لقد قيل إن المهارة الفنية في إبداع التحف المعدنية الإسلامية هي جهد ينشد الكمال، وقد نسب هذا الكنز من المعرفة بالمعادن وتطبيقها في إبداع أعمال معدنية للاستخدامات العملية، إلى التقاليد الساسانية والمصرية. وقد أثرت هذه التقاليد في إنتاج الأعمال المعدنية في العالم الإسلامي، وتجلى ذلك في تبني مؤثرات وزخارف معينة، وكذلك في الأساليب الفنية المندرجة في عملية إبداع التحف المعدنية. ويعود بعض أروع نماذج الأعمال المعدنية، إلى عهد الأمويين العظام. ورغم أن عددا قليلا من القطع الرائعة هو الذي طفا إلى السطح لكي نتأملها طويلا، فإن من الواضح أن هذه القطع تؤكد التميز في صناعة الأعمال المعدنية الإسلامية. وكثير من هذه الأعمال المتميزة، يعود إلى العهد الذي كان فيه البويهيون والسامانيون يتقلدون السلطة في جنوب بلاد فارس وما وراء النهر. وتبدأ الأعمال المعدنية الإسلامية في التمتع بزخارف خاصة، وقد كان الخط يستخدم بصورة متزايدة كمؤثر زخرفي على هذه الأعمال. واستخدم أسلوب التطعيم لإبداع خطوط قوية تغطي أسطح التحف المعدنية، وأصبح هذا الأسلوب الفني رائجا بصفة خاصة حوالي القرن 12 الميلادي. واستخدم تطعيم النحاس بالفضة وتطعيم الفضة بالذهب، بكفاءة بالغة لتعظيم التباينات النصية، واستخدمت المعادن في بعض الأحيان في إطار أسلوب التطعيم لإبراز الألوان والزخارف إلى السطح. كما استخدم الحفر أيضا لتجميل الروائع المعدنية، وكمال التصميم بصفة أساسية، يأخذ شكل العربة والحيوانات والنقوش الكوفية. وفي وقت لاحق، نجد أنه مع التكثيف في التقنية تم الوصول للعديد من الأساليب الفنية، وخاصة التطعيم والحفر، للاستخدام الفعال في تصميم أعمال أكثر دقة وتعقيدا، وكانت المعادن التي تستخدم في هذا الصدد هي الذهب والفضة والنحاس والبرونز. وتم إبداع وزخرفة مجموعات من الأعمال ذات الاستخدام المنزلي واسع النطاق، مثل الأواني والأباريق والمحابر، حوامل المصابيح والمقلمات والمباخر، والشمعدانات وعلب حفظ الطعام. وأبدع السلاجقة، الذين وصلوا إلى الحكم في بلاد فارس في القرن الحادي عشر الميلادي، جانبا من أروع الأعمال البرونزية الإسلامية. ولدينا في السجلات اسمي رجلين يعدان من أروع القائمين بأعمال صب المعادن، وهما محمد بن عبد الواحد ومسعود بن أحمد، وقد أبدعا معا أروع الأعمال المعدنية التي لا تزال اليوم تحظى بقدر كبير من الإعجاب في المتاحف الإسلامية على امتداد العالم. وبعد السلاجقة، واصل المغول العرف المعدني الثري، أي أن تأثيرا صينيا ثريا، وبصفة خاصة في ما يتعلق بالتزيين والزخرفة، أصبح واضحا للعيان منذ هذا العهد فصاعدا. وكان هناك أيضا تنويع في أسلوب التطعيم الذي أصبح أروع وأكثر دقة وعمقا، وغالبا ما استخدمت الفضة فيه. وفي القرن 13 الميلادي، استقدم جنكيز خان عمال المعادن إلى المراكز المنغولية مثل قره قورام، وفي وقت لاحق، وعلى وجه التحديد في القرن 14 الميلادي، تم إرسال مبدعي الروائع الزجاجية من دمشق إلى سمرقند. وفي ظل حكم التيموريين، استمر العرف الفارسي المتعلق بإبداع الروائع المعدنية مع تطور العناصر الزخرفية، وانصب التركيز بشكل أكبر على التألق الخطي، وأصبح الخط الآن يستخدم في صورة النسخ، في مقابل الخط الكوفي الذي استخدم في وقت سابق في القرن 15، وكان جانب مكبر من الروائع المعدنية الفارسية يصهر ليحول إلى معدن، ولهذا نجد بين أيدينا اليوم عددا محدودا من التحف التي تعود إلى ذلك العهد. وقد أحيا الصفويون في وقت لاحق، التقاليد الفارسية المتعلقة بإبداع التحف المعدنية، بل وشجعوا استخدام الأشكال البشرية والحيوانية الواقعية في تصميم هذه التحف. ونجد في هذه الروائع ترفا وفخامة وتقليصا للقياس، ورقة ترصدها العين في الأعمال المعدنية المنتمية إلى هذا العهد، تماما على النحو الذي نجده في اللوحات المعاصرة. وكان الفولاذ هو المعدن المفضل على البرونز والنحاس، وقد استخدم في إبداع الأسلحة والدروع والأدوات المختلفة، وفي بعض الأحيان كان يجري تطعيم الفولاذ بالذهب، وفي بعض الأحيان كست أشكال محفورة بديعة أسطح التحف بكاملها، وفي وقت لاحق أصبحت المؤثرات المتعلقة بالنجوم رائجة في الأعمال المعدنية الفارسية والمنتمية إلى بلاد ما بين النهرين، غير أنه ليس من السهل أن ننسب الأعمال إلى أي إقليم بعينه أو مركز بذاته على أساس الأسلوب الفني المستخدم في إبداعه، ويصبح من الممكن القيام بذلك فقط عندما تحمل التحفة اسم من أبدعها، أو لديها مؤشر ما حول مبدعها أو راعيها. ويتعين علينا ألا ننسى أن الفاطميين كذلك قد طوروا التراث الثري المتعلق بإبداع الأعمال والتحف المعدنية، والكثير من الأعمال البرونزية المبكرة يحمل مؤثرات الفن القبطي. نوع المقال: عام