منذ أيام افتتح الرئيس حسنى مبارك متحف الفن الإسلامى بالقاهرة وذلك بعد انتهاء أعمال التطوير والترميم التى استمرت حوالى 7 سنوات وبتكلفة 58 مليون جنيه تم خلالها عرض روائع الفن الإسلامى بأسلوب يليق بهذه الحضارة التى امتدت من سمرقند وحدود الصين شرقا وحتى بلاد المغرب العربى والأندلس غربا, وخلال أيام يتم الاحتفال بمرور مائة عام على إنشاء هذا المتحف الذى يعد من أهم وأكبر المتاحف التى تضم مجموعات متكاملة من التحف التى أبدعتها يد الفنان فى العصر الإسلامى. وكان الرئيس حسنى مبارك قد قام بافتتاح متحف الفن الإسلامى بعد انتهاء أعمال التطوير والترميم التى تم خلالها اختيار ما يقرب من ألفى قطعة أثرية متنوعة تم عرضها بأحدث أساليب العرض لتحكى التاريخ الإسلامى فى عصوره المختلفة. ويقول د. زاهى حواس أمين عام المجلس الأعلى للآثار إن عملية تطوير المتحف كانت صعبة للغاية لأن عمر المتحف أكثر من مائة عام وتعلوه دار الكتب وكان مكدساً بالقطع الأثرية بأسلوب لا يبرز جمالها ولهذا استغرقت عملية التطوير ما يقرب من 7 سنوات كما تم الاستعانة بخبير فرنسى للمشاركة فى تطوير العرض المتحفى حيث تم اختيار ألفى قطعة أثرية فقط تعرض فى 25 قاعة تمثل جميع العصور الإسلامية وتبرز مدى التقدم الذى وصلت إليه الحضارة الإسلامية فى جميع المجالات كما تم تطوير الحديقة المتحفية الملحقة بالمتحف وبناء مبنى إدارى بنفس طراز الواجهات المعمارية الإسلامية وتخصيص مكان لانتظار السيارات وخلال الأيام القادمة سيقام احتفال كبير بمناسبة مرور مائة عام على انشاء المتحف. ويقول محمد عبد الفتاح رئيس قطاع المتاحف: إن عملية التطوير شملت المتحف ككل ولكن مع الحفاظ على روح المبنى والعناصر المعمارية فإلى جانب ترميم القطع الأثرية وإعادة عرضها بأحدث الأساليب المتحفية فقد تم تأمين المتحف بأحدث أجهزة الإنذار وشبكات المراقبة الداخلية والخارجية وغرف التحكم والاطفاء التلقائى فى بعض مناطق المتحف طبقاً لنوعية الآثار الموجودة بها وإلى جانب القطع الأثرية التى تم اختيارها للعرض فقد تم اضافة بعض القطع الأخرى والتى تتضمن عملات وأسلحة وحليا وقد كانت لنا جولة داخل المتحف مع محمد عباس مدير عام المتحف الذى أكد أن المتحف يعتبر أكبر وأهم المتاحف التى تضم مجموعات متكاملة من التحف المتنوعة التى أبدعتها يد الفنان فى العصر الإسلامى منذ بداية القرن السابع الميلادى وحتى نهاية القرن الثامن عشر على امتداد الإمبراطورية الإسلامية من سمرقند وحدود الصين شرقا وحتى بلاد المغرب العربى والأندلس غرباً فهناك مجموعات من الخزف والزجاج والنسيج والسجاد والتحف المعدنية والأخشاب والعاج والأسلحة والحلى والمخطوطات والأحجار والرخام حتى إننا يمكن اعتبار هذا المتحف معهداً علمياً ينهل منه الباحثون فى تاريخ الفنون والحضارة الإسلامية. ويقول محمد عباس: إن متحف الفن الإسلامى مر بمراحل تطوير أهمها المرحلة الحالية التى بدأت منذ عام 2003 وشملت تطوير طرق العرض وبناء مبنى إدارى مستقل نقلت إليه الإدارة وقسم الترميم والمكتبة وقاعة المحاضرات كما أضيفت مساحات جديدة للتخزين بأسلوب علمى يضمن تنظيم المخزون من التحف والمحافظة عليها لخدمة الباحثين.. وتقوم فلسفة تطوير العرض الحالى إلى تقسيم العرض إلى قسمين الأول خاص بالعرض التاريخى للفنون الإسلامية فى مصر حيث يبدأ بقاعة افتتاحية يعرض بها مجموعة من المشكاوات الزجاجية يدخل منها الزائر إلى أولى قاعات العرض والتى تمثل الطراز الأموى ثم العباسى والطولونى وقد عرضت فى هذه القاعات مجموعات من الأخشاب المزخرفة بالحفر والرسوم المنفذة على الجص بالإضافة إلى أبريق من البرونز عُثر عليه فى قرية «أبو صير الملق» بالقرب من بنى سويف بجوار مقبرة آخر الخلفاء الأمويين «مروان ابن محمد» الذى فر من دمشق بعد استيلاء العباسيين على مقاليد الحكم فى عام 132ه ولذلك أصبح معروفاً باسم «أبريق مروان». وقد تم تخصيص ثلاث قاعات للطراز الفاطمى عُرضت فيها مجموعة من الأخشاب متمثلة فى الأبواب والمحاريب والألواح المزخرفة بالحفر والتى