«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام ويفتح أبوابه للجمهور:
متحف الفن الإسلامي .. جامع الحضارة
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 10 - 2010

الواجهة الرئيسية لمبنى المتحف الإسلامى ودار الكتب المصرية، المطلة على شارع (محمد على)، فى الأريعينات من القرن الماضى أكثر من مائة عام مرت علي المتحف الإسلامي.. ثابت في مكانة ويتغير العالم من حوله، تغير نظام الحكم، وتتابعت حكومات، وتغيرت أزياء وأنماط ووسائل مواصلات، حتي ضاقت الدنيا من حوله، وزاحمته في مقره الذي كان بعيدا في يوم ما، وهو وحده ظل الثابت الوحيد الذي لا يتغير. أيام ويفتح متحف الفن الإسلامي أبوابة لجمهور انتظره لأكثر من سبع سنوات، خلال هذه السنوات السبع شهد المتحف المشروع الأكبر في تاريخه، ومن كان يتذكره قبل مرور هذه المدة فهو الآن علي موعد مع متحف آخر مغاير تماما.
صحيح أنه شهد علي مدار تاريخه الممتد، عدة عمليات تطوير وتحديث لكنها كانت عمليات داخلية تركزت غالبا في تغيير نظام العرض -مرة كانت حسب الطراز الفني، وأخري حسب نوع المواد- أو في استحداث قاعات جديدة، كانت غالبا لعرض روائع المتحف لتعطي للزائر فكرة عامة وسريعة عما يضمه المتحف من كنوز. يمكن القول أن جميع هذه العمليات حافظت علي تماسك مجموعة المتحف، وكان التغيير يتم غالبا بإضافة قطع إلي المجموعة المعروضة، ففي الفترة ما بين سنتي 1981، و1983 خضع المتحف لأعمال تجديد وتطوير شاملة أسفرت عن إنشاء قاعة عرض جديدة خصصت لعرض المسكوكات والأختام والأوزان والمكاييل، إضافة إلي الأنواط والنياشين، كما خصصت قاعة كبيرة في مدخل المتحف كانت بمثابة متحف صغير، عرضت فيها مجموعة متنوعة من أهم التحف التي يقتنيها المتحف وتنتمي إلي البلاد والعصور الإسلامية، وفي هذا التطوير أيضا تم تخصيص قاعة كبيرة في الطابق الثاني لعرض مجموعات نادرة مختارة من قطع النسيج الإسلامي من مختلف العصور.
وفي الواجهة الشمالية للمتحف تم إنشاء حديقة متحفية للعرض المفتوح، عرض بها مجموعة مختارة من التحف المصنوعة من الرخام والأحجار، وزودت بكافتيريا وأماكن لراحة زائري المتحف.
استمر التطوير الأخير فترة حتي أغلقت أبواب المتحف مجددا عام 2003 لتعلن وزارة الثقافة عن المشروع الأضخم والأخطر في تاريخ هذا المتحف، صحيح تعطل المشروع عدة مرات، وتبدلت تفاصيل التطوير أكثر من مرة، وصحيح أيضا أنه وبين فترات التوقف لم تتوقف البيانات التي تحدد مواعيد الافتتاح! لكن التطوير النهائي كان شاملا وعلي كل المستويات، المتحف سيظهر الآن بشكل جديد مختلف كليا عما سبق، ولأول مرة يتم التعامل مع جسم المتحف وعلاجه باعتباره ضمن العناصر الأثرية، كما تم استحداث نظام جديد ومتطور للعرض المتحفي ومسار للزيارة، وفي الشكل النهائي سيكون المدخل من شارع بورسعيد وليس من الحديقة المتحفية كما كان في السابق، وسيواجه الداخل من البوابة الرئيسة قاعة استقبال ستضم مجموعة متنوعة من الآثار تعطي فكرة عامة عن محتويات المكان، ثم يقسم المتحف إلي قسمين شمالي وجنوبي، تبدأ الجولة من الجناح الشمالي الذي يضم قاعة للعصر الأموي، وأخري للعباسي، ثم 3 قاعات للعصر الفاطمي، وقاعتين للأيوبي، و3 للمملوكي، وقاعتين للعثماني، أما الجناح الجنوبي فيقسم بحسب المواضيع وفيه قاعات للنسيج والخط والفلك والطب والفن الجنائزي، والمياه والحدائق، والألوان والأضواء.
