\r\n كذلك ستكون «لحظة الحقيقة» بالنسبة لأوروبا أيضاً. فالمعروف أن بدء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لا يعني حصول تركيا بسرعة على تذكرة الدخول. فالعضوية التامة لا يمكن أن تتم في أفضل التقديرات، قبل عام 2015 وربما 2020، وشريطة ألا تظهر عوائق مهمة. وسوف تكون هذه المهلة الطويلة هامشا زمنيا يتيح لجميع المتخوفين والمترددين من الدول الأعضاء أن يطمئنوا بعد أن كانوا ينظرون بحذر إلى دخول تركيا. \r\n \r\n خوف الأتراك \r\n \r\n على أن مسألة قبول تركيا في النادي الأوروبي تكتسي أهمية بالغة جداً. فهي تؤثر على علاقات الغرب بالعالم الإسلامي، هذه العلاقات التي تمر حاليا بحالة من التوتر الشديد بسبب الحرب في العراق وحرب أميركا «الشاملة» على الإرهاب الإسلامي. فالمسلمون سيعتبرون رفض تركيا صفعة في وجههم وتأكيدا لنظرية «صراع الحضارات» الشهيرة. \r\n \r\n وعلى العكس فإن قبول تركيا سينظر إليه كمسعى من الغرب للتقرب من الإسلام وكبادرة تسامح وحسن جوار، وكاعتراف بأن أوروبا ليست ناديا مسيحيا بل هي مجموعة من الدول اتحدت لا على أساس عرقي أو ديني، بل على أساس الإيمان بالديموقراطية وحقوق الإنسان وحماية الأقليات واقتصاد السوق. \r\n \r\n وقبول تركيا، فوق ذلك، سوف يطمئن ال 12 مليون مسلم الذين يعيشون حاليا في أوروبا حول حقوقهم كمواطنين كاملي الحقوق، وسوف يعترف بهم كجزء شرعي من نسيج الحياة الأوروبية. وسوف يكون لقرار القبول أيضا تأثير كبير على استمرار تقدم تركيا الحثيث لتصبح دولة حديثة وليبرالية وديموقراطية مزدهرة. وهي قد اجتازت خطوات كبرى في هذا الاتجاه خلال السنتين الماضيتين منذ مجيء رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان. وقد أصدرت حكومته العديد من القوانين الإصلاحية في شؤون الاقتصاد والقضاء والسياسة. \r\n \r\n ولعل الموضوع المطروح الآن هو التشريع الجديد الذي يثبت السيطرة المدنية على الجيش والميزانية ويحرّم التعذيب ويلغي عقوبة الإعدام، ويسمح بتعليم اللغة الكردية في المدارس. وسوف نرى ما إذا كان هذا التشريع سوف يطبق أو يطوى بهدوء، وهذا ما يرجح أن يحصل إذا ما رفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. \r\n \r\n كذلك فإن قرار بدء المفاوضات مع تركيا سوف يحدد الشكل المستقبلي لأوروبا وما إذا كانت مسيرة التوسع محكومة بالنجاح أو الفشل. ولقد قبل الاتحاد مؤخرا عشر دول جديدة وسوف يقضي السنوات القادمة في هضمها عن طريق دعم مؤسساتها الديموقراطية والنهوض بها عموما إلى مستويات الحياة الأوروبية. ولعل مواجهة هذا التوسع هو التحدي الحقيقي الذي يشغل الاتحاد. على أن وضع تركيا يطرح على صعيد آخر مشكلة تختلف كليا عن وضع لاتفيا وليتوانيا وجمهورية تشيكيا ومالطا وقبرص اليونانية وأي من الدول الأعضاء الجدد. فهي دولة فقيرة من 71 مليون نسمة تعيش على الزراعة وتضم غالبية إسلامية وتقع تسعة أعشار أراضيها في آسيا لا في أوروبا. \r\n \r\n لذلك فإن الكثير من الأوروبيين يخشون من أن يؤدي انضمام تركيا إلى مجيء فيض من المهاجرين المعوزين فيؤثر ذلك على أسواق العمل في أوروبا الغربية. وهم يدركون بقلق أن رفع مستوى تركيا إلى مستويات الإزدهار الأوروبية سوف يحتاج إلى تخصيص مبالغ ضخمة جداً. فالدخل الفردي في إجمال الناتج المحلي في تركيا يعادل 29 في المئة فقط من متوسط دول الاتحاد ال25. وما أن تدخل تركيا النادي حتى نرى الاتحاد الأوروبي يتمدد ليشمل العراق وسورية وإيران، وهي الدول ذات الحدود النفيسة التي يصعب ضبطها ومراقبتها. فهل معنى ذلك أن العنف وعدم الاستقرار اللذين يسودان الشرق الأوسط سوف تستوردهما أوروبا؟ \r\n \r\n تلك هي أهم المخاوف التي يعبر عنها أولئك المعارضون لانضمام تركيا. وقد ذهب الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان إلى التصريح بأن دخولها معناه نهاية أوروبا. لكن هذا الموقف هو موقف أقلية ضئيلة جدا بين زعماء أوروبا بل حتى لدى الرأي العام. فخلال الأسابيع القليلة الماضية لم يكن أحد ليشك في أن أوروبا سوف تقول نعم لتركيا، لا سيما وان الرئيس الفرنسي جاك شيراك وتوني بلير رئيس الحكومة البريطانية وغيرهارد شرودر مستشار ألمانيا أعلنوا بقوة أنهم يحبذون بدء المفاوضات معها. \r\n \r\n الخلاف حول الزنى \r\n \r\n غير أن هناك عقبة جديدة غير متوقعة طرأت على الموقف. ذلك أن السيد أردوغان رئيس الحكومة التركية قدم إلى البرلمان يوم 14 أيلول (سبتمبر) الجاري مشروع قانون يحتوي على مراجعة هامة لقانون العقوبات. وقد جرت مناقشة هذا المشروع في اللجنة طوال عدة أسابيع وتمت الموافقة عليه، وهو يحتوي على نصوص عديدة غايتها حماية المرأة ونصوص ضد الاغتصاب والتحرش الجنسي وجرائم الشرف وما إلى ذلك. وقد أيدت الجمعيات النسائية بقوة هذا المشروع، وقانون العقوبات الجديد هذا سيحل محل القانون القديم الذي اقتبس عام 1926 من القانون الايطالي أيام موسوليني. \r\n \r\n ولكن جرى في اللحظة الأخيرة إضافة مادة إلى القانون تجعل من الزنى جرماً يعاقب عليه بالحبس، وإذا بالجمعيات النسائية نفسها التي أيدت القانون تتخذ منه موقفا سلبيا، وقد تظاهرت نحو 600 امرأة يمثلن العشرات من الجمعيات في أنقرة في منتصف أيلول الجاري ويحملن لافتات تندد بقانون العقوبات الجديد بوصفه خرقا لحقوق المرأة. وسرعان ما اغتنم هذه الفرصة معارضو انضمام تركيا في العديد من الدول الأوروبية ليثبتوا بأنها ما زالت تحت تأثير إسلام محافظ وقمعي. واتهم رئيس الحكومة أردوغان بأنه يحاول تعبئة أعضاء حزب العدالة والتنمية عن طريق تطبيق برنامج سري إسلامي واجتماعي. \r\n \r\n وأمام موجة النقد هذه التي فوجئ بها على ما يبدو رئيس الحكومة أردوغان، قرر سحب قانون العقوبات برمته، مع أن هذا القانون كان العنصر المركزي في رزمة الإصلاحات التي تعهدت حكومته بتطبيقها. ورفض رئيس الحكومة انتقادات اللجنة الأوروبية واعتبرها تدخلا في شؤون بلاده الداخلية. \r\n \r\n غير أن ذلك لم يرق للجنة ومن الأرجح أن يؤثر على لهجة التقرير الذي ستنشره في 6 تشرين الأول (اكتوبر) القادم. فإذا لم يتم التصديق بسرعة على مشروع قانون العقوبات فقد تكون توصية اللجنة بشأن بدء المفاوضات مع تركيا سلبية أو على الأقل قد لا تكون ايجابية تماماً. \r\n \r\n وفي مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية يوم 22 ايلول الجاري قال رئيس اللجنة الأوروبية رئيس حكومة البرتغال السابق خوسي مانويل باروزو «إننا نسلم بأن تركيا قد حققت تقدما ملحوظا، غير أنها حتى هذه اللحظة لم تستكمل بعد تلبية جميع الشروط والمعايير». وأضاف قائلا «إن تركيا هي التي طلبت الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فعليها إذاً أن تقبل بالشروط الأوروبية وأن تكيّف نفسها مع الأنظمة الأوروبية وليس العكس. \r\n \r\n على أن مسألة الزنى ما هي إلا عاصفة في فنجان. وما النقاش الذي أثير حولها سوى نوع من النفاق من قبل معارضي تركيا. فلا ننس أن إيرلندا انضمت إلى الاتحاد في وقت كانت قوانينها بتأثير من النفوذ الكاثوليكي، تحرّم الإجهاض. وهناك 24 ولاية في أميركا ما زالت تعتبر الزنى جريمة يمكن أن يعاقب عليها بالسجن لمدة سنة. لذلك فإننا نشهد شروطا تعجيزية في غاية التشدد تفرض على تركيا. لكن معظم المراقيبين ما زالوا يعتقدون بأن أوروبا لا يمكن أن تقول لا لتركيا. والنتيجة ما زالت موضع شك وما زال على مؤيدي انضمام تركيا - في تركيا نفسها وفي أوروبا - أن يحبسوا أنفاسهم. \r\n \r\n * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط. \r\n