يعتبر الهجوم الذي استهدف مصنعا للسلاح في الخرطوم عاصمة السودان في الثالث والعشرين من تشرين اول 2012 تطورا نوعيا في الهجمات الاسرائيلية التي وقعت خلال السنوات الماضية تحت عنوان منع وصول السلاح الى المقاومة الفلسطينية عبر السودان من جهة انه نفذ عبر طائرات مقاتلة من نوع اف "15" وليس طائرات بدون طيار كما في الاستهدافات السابقة للافراد والسيارات شرق السودان, ورغم الصمت الاسرائيلي الرسمي ازاء هذا الهجوم ورفض وزير الحرب الاسرائيلي اهود باراك في مقابلة مع القناة الثانية الاسرائيلية التعقيب على هذا الهجوم فان الأصابع الاسرائيلية تبدو واضحة ورائه. وكان التقرير الموسع الذي افتتحت به القناة الثانية الإسرائيلية نشرتها المركزية عن هذا الهجوم في اليوم التالي والتحليل الذي رافقه وقدمه محللها للشئون العربية اهود يعاري مؤشرا واضحا في تلميحاته الى كون إسرائيل تقف وراء الهجوم فهو نقل اقوال شهود عيون عن مشاهداتهم لطائرات مقاتلة في مكان الهجوم تغير على المصنع ما يعني وفق يعاري ان تلك الطائرات قطعت مسافة 1900 كيلو متر من فلسطينالمحتلة الى الخرطوم وهي اكبر من المسافة الى ايران التي تبلغ 1600 كيلومتر وتحدث عن العلاقة التي تربط بين طهرانوالخرطوم والاتفاقيات العسكرية التي وقعها الرئيس الإيراني محمود نجاد مع نظيره السوداني عمر البشير عامي 2006 و2009, وبذلك فان اسرائيل تسير في خطوة متقدمة لتهاجم اهدافا في دولة اخرى لا يوجد لها حدود معها وتبعد عنها آلاف الكيلومترات تحت عنوان احباط هجمات للمقاومة قبل وقوعها. السودان من جهته اكد على ان اسرائيل تقف وراء الهجوم ولذلك سيتقدم بشكوى الى مجلس الامن الدولي يتهمها بالمسئولية عن قصف "مجمع اليرموك الحربي" الذي يقع فيه مصنع السلاح، وأعلن وزير الإعلام السوداني، أحمد بلال ان طائرات إسرائيلية نفذت الهجوم على المجمع الحربي جنوبالخرطوم، وأضاف قائلا "إن الفنيين والمهندسين السودانيين تحققوا في مخلفات الصواريخ، ووجدوا عليها الكود والأرقام التي تعضد اتهام إسرائيل، ومن جهته أشار المتحدث العسكري السوداني العقيد الصوارمي خالد سعد الى أن استخبارات بلاده تمتلك أدلة على تورط إسرائيل في قصف المجمع، وأن صورا التقطت لموقع القذف، ستوزعها الاستخبارات السودانية على وسائل الإعلام. ما يلاحظ ان دولة الكيان الاسرائيلي رغم عدم اعترافها بهذه الهجمات الا ان اجهزتها الامنية ووفق دراسة مسبقة كانت تسرب معلومات حول طبيعة تلك الاهداف والاخطار التي تشكلها على الامن الاسرائيلي وكان القاسم المشترك بينها المزاعم حول نقل سلاح عبر البحر والبر الى المقاومة الفلسطينية في غزة, وما ميز المعلومات التي جرى تسريبها حول هجوم 23 تشرين اول عن سابقاته انها كانت شبه تفصيلية عن الاهداف ومسار العملية وطريقة التنفيذ ومصدر تلك المعلومات، ولان هناك حظرا من قبل الرقابة الاسرائيلية العسكرية على نشر المعلومات الامنية فانه يتم تسريبها الى مصادر اجنبية ومن ثم تعيد الصحف الإسرائيلية نشرها وتنسبها الى تلك المصادر لعدم خرق الحظر، وقد اطل كبار المحللين العسكريين في الاعلام الاسرائيلي وهم ضباط احتياط في الجيش الاسرائيلي بتحليلات مفصلة حول العملية ومنهم رون بن شاي والكيس فيشمان وعاموس هرئيل وآفي سخاروف ويوآف ليمور بشرح مفصل تتضمن معلومات تنشر لاول مرة عن الهجوم. ما يمكن إجماله من تلك المعلومات مع التحفظ على مدى صحتها بالكامل انها توفرت لدى اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بعد عملية اغتيال القيادي في حركة حماس الشهيد محمود المبحوح في دبي عام 2010 حيث قالت صحيفة "صنداى تايمز" البريطانية، نقلاً عن مصادر مخابراتية -لم تحددها- وهي بالطبع اسرائيلية ان إسرائيل خططت لهذه العملية قبل عامين، بعد عثور عملاء جهاز الموساد، الذين نفذوا عملية اغتيال المبحوح على وثائق سرية خطيرة، كانت فى حقيبته فى غرفته بالفندق، من بينها اتفاقية وقعتها إيران