اعتمد العرض المتحفي هذه المرة علي العصور الإسلامية المتعاقبة وطرزها الفنية وخصائص كل طراز، الخطة تضمنت أيضا إنشاء مكتبة ومعامل ترميم، وكافتيريا وسوق صغيرة لبيع الأعمال الفنية المقلدة، وأيضا غرف العروض السمعية والبصرية. أما أخطر نقاط خطة التطوير فكانت "التركيز علي التحف الأثرية المهمة، بما يفيد زائري المتحف العاديين منهم والمتخصصين" حتي إن القطع المعروضة في الشكل الجديد لن تتجاوز 1700 قطعة -التصميم القديم كان يعرض ما يقرب من العشرة آلاف قطعة- لأول مرة يتخلي المتحف عن مجموعته الفريدة ويعرض فقط »التحف المهمة» .
بداية الحكاية
حكايته بدأت حين رأي مثقفو أوروبا المهتمون بالدراسات الشرقية مدي ما وصلت إليه حالة الآثار الإسلامية في مصر من تدهور شديد وإهمال، علي عكس الآثار الفرعونية التي كانت تحظي باهتمام العالم كله في ذلك الوقت من القرن التاسع عشر، وقتها اقترح "جابرييل شارمز" أحد أهم الكتاب الفرنسيين إنشاء لجنة لحفظ الآثار الإسلامية في مصر، علي غرار لجنة تأسست في باريس سنة 1837 لحفظ وحماية الآثار التاريخية وإحياء الطراز المعماري القوطي.
وكان من نتائج نشر كتاب "وصف مصر" أن قدم إلي مصر كثيراً من علماء الآثار المبهورين بالآثار الإسلامية، وشاهدوا وكتبوا عن تلك الآثار، ورسموها أيضا ومنهم "بريس دافن"، و"باسكال كوست"، و"بورجوان"، كما ألف عالم الآثار "أوين جونز" كتابه النادر عن قواعد الزخرفة الإسلامية. وكان حصيلة ما أنجزوه من كتب مصورة تسجيلا لحالة الآثار في القاهرة قبل حركة الترميم والتجديد التي بدأت سنة 1882.
وبعد نشر هذه الكتب وغيرها في أوروبا كان لابد أن تؤتي ثمارها، فنشأت في باريس "جماعة محبي الفن الإسلامي"، ووفد آلاف السياح إلي مصر، وكان من بينهم مغامرون ولصوص نهبوا الكثير من التحف الإسلامية والعناصر المعمارية وباعوها إلي متاحف أوروبا وأصحاب المجموعات الخاصة وتجار الآثار.
ونتيجة للنهب الذي حدث للآثار الإسلامية، استأنف الكاتب الفرنسي "جابرييل شارمز" دعوته إلي ضرورة إنشاء لجنة لحفظ الآثار العربية في مصر وحمايتها من السلب، وحث جابرييل علماء الآثار في أوروبا عن طريق كتاباته اليومية في صحف باريس علي أن يتحركوا لتحقيق ذلك، وكتب أن حكام مصر لم يهتموا علي الإطلاق بعمل أي شيء لترميم وحماية الآثار الإسلامية، رغم أنهم من جهة أخري قاموا ببناء العديد من القصور الملكية الفخمة في القاهرة والإسكندرية، ولم يتوقف عن نضاله حتي أثمرت جهوده واستجاب الخديوي توفيق، وفي 18 ديسمبر سنة 1881 أصدر الخديوي أمرا عاليا بتشكيل لجنة حفظ الآثار العربية برئاسة محمد زكي باشا ناظر الأوقاف والمعارف العمومية، وكان الأعضاء المصريون في اللجنة سبعة فقط من بينهم محمود سامي الباردودي وزير الحربية، ومصطفي فهمي باشا وزير الخارجية، واتخذت اللجنة الرواق الشرقي من جامع الحاكم بأمر الله مقرا لها.
عقدت لجنة حفظ الآثار العربية أول اجتماعاتها في فبراير 1882 وأعلنت عن أربع مهام أساسية تعمل اللجنة علي تحقيقها: إجراء اللازم لجرد وحصر الآثار العربية القديمة، وملاحظة صيانة تلك الآثار وحفظها من التلف، والنظر في الرسومات والتصميمات التي تُعمل عن المرمّات اللازمة لهذه الآثار، وأخيرا إجراء حفظ جميع الأشغال التي تنجزها اللجنة في أرشيف نظارة الأوقاف، ونقل القطع التي تتخلف عن العمائر التي تم ترميمها إلي الأنتيكخانة.
