \r\n ان ضم القطاع العربي من المدينة المقدسة, بعد احتلاله في العام ,1967 لم يتم ابدا الاعتراف به من قبل المجتمع الدولي, وتمكن الفلسطينيون من التصويت في الانتخابات التي اجرتها السلطة الوطنية الفلسطينية عام .1996 ولكن الوضع قد تغير. فقد كتب الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتكر, يقول: كان بامكان الفلسطينيين التحرك بحرية في عام ,96 والقيام بحملة انتخابية في غزة والضفة الغربية. ثم جرى منذ ذلك الحين الاقدام على بناء الكثير من المستوطنات غير القانونية, بالاضافة الى ان الجدار الجاري بناؤه, يدخل الى الاراضي الفلسطينية, مبتعدا بشكل جوهري عن الحدود المقبولة دوليا. \r\n \r\n ولقد ادى »الحائط الامني« الى التخفيض من موجة العمليات الارهابية الى اقصى حد. ولكنه من خلال تشييده داخل الاراض المحتلة كان قد تجاوز ما اصطلح على تسميته بالخط الاخضر, عاملا على شطر التجمعات السكانية الى قسمين, مثل ابو ديس, رام الله, وبيت لحم, وسيتبع في حقيقة الامر ما نسبته 7% من اراضي الضفة الغربية, بما في ذلك اربعين مستوطنة اسرائيلية, وثلاثمائة الف فلسطيني. \r\n \r\n وعليه, فمن غير عرفات, فان مسار خط رحلة سلام الشرق الاوسط, ما زال طويلا, واكثر اعوجاجا. \r\n \r\n عن: اسبوعية بانوراما الايطالية