استخدمت الفضة والبروز أثناء العصور الإسلامية الأولى في صناعة أوان وتحف في صوان وأباريق وصحون اقتبست أشكالها وأساليب صناعتها من التحف الإيرانية في العصر الساساني. وأهم منتجات تلك العصور الأولى أباريق على هيئة حيوانات أو طيور، أخرى قاعها أو بدنها كروي وعنقها طويل أسطواني ينتهي بصنبور على شكل طائر. ومن أمثلة هذه التحف الإبريق الرائع المشهور المحفوظ بالمتحف الإسلامي والذي عثر عليه في أبي صير في مصر، وهو من أواخر العصر الأموي في منتصف القرن الثامن الميلادي، وتدل زخرفة هذا الإبريق وصناعته على مدى التقدم الذي أحزره الصناع المسلمون منذ البداية في دقة صناعة التحف المعدنية. وقد بلغت المهارة والدقة مبلغاً فائقاً في العصر السلجوقي في إيران والعراق في القرن الخامس والسادس والسابع (من الحادي عشر إلى الثالث عشر الميلادي)، وقد انتج الصناع أواني مختلفة من سلطانيات وصوان وزهريات من الذهب والفضة والبرونز، نقشت عليها زخارف منوعة من أشكال آدمية وحيوانية ونباتية وكتابات بالخط الكوفي. ومنها أوان مسبوكة من البرونز ظهرت فيها زخارف بارزة، وأخرى نقشت أو حفرت عليها الزخارف، ومنها كذلك تحف فرغت الزخارف عليها. وتتكون معظم المجموعات التي عثر عليها من أباريق وأهوان وشمعدانات ومباخر وصناديق صنع البعض منها على هيئة طيور أو حيوانات، وامتدت على البعض الآخر، في جامات وبين شرائط من الخط الكوفي، أشكال الحيوانات ومناظر الصيد. وظهرت مهارة الصناع كذلك في تكفيف التحف البرونزية بالنحاس والفضة، وبخاصة في خراسان أولا ثم في الموصل، التي اكتسبت في القرن السابع (الثالث عشر الميلادي) شهرة فائقة في صناعة التحف المعدنية وتكفيتها بالفضة. وقد تخلفت من هذه الصناعة أوان غاية في الدقة والروعة، أودعت على مسطحاتها الزخارف الفضية المكفتة في أشكال بديعة هندسية وآدمية وحيوانية، وكتابات رسمت أطراف الحروف في بعضها على هيئة رؤوس وأجسام ادمية أو حيوانية، أصبحت العناية بالتكفيت ودقة الصناعة من مميزات التحف المعدنية الإسلامية ومن ابتكاراتها الاصيلة. وخير ما يمثل التحف الخراسانية مقلمة محفوظة بمتحف فرير للفنون في واشنطن وسجل عليها اسم صانعها شاهي النقاش وتاريخ صناعتها 607 (1210) واسم صاحبها الوزير الخرساني مجد الملك المظفر، وقد نقشت عليها الزخارف الفضية المكفتة في جامات متشابكة امتدت على أرضيتها وفيما بينها تفريعات الزخارف النباتية والزهريات الهلالية، كما امتدت بين الشرائط الكتابية النسخية التي تنتهي اطرافها على هيئة الرؤوس الآدمية والحيوانية. وخير ما يمثل التحف الموصلية ابريق من النحاس الأصفر محفوظ بالمتحف البريطاني في لندن سجل عليه اسم صانعه شجاع بن متعة الموصلي وتاريخ صناعته 629 (1232)، وقد زخرت مسطحاته بالزخارف الفضية المكفتة. ومن الموصل انتقلت صناعة التحف المعدنية الفضية إلى مصر وسورية في العصر الأيوبي وبخاصة في عصر المماليك وبلغت فيها تلك الصنعة مبلغا كبيرا من الاتقان والجمال. وتنوعت التحف وازدادت زخرفاً واضيف الذهب إلى الفضة. ومن أهم هذه التحف الكرسي المحفوظ بمتحف الفن الإسلامي في القاهرة والذي سجل عليه تاريخه 728 (1327) من عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ومقلمة تنسب إلى نفس العصر وهي محفوظة بمتحف المترو بوليتان في نيويورك، وكلاهما مكفت بالذهب والفضة تكفيتاً دقيقاً أنيقاً، يشكل رسوماً مختلفة من جامات ومضلعات وزخارف نباتية ووردية وزهرية، نسقت تنسيقاً بديعاً. وقد فاقت شهرة القاهرة حينذاك في صناعة التحف المعدنية غيرها من البلاد، وكانت تصنع بها أوان خصصت لسلاطين اليمن، بني الرسول في القرنين السابع والثامن (الثالث عشر والرابع عشر الميلادي) وتحتفظ المتاحف العالمية بمجموعة كبيرة من الصواني والمواقد والشمعدانات وغيرها من هذه التحف القاهرية اليمنية. ومن أهمها صينية ثمينة كبيرة من النحاس المكفتة بالفضة محفوظة بمتحف الفنون الزخرفية في باريس، وقد سجل عليها اسم السلطان المظفر يوسف المتوفى سنة 694 (1294)، وعلى هذه الصنية احتشدت الزخارف فلم تترك فراغاً دون أن تملأه، في وسطها دوائر عليها أشكال آدمية وزخارف نباتية، وفيها شريط دائري عريض امتدت عليه الكتابات النسخية المطولة أطراف حروفها، ولها إطار رسمت عليه مناظر الرقص والموسيقى والطرب تعدو فيها الحيوانات بين الأشجار والأزهار. ولم تقتصر صناعة التحف المعدنية على التكفيت، فقد انتجت العصور الإسلامية حليا رقيقة رائعة كما انتجت ثريات كبيرة من النحاس المخرم ومصاريع أبواب مصفحة بالنحاس المطروق، وأخذت تقاليد تلك الصناعات تتركز في البلاد الإسلامية، وظلت مراكزها رائجة قرونا طويلة في إيران والعراق وسورية ومصر، بل انها انتقلت إلى ايطاليا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وقامت بالبندقية مراكز لصناعة المعادن تقليداً للتحف الإسلامية. ** منشور بجريدة "الرأي العام" الكويتية بتاريخ 1 أكتوبر 2007م