ولما امتلأ الرواق الشرقي لجامع الحاكم بأمر الله بالتحف والعناصر الأثرية التي تنقلها اللجنة من المباني القديمة، والتي وصلت وقتها إلي تسعمائة تحفة، لم يعد المكان يتسع للمزيد، فسعت اللجنة لدي نظارة الأوقاف لبناء مقر جديد لدار الآثار العربية بصحن الجامع يتسع للعدد المتزايد من التحف الأثرية، خاصة بعد أن رفض علي باشا مبارك وزير المعارف العمومية وقتها تخصيص مبني خال في وزارته لنقل مقتنيات المتحف المتزايدة إليه، وبالفعل تم تشييد مبني في صحن الجامع ونقلت التحف إليه سنة 1884.
وفي 1887 أحيل يوليوس فرانز مؤسس المتحف إلي التقاعد، وعين مكانه ماكس هرتس وهو مهندس معماري نمساوي الأصل كان يعمل في نظارة الأوقاف. وبدأ هرتس عمله بإدخال تطوير جوهري علي نظام المتحف وأسلوب عرض التحف، وكان هو أول من أطلق علي المتحف اسم "دار الآثار العربية" فصار اسما رسميا للمتحف، وفي سنة 1895 أصدر هرتس أول دليل للمتحف باللغة الفرنسية بعد أن طور أسلوب العرض وصنف القطع، وكان العدد قد ارتفع وقتها ووصل إلي 1641 تحفة امتلأت بها قاعات المبني ولم يعد يتسع للمزيد.
وبامتلاء هذا المبني بصحن جامع الحاكم طلبت لجنة حفظ الآثار العربية من نظارة الأوقاف إنشاء مبني أكبر يتسع لعدد التحف الأثرية الذي يزداد بصفة مطردة، وفي 1899 وضعت أساسات المبني الحالي في باب الخلق علي الضفة الغربية للخليج المصري الذي تم ردمه في السنة نفسها. وصمم المبني مهندس معماري ايطالي اسمه "ألفونسو مانيسكالو" وبناه من طابقين علي الطراز المملوكي المتطور، واكتمل البناء سنة 1902 وخصص الطابق الثاني من المبني ليكون مقرا لدار الكتب الخديوية "المصرية بعد ذلك" أما الطابق الأرضي فقد أصبح مقرا لدار الآثار العربية. وفي السنة نفسها بدأ نقل التحف الأثرية من مبني الحاكم بأمر الله إلي المبني الجديد في باب الخلق.
تكوين المجموعة
كان الانتقال إلي المبني الجديد بمثابة بداية لعصر جديد في أساليب عرض الآثار في مصر، فقد قام ماكس هرتس مدير الدار بتصنيف التحف وعرضها حسب مادتها وزخارفها. كما أن الانتقال يعتبر البداية الحقيقية لتكوين مجموعة المتحف فقد أقبلت الأسر الثرية والأمراء من أصحاب المجموعات الأثرية الخاصة علي إهداء التحف للدار، فبمناسبة الانتقال إلي المتحف الجديد وافتتاحه في ديسمبر 1903 قامت أمينة هانم والدة الخديوي عباس حلمي الثاني بإهداء مجموعاتها الخاصة من التحف إلي المتحف، وكانت أولي الإهداءات المهمة، وبعدها توالت الاهداءات، فقام الأمير يوسف كمال بالأمر نفسه، وكذلك كريمة يعقوب أرتين باشا والذي كان عضوا في لجنة حفظ الآثار، ثم الملك فؤاد الذي قدم مجموعة ثمينة من المنسوجات، والأختام، والأمير محمد علي، والأمير يوسف كمال، والأمير كمال الدين حسين، وعلي باشا إبراهيم الذي زود المتحف بمجموعات كاملة من السجاد الإيراني والتركي والخزف والزجاج العثماني.
وكانت هذه الاهداءات مهمة للغاية لأنها أدت إلي إثراء مجموعات المتحف وتنوعها، ولاسيما أنه حتي سنة 1910 لم تكن الحكومة تخصص أي اعتمادات مالية لدار الآثار العربية لشراء التحف، فكانت الدار تعتمد علي ما يصلها من لجنة حفظ الآثار العربية منقولا من المباني الأثرية القديمة. لكن وابتداء من 1926 بدأت الحكومة في تخصيص اعتمادات مالية لدار الآثار العربية لشراء التحف، وبحلول عام 1935 ارتفع عدد التحف المسجلة إلي 12895 وفي السنة نفسها اتخذت الحكومة قرارا بنقل مجموعة التحف الأثرية التي ترجع إلي العصر العثماني وعرضها في مبني حكومي بشارع الإنشاء في حي السيدة زينب، فصار هذا المبني ملحقا لدار الآثار العربية، ولكن بعد عشر سنوات قررت الحكومة إعادة الآثار العثمانية إلي مكانها الأصلي بالمتحف لعدم نجاح تجربة عرضها في مبني منفرد، وبعدها توسعت الدار في شراء التحف من التجار وأصحاب المجموعات الخاصة فاشتري المتحف مجموعة المستشرق رالف هراري من التحف المعدنية بمبلغ 25 ألف جنيه، وأيضا مجموعة الطبيب المصري علي باشا إبراهيم وكانت من السجاد والخزف بمبلغ 115 ألف جنيه، وبحلول عام 1952 ارتفع عدد التحف المسجلة إلي 16324 تحفة.
