\r\n صحيح ان النفوذ الفرنسي في اوروبا قد شهد تصاعدا واضحا وصحيح ايضا ان الرئيس شيراك هو المسؤول الاول عن تزايد وتصاعد هذا النفوذ لكنه لم يوظب بشكل جيد هذا العامل الايجابي لمصلحته او لمصلحة بلاده او لمصلحة الاتحاد الاوروبي فهو, اي الرئيس شيراك كان قد اتخذ القرار الصائب جدا قبل بدء حرب العراق بعد ان اتضح له بأن الغزو العسكري الامريكي لهذا البلد كان خاطئا وغير مبرر ولا يستند الى اي مبرر قانوني او اخلاقي. \r\n \r\n ولهذا وجد شيراك نفسه في اتفاق وتوافق وانسجام مع المعارضة الاوروبية والدولية الواسعة للسياسة التي انتهجتها ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش ازاء العراق بشكل خاص وازاء العديد من القضايا الدولية الاخرى. وانطلاقا من هذه الحقيقة نجح شيراك في مواصلة وتوسيع وتأكيد هذا الموقف بحيث اصبح قادرا على بناء الموقف القيادي والبارز لفرنسا على الساحة الدولية. \r\n \r\n هذه الهيبة التي فرضها شيراك على نفسه وتلك الخبرات الواسعة التي كانت بحوزته, كانت كفيلة بايصاله ووضعه في مركز القيادة على الصعيد الاوروبي خاصة والدولي عامة كما ان هذا النفوذ الفرنسي المتصاعد كان يمكن ان يشكل منعطفا ايجابيا يصب في مصلحة اوروبا بأكملها, سواء قبل او خلال او بعد الازمة الخاصة بالحرب الامريكية على العراق او تلك المتعلقة بالحرب الدولية التي تقودها امريكا على الارهاب الدولي, لكنه وبكل اسف لم يظهر اي جهد للقيام بمثل هذا الدور. بل على العكس. فبالرغم من ان موقفه المعارض لخيار الحرب على العراق كان صحيحا وسليما ومنطقيا, الا انه اوقع نفسه في نوع من العزلة المتنامية والمتصاعدة لكونه قد اخفق في الحفاظ على اقل قدر من العلاقة المقبولة مع الرئيس الامريكي بوش بدلا من ايصال هذه العلاقة الى درجة القطيعة, الامر الذي ساهم الى حد كبير في حدوث انقسامات حادة داخل الاتحاد الاوروبي بين مؤيد ومعارض لهذا الموقف الفرنسي, واصبحت هناك جبهتان اوروبيتان متنافضتان داخل البيت الاوروبي الواحد والموحد. \r\n \r\n لكن فرنسا تحت رئاسة شيراك شعرت بنوع من العظمة المتنامية والتي وصلت في بعض الاحيان الى حد الغطرسة والتكبر بعد ان وجدت نفسها تتزعم جبهة قوية منافسة للولايات المتحدة, ونتيجة ترسخ الاعتقاد لديها بأنها تمثل الرمز الاخلاقي والقانوني في عالم اليوم, ومثل هذه المعتقدات الخاطئة كانت تشكل نفس الاخطاء الجسيمة التي ارتكبتها ادارة بوش سواء في نظرتها الفوقية احادية الجانب ازاء العالم او في سياساتها الخاطئة المتعلقة بشن الحروب ضد كل من لا ينسجم مع استراتيجيتها. \r\n \r\n ان كل ما اعده شيراك وجهزه من خلال اخطائه في المسألة العراقية لا يقل سوءا عن موقفه تجاه المفوضية الجديدة للاتحاد الاوروبي فتلك المفوضية القديمة التي تزعمها وقادها رومانو برودي, كانت تتضمن عضوا فاعلا متمثلا في المفوض الاقتصادي والتجاري الفرنسي السابق باسكال لامي الذي كان يتمتع بنفوذ واسع داخل تلك المفوضية, فهذا المفوض التجاري الفرنسي لامي وبفضل قدرته الكبيرة على المنافسة, وقوة شخصيته وثقافته الواسعة, كان يحظى بقدر وافر من الاحترام والتقدير من كافة نظرائه في الاتحاد الاوروبي. \r\n \r\n ولعب دورا بارزا في ابراز الوزن الحقيقي الذي كانت فرنسا تتمتع به داخل الاتحاد قبل ان يتولى خوزيه مانويل باروسو رئاسة المفوضية الاوروبية. لكن باسكال لامي كان من وجهة نظر الرئيس شيراك مثار انتقادات لسببين وجيهين هما اولا كونه عضوا اشتراكيا وثانيا لانه من المؤيدين لمسألة اصلاح السياسة الزراعية للاتحاد, اما شيراك في المقابل الذي كان يتولى منصب وزير الزراعة في حكومة الرئيس الفرنسي الاسبق جورج بومبيدو في حقبة السبعينات, فانه كان يرغب بان يظل النظام الزراعي على حاله وكما هو وبدون ادخال اية تعديلات او اصلاحات عليه. \r\n \r\n وهذا ما دفع شيراك الى استبدال لامي بالخبير والسياسي المخضرم جاك بارو الذي كانت تنقصه الخبرة في مجال التعامل داخل اطار الاتحاد الاوروبي ولا يحظى بثقة اعضاء الاتحاد الاخرين لكونه فرنسيا ولانه لا يتحدث سوى اللغة الفرنسية. هذه هي الشخصية التي كان يتمتع بها شيراك والتي لعبت دورا مؤثرا وبارزا في فرض النفوذ الفرنسي داخل اوروبا لفترة طويلة من الزمن. \r\n \r\n وبالنظر الى التحولات التي طرأت على موازين القوى داخل اطر الاتحاد الاوروبي, كان يتوجب على فرنسا البحث عن طرق جديدة من اجل الابقاء على نفوذها والمحافظة عليه داخل الاتحاد وابقائه نافذ المفعول. ومن اجل تحقيق هذا الهدف بدأ شيراك يتعامل مع شركاء بلاده الاوروبيين بنوع من الحذر الشديد. وكان ينبغي على فرنسا ان تغير نمط استراتيجيتها الاوروبية, اذا ما ارادت استعادة موقعها البارز ونفوذها السابق. \r\n \r\n كما ان العديد من الاطراف البارزين في الاتحاد الاوروبي كانوا يرغبون بان يكون لفرنسا موقفها الثابت والبارز بحيث تحظى القيادة الفرنسية بمزيد من الاحترام والتقدير من جانب شركائها الاوروبيين ومن جانب المؤسسات التابعة للاتحاد الاوروبي. \r\n \r\n لكن الممارسات والمعتقدات الخاطئة التي حاول شيراك فرضها ساهمت الى حد كبير في اسقاط عامل الثقة تجاهه من جانب معظم الشركاء الاوروبيين, لدرجة ان بعض هؤلاء اضطر الى الاعراب عن التفاؤل لان شيراك لن يظل الى الابد رئيسا لفرنسا. \r\n \r\n ونتيجة لتلك الاخطاء والممارسات من جانب شيراك برزت على السطح دعوات تطالب بوقف النفوذ الفرنسي داخل اوروبا واعطاء الفرصة امام القيادة الفرنسية لاعادة التفكير في سياساتها تجاه اوروبا, ومشاركة الشركاء الاخرين في الاتحاد في العمل على تعزيز وحدة القارة الاوروبية وجعلها قوة منافسة رئيسية للولايات المتحدة التي تسيطر وتقود النظام العالمي الحالي.0 \r\n \r\n عن: »دي فيلت« الالمانية