رغم أن إبداع الفخار يصنف باعتباره فناً ثانوياً، إلا أنه اكتسب أهمية حقيقية في العالم الإسلامي. فالفخار الذي يعني تشكيل وصنع الآنية من الطين، من أقدم الأشكال الفنية التي أبدعها الإنسان. ولم يتم التوصل إلى عجلة صانعي الفخار إلا في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وأمكن عندئذ إبداع الآنية في أشكال عديدة مختلفة، وبأحجام متباينة، وزخرفتها كذلك. وبعدئذ أصبح إبداع الفخار مهنة كبرى يمتهنها الكثيرون. هناك أدلة توضح أن الصينيين كان لهم تأثير في إبداع الفخار في العالم الإسلامي. وفي الحقيقة، أصبح الصينيون مصدرين عظاماً للآنية إلى أوروبا ومناطق أخرى، وكان لهم نفوذ يعتد به على هذا الفن في الشرق الأوسط. وبحلول القرن التاسع الميلادي، كان عرب العراق يبدعون أعمالاً فخارية مزججة، تشبه تلك التي أبدعت في ظل سلالة «تانغ» الملكية الصينية. ورغم أن صانع الفخار المسلم قد تأثر إلى حد ما بإبداع نظيره الصيني، إلا أنه وظف موهبته في هذا الفن الجديد، وقدمت كل منطقة من العالم الإسلامي فخارها المميز. كان مبدعو الفخار في العالم العربي يحظون بتقدير كبير، ودرج الكثير منهم على توقيع الأعمال التي أبدعوها، وهكذا فإنهم بالتأكيد كانوا يتمتعون بمواهب مميزة في ميدانهم، وكانوا أحراراً في الاستعارة من الوسائط الأخرى. ومع مرور الوقت، تم إدخال أساليب فنية جديدة إلى فن إبداع الفخار، ومنها البريق، وهو أسلوب فني يقال إنه يرجع أصلاً إلى مصر في القرن الثامن الميلادي، واستخدم في المقام الأول لزخرفة الأدوات الزجاجية. وللتوصل إلى هذا البريق، كان مبدعو الفخار يقومون بإحراق الآنية في فرن خاص يكفل درجة حرارة عالية، ثم يتم توظيف الأحماض المعدنية المستمدة من الفضة والنحاس، على الأسطح المزججة، ثم توضع الآنية في الفرن مرة ثانية، ولكن عند درجة حرارة أقل كثيراً، حيث تتحول الأكاسيد إلى لمعة ذهبية، وإلى درجات من الذهب الخالص. وهذا الأسلوب الفني الجديد، أعطى الفخار سطحاً ناعماً ومتألقاً. وقد وجد أفضل أنواع الفخار المزجج في سامراء، ربما في ظل الحكام العباسيين، وأصبح البريق أسلوباً فنياً رائجاً في جميع أرجاء العالم الإسلامي. وفي بلاد ما بين النهرين، تم التوصل إلى كل من البريق الأحادي ومتعدد الألوان. والمدهش أنه بحلول القرن 14 الميلادي، كان كل أسلوب يرتبط بمبدعين بعينهم، وبمكان بذاته. وقد بقي التأثير الصيني في الفخار الإسلامي وقتاً طويلاً، لأنه كان يحظى بالإعجاب على نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم العربي. وقد تطور شكل رائد من الفخار الإسلامي في ظل المماليك، اتسم بلونه الأحمر، وبتصميماته البديعة، وكان لتأثير الجمع بين البريق واللون الأحمر أثر مدهش. أبدع صناع الفخّار السوريون أعمالاً مدهشة في العديد من المراكز، ولعل أكثرها أهمية المركز الذي وجد في الرقة. وفي بلاد فارس، أصبح الفخار وسيطاً متقدماً في ظل حكم السلاجقة. وإلى جوار توظيف هذا الفن لإنتاج الخزف في الآنية المنزلية والجرار، استخدم أيضاً لإنتاج القرميد الخزفي. وشهد العهد الصفوي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، إحياء للاهتمام بفن إبداع الفخار، وأنشأ الشاه عباس، وهو من الحكام الصفويين البارزين، مركزاً للتجارب الفنية والإبداعية، جرى فيه إحياء وتطوير العديد من الأساليب الفنية القديمة في إبداع الفخار. وتتميز تركيا بثقافتها المميزة في إبداع الفخار كذلك، وقد حققت هذه الثقافة هويتها المميزة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. وفي هذه الفترة، تطور مركز إبداع الفخار والخزف العظيم في أضنة، وتم إطلاق أساليب فنية متعددة في هذا المركز، حيث كان نسيج هذا العمل من عجينة بيضاء بديعة، مع تصميم مركزي بخطوط خارجية سوداء. وكان هذا التصميم المركز يلون بعد ذلك بالأزرق والأحمر والأخضر والليلكي، ويكتسب السطح الملون بعدئذ لمعة شفافة، فيحقق اللون تألقاً وجاذبية. وتميزت الزخارف التي تم إبداعها في أضنة، بمؤثرات محددة، في مقدمها زهرة التوليب، التي تعتبر من الأعمال الفنية البديعة. وفي أوائل القرن 18، تم إنشاء مصنع في إسطنبول لإنتاج الفخار والخزف الأضني، كما تم إنشاء مصنع آخر في كوتالو. وفي وقت لاحق، شملت مجموعة الألوان التي يتم توظيفها، اللون الأصفر، وزادت حشود التصميمات التي يتم إبداعها. نوع المقال: عام