التصويت هز «القارة الأوروبية العجوز» والعالم العربي وإدارة بوش على حد سواء‚ الأوروبيون الذين كانوا ينظرون لتركيا على انها حصان طروادة الأميركي اعادوا النظر بمقولتهم تلك وبالنسبة للكثير من العرب اظهرت تركيا انها ليست صنيعة أميركية وانها لا تتعاون مع المخططات الاستعمارية الأميركية بالرغم من روابطها القوية مع اسرائيل‚ \r\n \r\n عدم الاتفاق بين تركيا والولاياتالمتحدة وصل الى نقطة الغليان بظهور أكراد شمال العراق باعتبارهم الحليف الرئيسي للبنتاغون في الحرب العراقية‚ وقد اوضحت الإدارة الأميركية بجلاء ان اي تدخل تركي في شمال العراق لن يتم التسامح معه‚ \r\n \r\n هذه الرسالة تأكدت في يوليو 2003 عندما اقدمت القوات الأميركية على اعتقال العديد من أفراد القوات الخاصة التركية في مدينة السليمانية حيث تم اذلالهم بوضع جوارب على رؤوسهم في الوقت الذي كانوا يؤخذون الى الحبس‚ ولم يطلق سراحهم إلا بعد تدخل نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني بعد حوالي ثلاثة أيام من الاعتقال ويقال ان تلك القوات كانت تخطط للقيام بعمليات سرية داخل المنطقة الكردية‚ \r\n \r\n بالرغم من تصاعد التوتر إلا ان الحكومة التركية راغبة في اصلاح العلاقات مع أميركا ليكون لها بعض التأثير على الأحداث في العراق‚ وقد استجابت السلطات التركية بسرعة للطلب الأميركي لارسال قوات تركية للانضمام الى قوات الائتلاف وهي استجابة وجدت رفضا من جانب الأكراد ومن جانب «مجلس الحكم العراقي» المعين‚ \r\n \r\n ان لأميركا أسبابها الخاصة التي تدفعها لاصلاح علاقاتها مع تركيا‚ فتركيا العلمانية والرأسمالية والديمقراطية لها قيمة خاصة عند ادارة بوش وهي تحاول دمج الشرق الأوسط في النظام العالمي من خلال السيطرة على اقتصاده وتشديد الهيمنة على الانظمة السياسية فيه من أجل ذلك استمرت الولاياتالمتحدة في حشد الدعم لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي وظهر ذلك جليا في الخطاب الذي القاه بوش في احدى جامعات استنبول‚ ولكن ومع ذلك يبقى هناك الكثير من المشاكل الثنائية الخطيرة‚ \r\n \r\n فالحكومة التركية تبقى شاعرة بالغضب لاهمال قوات الاحتلال الأميركي للقواعد التي أقامها حزب العمال الكردستاني في شمال العراق فهذا الحزب يخوض حربا انفصالية منذ 15 عاما ضد الدولة التركية وتبقى الحكومة التركية تنظر للدور الأميركي في شمال العراق على انه دور حاضن للطموحات الكردية بالاستقلال‚ \r\n \r\n الولاياتالمتحدة من جانبها ليست سعيدة بالاعتراضات التركية على الاستخدامات الأميركية غير المحدودة لقاعدة انجرليك الجوية التركية الواقعة في جنوب شرق تركيا اضافة الى التوتر الأخير الحاصل في علاقات تركيا مع اسرائيل‚ \r\n \r\n في هذه الأثناء تتحرك تركيا لتقترب أكثر من الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي تسعى الحكومة لتجاوز الاعتراضات القومية في البرلمان والتوجه لاجراء اصلاح شامل‚ \r\n \r\n كذلك أظهرت تركيا بعض النوايا الطيبة تجاه قبرص مما ازال احدى العقبات الكأداء في طريق تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي ومما دفع المفوضية الأوروبية لاصدار توصية للبدء باجراء محادثات مع تركيا بصدد عضويتها في الاتحاد‚ \r\n \r\n عملية التوجه التركي الى الاتحاد الأوروبي اظهرت حدوث تغيير في السياسة التركية تجاه العراق‚ ففي السابق كانت تركيا تنظر للعراق ككل في سياق مشكلتها المحلية الكردية‚ ولكن المعارضة الأوروبية الواسعة النطاق للحرب ابعدت امكانية التدخل العسكري التركي مما اضطر الحكومة الى تطوير رؤية اخرى للمصالح التركية‚ \r\n \r\n في نفس الوقت فإن اكراد العراق يقدرون مدى الحاجة لتركيا صديقة كون الحدود التركية هي شريان الحياة بالنسبة لهم مع العالم الخارجي‚ نتيجة لذلك لم تعد تركيا تنظر للعراق الفيدرالي على انه تهديد لأمنها‚ \r\n \r\n بالطبع تبقى تركيا تعارض بشدة وجود كردستان مستقلة والآن فإن قلقها منصب بالدرجة الأولى على السياسات الاقليمية أكثر من القضية الكردية‚ ولا توجد الرغبة لدى تركيا لكي تلعب دورا موازيا لايران كما ان تركيا تشعر بالقلق من احتمال قيام حرب أهلية في كردستان بين أكبر فصيلين كرديين‚ \r\n \r\n وعلى عكس سوريا وايران فان لدى تركيا رغبة كبيرة في رؤية حكومة تمثيلية قوية في بغداد‚ وبفضل الضغوط التي مورست من قبل الاتحاد الأوروبي فإن المشكلة الكردية المحلية في تركيا في طريقها للحل بصورة ديمقراطية في الوقت الذي يعرب جميع القادة الأكراد الاتراك عن التزامهم بالوحدة التركية‚ \r\n \r\n ومن الواضح انه اذا ما اندفعت تركيا نحو تدخل عسكري في كردستان فإن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستأخذ ذلك كذريعة للنكوص عن التزامها بدعم الطلب التركي للحصول على عضوية الاتحاد‚ والذي لا يقل دراماتيكية عن هذا الحدث هو اي محاولة كردية لفرض اجراء تغيير ديمغرافي في التوازن العرقي القائم في مدينة كركوك‚ \r\n \r\n وتفضل تركيا اعطاء مدينة كركوك التي تقيم بها شريحة سكانية كبيرة من التركمان وضعا خاصا في مسودة الدستور العراقي القادم‚ وتظهر الولاياتالمتحدة ايضا اشارات على تفهمها لأهمية المحافظة على كركوك كمدينة متعددة الأعراق وهي تمارس في هذا الشأن ضغوطا على حلفائها الأكراد لعدم المساس بالوضع الحالي للمدينة‚ \r\n \r\n ان السياسة التركية تسيرالآن على حبل دقيق من التوازن بين التحرك نحو المواقف الأوروبية تجاه الشرق الأوسط وفي نفس الوقت ابداء الرغبة في الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع الولاياتالمتحدة ‚ واذا ما نجح ذلك فإن الجسر الأوروبي نحو آسيا قد يصبح هو الجسر الأوروبي نحو أميركا‚ \r\n