كانت تزين القصور الفاطمية والتى عثر عليها فى مارستان قلاوون. بالإضافة إلى مجموعة من الأوانى المصنوعة من الخزف ذى البريق المعدنى والتحف المعدنية والمصوغات الذهبية. أما العصر الأيوبى فقد خصصت له قاعتان عُرضت فيها أبواب خشبية وأوان خزفية وتحف معدنية كلها توضح خصائص الفن الإسلامى فى ذلك العصر. ويضيف محمد عباس: أن العصر المملوكى يعتبر عصر ازدهار الفن الإسلامى ويظهر ذلك واضحا من خلال التحف المتنوعة المعروضة فى ثلاث قاعات منها التحف المعدنية من شمعدانات وأوانٍ ومشكاوات وخزف وأخشاب وأحجار ورخام. ومن أهم وأجمل التحف المملوكية كرسى عشاء «الناصر محمد بن قلاوون» المصنوع من النحاس المكفت بالذهب والفضة، ومفتاح الكعبة المكفت بالفضة والذى ينسب إلى السلطان «شعبان» ومجموعة المشكاوات الزجاجية النادرة التى تنسب إلى السلطان «محمد بن قلاوون» والسلطان «حسن». ومن بدائع الحفر على الرخام ما نجده منفذا على ألواح الرخام الواردة من الأسبلة وكسوة جدران بعض المساجد مثل لوح من الرخام من جامع «صرغتمش» «757 ه». أما الجناح الثانى من المتحف فقد تم تخصيصه لعرض التحف الفنية التى تنسب إلى تركيا فى العصر العثمانى وبلاد فارس «إيران» وقاعات نوعية للهندسة والعلوم والطب والخط والنسيج والسجاد حيث تضم هذه القاعات ساعات رملية ومزاول وأدوات كانت تستخدم فى الطب والتشريح. وجارٍ حاليا إضافة قاعة جديدة فى المتحف تضم نوعيات مختلفة من الأسلحة والحلى والعملات حيث يضم المتحف أقدم دينار إسلامى تم العثور عليه حتى الآن يرجع تاريخه لعام 77 ه. ومن القطع النادرة التى يضمها المتحف قاع إناء من الخزف ذو البريق المعدنى عليه رسم يمثل السيد المسيح يرجع للعصر الفاطمى وهو يوضح أن الفن هو امتداد لثقافة الشعب فبالرغم من مرور أربعة قرون على دخول الإسلام مصر إلا أن الفنان القبطى كانت له لمساته على الساحة الفنية. كما يضم المتحف حليا ذهبية خاصة بالملكة «شجر الدر» وتابوتا من ضريح الإمام الحسين يرجع للعصر الفاطمى. وعن تاريخ إنشاء هذا المتحف يقول محمد عباس إنه فى عام 1869 اقترح المهندس «سالزمان» على الخديو اسماعيل إنشاء متحف للآثار الإسلامية يضم ما خلفته الفنون الإسلامية من تحف متناثرة فى المساجد والقصور ولكن تنفيذ الفكرة جاء عام 1881 عند إنشاء لجنة حفظ الآثار العربية التى اتخذت من صحن جامع الحاكم بأمر الله الفاطمى مقراً لإنشاء متحف أطلق عليه اسم «المتحف العربى» وقام «هرتز بك» المسئول عنه بوضع أول دليل له عام 1895 ولفت أنظار المسئولين لضرورة بناء متحف كبير يتسع للمجموعات التى ظلت تنمو حتى ضاق بها المتحف العربى الصغير وتم فعلاً وضع حجر الأساس لبناء المتحف الحالى عام 1899 بميدان باب الخلق وتم افتتاحه رسمياً عام 1903 تحت مسمى «دار الآثار العربية» فى عهد «الخديو عباس حلمى» وكان عدد التحف التى تم جمعها عند الافتتاح حوالى ثلاثة آلاف تحفة إلا أن مجموعات المتحف تضاعفت بعد تنوع مصادرها من الإهداءات التى توالت عليه من الأمراء والملوك وفى مقدمتهم الأمير يوسف كمال والأمير محمد على والملك فؤاد والملك فاروق الأول كما تم تخصيص ميزانية لشراء أغنى المجموعات مثل مجموعة «هرارى» عام 1945 ومجموعة الدكتور على باشا ابراهيم من الخزف والسجاد عام 1949 هذا بالإضافة إلى ما أخرجته الحفائر التى قامت بها دار الآثار العربية فى الفسطاط. وجبل «درونكه» جنوبأسيوط وبذلك أصبح عدد التحف التى يضمها المتحف حوالى 17 ألف تحفة متنوعة عام 1952 فتم تغيير مسمى «دار الآثار العربية» إلى «متحف الفن الإسلامى» وذلك لأنه يضم مجموعات من التحف الفنية تنسب إلى أقاليم العالم الإسلامى على امتداده ولا تقتصر على البلاد العربية فقط وظلت مجموعات المتحف تزداد حتى وصلت إلى ما يزيد على مائة ألف تحفة فى الوقت الحالى يُعرض منها فقط حوالى ألفا قطعة. إن ما يضمه متحف الفن الإسلامى من مقتنيات نادرة تعكس ما وصل إليه الفنان المسلم من تقدم فى المجالات الفنية والعلمية المختلفة وتجعل من هذا المكان جامعة ومنارة للفنون والحضارة الإسلامية.