ومع استمرار تزويد المتحف بالتحف الأثرية عن طريق الحفائر، والشراء، والإهداء، وغيرها من المصادر اتسع مجال مجموعات المتحف، وصارت تغطي كل فروع الفن الإسلامي وتطوره منذ صدر الإسلام في القرن السابع الميلادي وحتي منتصف القرن التاسع عشر، كما أصبحت جغرافيا تغطي نتاج مساحات شاسعة من الأرض تمتد من الأندلس في الغرب إلي وسط آسيا في الشرق، ومن شبة جزيرة الأناضول شمالا إلي جنوب شبة الجزيرة العربية جنوبا، ولهذا السبب واعترافا بدور البلاد الإسلامية غير العربية في تطوير الفن الإسلامي وتنوع أشكاله وزخارفه، قامت الحكومة بتغيير اسم المتحف رسميا في أواخر عام 1951 من "دار الآثار العربية" إلي "متحف الفن الإسلامي" الأكثر شمولا ودلاله.
وفيما بين عامي 1960 و 2003 سجلت مجموعة المتحف ارتفاعا هائلا غير مسبوق، فقد ارتفع عدد التحف المسجلة إلي أكثر من مائة ألف قطعة أثرية.
كنوز المتحف
المتابع للمتحف علي امتداد تاريخه سيجد انه حظي بهذه المكانة نتيجة للنمو الهائل في مجموعته المتحفية، وقطعا فتخطيط المتحف يشي بأنه يتسع لهذا العدد الكبير من القطع التي كانت تعرض في 24 قاعة، ويتسع لها محزنة الكبير، فالمتحف يضم مجموعة نادرة من أدوات الفلك والهندسة والكيمياء والأدوات الجراحية والحجامة التي كانت تستخدم في العصور الإسلامية المزدهرة، بالإضافة إلي أساليب قياس المسافات كالذراع والقصبة، وأدوات قياس الزمن مثل الساعات الرملية، ومجموعة نادرة من المشكاوات المصنوعة من الزجاج المموه بالمينا، ومجموعة الخزف المصري والفخار من حفائر الفسطاط، والخزف ذو البريق المعدني الفاطمي، ومجموعة من أعظم ما أنتج الفنان المسلم من أخشاب من العصر الأموي، حيث يحتفظ متحف الفن الإسلامي بمجموعات متميزة من الخشب الأموي الذي زخرفه المصريون بطرق التطعيم والتلوين والزخرفة بأشرطة من الجلد والحفر، ومنها أفاريز خشبية من جامع عمرو بن العاص ترجع إلي عام 212 ه.
بالمتحف أيضا مجموعة مهمة من الخشب الذي أنتج في العصر العباسي، وأيضا في العصر الطولوني الذي يتميز بزخارفه التي تسمي "طراز سامراء" وهو الذي انتشر وتطور في العراق، ويستخدم الحفر المائل أو المشطوف لتنفيذ العناصر الزخرفية علي الخشب أو الجص وغيرها. وتأتي أهمية التحف الخشبية التي يضمها المتحف من كونها تمثل تطور زخارف سامراء، وهي تحف نادرة، لم يعثر علي مثيلها في سامراء العراق نفسها.
ومن أهم مقتنيات المتحف من أخشاب العصر الفاطمي: محراب الجامع الأزهر وأمر بصنعه الحاكم بأمر الله، ومحراب السيدة نفسيه ويرجع إلي عصر الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله، ومحراب مشهد السيدة رقية وهو من أجمل المحاريب إذ يحتوي علي زخارف نباتية وهندسية غاية في الدقة، وهناك أيضا تابوت من الخشب من مسجد الحسين له أربعة جوانب حافلة بالحشوات متعددة الأشكال، بداخلها زخارف نباتية مورقة ومتشابكة وتحيط به كتابات بالخط الكوفي والخط اللين علي أرضية نباتية، تحف بها كتابات معظمها آيات قرآنية بعضها يشير إلي آل البيت.
ومن المعادن يوجد في المتحف مفتاح الكعبة المشرفة من النحاس المطلي بالذهب والفضة باسم السلطان الأشرف شعبان، ومن أندر ما يضمه المتحف من التحف المعدنية ما يعرف بإبريق مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، ويمثل هذا الإبريق آخر ما وصل إليه فن صناعة الزخارف المعدنية في بداية العصر الإسلامي، وهو مصنوع من البرونز ويبلغ ارتفاعه 41 سم وقطره 28سم، عثر عليه في أبي صير قرب الفيوم، وهناك أيضا دينار من الذهب مؤرخ بعام 77 هجرية؛ وترجع أهميته إلي كونه أقدم دينار إسلامي تم العثور عليه إلي الآن، بالإضافة إلي مجموعة متميزة من المكاحل والأختام والأوزان تمثل بداية العصر الإسلامي الأموي والعباسي ونياشين وأنواط وقلائد من العصر العثماني وأسرة محمد علي.
يعتبر قسم المسكوكات هو أكبر أقسام المتحف علي الإطلاق وتضم مجموعة المتحف 48 ألف مسكوكة منها 38 ألف دينار من الذهب الخالص وتحمل كلها دلالات سياسية واقتصادية وفنية مختلفة، فمثلا الدنانير والدراهم وقت الأزمات كان يكتب عليها "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم"!
وبالمتحف 20 ألف تحفه خزفية لا مثيل لها، حتي في الدول المشهورة بصناعة الخزف. وأكثر من ستة آلاف تحفة زجاجية يقتنيها المتحف الإسلامي، أهمها مجموعة السلطان حسن.
ويضم أيضا مجموعة هائلة من شواهد القبور، تزيد علي ثلاثة آلاف شاهد، عليها نصوص بالخط الكوفي البارز أو الغاادونيس
من كتاب HAY FESTIVAL
تصوير: Daniel Mordzinski
ئر، أقدما علي الإطلاق شاهد قبر مؤرخ بعام 31ه، ومن المخطوطات النادرة التي يضمها المتحف، مجموعة نادرة من المصاحف أقدمها مكتوب بالخط الكوفي ويرجع إلي القرن الثاني الهجري، وآخر من العصر الأموي مكتوب علي "رَقّ الغزال". ولعل مجموعة أوراق البردي التي أهداها الدكتور هنري أمين عوض والتي تبلغ حوالي 240 قطعة من أهم المخطوطات التي تضم كتابات تاريخية ورسائل متنوعة للمعاملات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الإسلامي علي مر العصور. كما يقتني المتحف مجموعة من المخطوطات المصورة في الطب والأعشاب والهندسة والتاريخ والملاحم والشعر. كما يضم مجموعات قيمة من السجاجيد التركية والإيرانية من الصوف والحرير ترجع إلي الدولة السلجوقية والمغولية والصفوية والهندية المغولية في فترة القرون الوسطي الميلادية؛ وهي من صنع أصفهان وتبريز بإيران وأخري من صناعة آسيا الصغري، حتي إن مجموعة المتحف من السجاجيد تعتبر من أغني المجموعات العالمية، وبصفة خاصة مجموعة د.علي باشا إبراهيم، لتنوعها الهائل..حيث اشتملت علي السجاد التركي والإيراني وسجاجيد الأناضول والقوقاز، ومن خلالها يمكن القيام بدراسة توضح مميزات طرز السجاد وطرق صناعتها وأساليب زخرفتها من بلد لآخر في العصور الإسلامية المختلفة.
أما مجموعة المتحف من الخزف فهي من أغني المجموعات في العالم، لأنها تشتمل علي تحف متنوعة من الخزف المصري والإيراني، وبلاد ما وراء النهر، واسيا الصغري والعراق والأندلس، وتعتبر مجموعة فريدة في تنوعها وفي تقديمها للطرز الفنية المختلفة، بالإضافة إلي خزف البورسلين والسيلادون الصيني.
وكان من أهم المجموعات الأثرية الكاملة التي اقتناها المتحف في تاريخه: كنز من العملات النقدية الذهبية "دنانير" بلغ عددها 3611 قطعة، عثر عليها محفوظة في جرتين من الفخار وجدتا مطمورتين تحت عتب بيت "زينب خاتون"، وفي عام 1992 اقتني المتحف كنزا ثانيا من دنانير الذهب يتألف من 701 دينار وقد عثر عليه بالصدفة أثناء إزالة أعمال ردم في أطلال بيت قديم بدرب القزازين في حي السيدة زينب. وبشكل عام يمكن القول إن المتحف يضم أغني وأندر مجموعات الفن الإسلامي في العالم.
الصور والمادة العلمية من كتاب
"من ذاكرة المتحف الإسلامي"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.