والسودان عام 2008 تتيح لإيران إنتاج أسلحة على الأراضى السودانية، ولا تبدو هذه المعلومات بالخطيرة او الجديدة اذ ان هناك علاقات تعاون امني وعسكري بين ايران والسودان منذ اكثر من عقدين وفي سياقه وقعت العديد من الاتفاقيات وتمت زيارات متعددة متبادلة من الجانبين ومنها زيارة الرئيس الايراني للخرطوم والرئيس السوداني الى طهران اكثر من مرة، لكن ما يبدو واضحا ان اسرائيل تريد توظيف هجومها على الخرطوم لابراز الخطر الايراني عليها في وقت تهدد بتنفيذ هجوم على المنشئات النووية الايرانية. وقد ابرزت الصحف الاسرائيلية بوضوح هذه الصلة عندما تحدثت عن ان المسافة التي قطعتها الطائرات الاسرائيلية للهجوم على الخرطوم (1900 كيلو متر) هي اقل من مسار الهجوم المحتمل على ايران 1600( كيلو متر)، وزادت الصحف الاسرائيلية في تصوير حجم التعاون السوداني الايراني الى ان المعلومات التي توفرت بعد ذلك لاجهزة الاستخبارات الاسرائيلية كشفت عن بدء إنتاج صواريخ بالستية من طراز "شهاب" فى المصنع السودانى، تحت إشراف فنيين وعناصر من الحرس الثورى الإيرانى لتسليمها الى حركة حماس ومجموعات اخرى في الشرق الاوسط وفق صحيفة الصاندي تايمز وهو ما لا يمكن تصديقه فصواريخ شهاب 1 ، 2 , 3 ذات حجم كبير ويتراوح مداها ما بين ألف الى ثلاثة الاف كيلو متر ولا يمكن ان تصل الى غزة. وللتأكيد على الدور الايراني اعادت الصحف الاسرائيلية نشر أنباء سبق ونشرت في وسائل إعلام اخرى في الماضي حول إنشاء إيران لصناعات عسكرية على الأراضي السودانية في إطار التعاون العسكري المكثف مع الجيش السوداني. وذكرت بعض الصحف بحادثة إغلاق صحيفة "رأي الشعب" السودانية في العام 2010 بعد نشرها نبأ عن مصنع سلاح إيراني داخل مجمع الصناعات العسكرية السوداني في الخرطوم، كما لفتت إلى بحث نشرته مجلة "فورين بوليسي" حول نشاط التسليح الإيراني في السودان، جاء فيه أن إسرائيل تعلم بأمر وجود مصنع إيراني هناك. وربطت هذه الصحف هذه الأنباء بتقارير مؤخرا عن تواجد إيراني في القرن الأفريقي بعد الاعتقالات التي نفذتها السلطات الكينية ضد إيرانيين بتهمة الإعداد لعمليات ضد أهداف إسرائيلية. ومن جانبه فان المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان بتاريخ 25-10-2012 ركز في تحليله للهجوم على ايران وقال ان "الهدف كان ايران اكثر من السودان", موضحا انه "قبل أربع سنوات ونصف، أُبرم حلف دفاعي بين شمال السودان وإيران بحيث أصبحت هذه العلاقات ثابتة خطيا أيضا، وهكذا توجد اليوم في السودان مستعمرة إيرانية مستقلة تماما على حد زعمه، وترسو سفن إيرانية في موانئها وتهبط المعدات والوسائل القتالية التي تُنقل إلى مخازن يديرها إيرانيون أيضا. ويعمل مئات وربما أكثر من الإيرانيين في هذا المصنع الضخم ويستعينون بالسودانيين"، واشار الى ان "حرب عنيفة لمنظمات استخبارات وقوات خاصة تجري في الكثير جدا من الجبهات: في جنوب لبنان وفي سيناء وفي غزة والبحر الأحمر وأريتريا واليمن والسودان وغرب أفريقيا وأوروبا، وعلى أرض إيران أيضا"، واطلق المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، رون بن يشاي على هذه الحرب اسم" حرب الظلال"، والهدف منها وفق فيشمان"إحباط الإرهاب وخلق الردع". هدف عملية القصف كان اربعين حاوية سلاح متوقفة كان معدة للارسال الى قطاع غزة عبر سيناء وليس البحر لتجنب اعتراضها من قبل السفن الاسرائيلية كما حدث مع سفينة فكتوريا قبل عام ونصف، ووفق المحلل العسكري رون بن يشاي، الذي نقل عن مصدر غربي "موثوق للغاية"، فانه "لو وصلت شحنة صغيرة من هذه الأسلحة إلى غايتها في قطاع غزة لكان من شأنها أن تشكل تهديداً خطيراً على إسرائيل والجيش الإسرائيلي"، ووصفه عاموس هرئيل وآفي يسسخروف في صحيفة هآرتس 30-10-2012 انه سلاح "يحطم التعادل"، وزعم يشاي ان شحنات السلاح تم صنعها في إيران وغايتها حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني وفصائل أخرى في قطاع غزة، وان الأسلحة في مصنع "اليرموك" لا تصل من إيران فقط، وإنما من مخازن الأسلحة الليبية التي تم اقتحامها في أعقاب سقوط العقيد معمر القذافي ويشتريها الإيرانيون أو الفلسطينيون، وحول نوعية السلاح قال يشاي انها شملت "صواريخ إيرانية من طراز "فجر"، وربما صواريخ أكثر تطوراً يزيد مداها على 70 كيلومتراً، وصواريخ مضادة للطائرات وربما صواريخ أرض - بحر من صنع إيراني، قد تشكل خطراً على أعمال التنقيب الإسرائيلية عن الغاز والنفط مقابل شواطئ جنوب إسرائيل وعلى البوارج البحرية الإسرائيلية التي تشدد الحصار على القطاع. وحول طريقة تنفيذ الهجوم ومساره اشارت نفس المصادر الاسرائيلية الى ان الطيارين الإسرائيليين تدربوا عليه لعدة أسابيع، وأجروا طلعتين جويتين لمسافات طويلة بلغت قرابة 1900 كيلومتر، مضيفة أن 8 مقاتلات إسرائيلية من طراز "إف 15" يوم الهجوم قبيل العاشرة مساء من قاعدة جوية فى جنوب إسرائيل، 4 منها كانت تحمل قنابل تزن كل واحدة منها طناً واحداً، بمصاحبة مروحيتين من طراز"يسعور"، تحملان 20 من قوات الكوماندوز الإسرائيلى لتنفيذ عمليات إنقاذ، حال سقوط إحدى الطائرات، ووفقا لتقديرات الخبراء العسكريين الغربيين، قضت الطائرات الاسرائيلية في إطار العملية 4 ساعات في الجو وقطعت مسافة تقدر ب 3900 كم". واضافت "فإن المقاتلات قامت بالطيران فوق البحر الأحمر، ودخلت المجال الجوي للسودان من الشرق حتى تتفادى الوقع في مرمى منظومة الدفاع الجوي المصرية"، وبالقرب المباشر من الحدود السودانية، قامت المقاتلات بالتزود بالوقود في الجو بواسطة طائرة بوينج من طراز (707) ولتجنب اكتشاف الطائرات من قبل اجهزة الرقابة السودانية قامت طائرة تجسس من طراز "جلفستريم" بتشويش منظومة الدفاع الجوى السودانى وأجهزة الرادار فى مطار الخرطوم، وهو ما اكده وزير الاعلام السوداني احمد بلال عثمان في تصريح لوكالة السودان للأنباء (سونا) من إن الطائرات المعتدية استخدمت أجهزة عالية التشويش، لافتا إلى سعي إسرائيل لتعطيل القدرات الدفاعية للسودان، وشل التطور في المؤسسة العسكرية، وإضعاف السيادة والقرار السوداني. هذا الكم الكبير من المعومات المسربة الى وسائل الاعلام الأجنبية والاسرائيلية يؤكد مسئولية اسرائيل عن الهجوم رغم عدم تعليقها عليه رسميا وهو موقفها المعروف في مثل هذه الحالات على غرار قصف ما اسمته بمنشاة نووية سورية في دير الزور عام 2007، وقد كانت تصريحات اللواء احتياط ومدير عام وزارة الدفاع الاسرائيلية عاموس جلعاد الاقرب الى تبني الهجوم عندما قال في مقابلة مع اذاعة الجيش الاسرائيلي ان سلاح "الطيران الإسرائيلي الذي يعد واحدا من الأكثر عراقة في العالم أثبت جدارته عدة مرات في الماضي"، واعتبر أن الرئيس السوداني عمر البشير "مجرم حرب"، والسودان كان قاعدة لعمليات بن لادن، والنظام تدعمه إيران ويستخدم نقطة عبور لنقل أسلحة لغزة والتي تهدد وفق زعمه مصر الجارة الكبيرة له. لا شك بان الطائرات الإسرائيلية انطلقت في هجومها على مجمع الحربي السوداني من قاعدة اسرائيلية في منطقة ام الرشاش "ايلات" عبر البحر الاحمر لتصل الى الخرطوم مع عدم نفي احتمالية انطلاقها من قواعد في جزر بالبحر الأحمر تمتلكها دول تتمتع بعلاقات قوية معها على غرار اريتريا التي تتميز بحكم موقعها الجغرافي بوجود 360 جزيرة فيها وتعتبر اهم الدول التي تقدم دعما لوجسيتيا لتنفيذ هجمات ومراقبة حركة الملاحة في البحر الاحمر فإسرائيل اقامت علاقات دبلوماسية مع اريتريا بعد استقلالها عام 1993 والتي عكست الدعم الذي قدمته لحركة الاستقلال الاريترية عن اثيوبيا، وقام رئيسها اسياسى افورقي بزيارة إسرائيل عام 1996 وتوقيع اتفاقية لتعزيز التعاون الأمني والعسكري بين البلدين تضمنت إقامة ستة قواعد عسكرية إسرائيلية في اسمرا ودتكاليا وسنهين وحالب وفاطمة ودهلك واستخدمت الأخيرة كقاعدة تجسس للموساد على اليمن والسعودية والسودان وجزر حالب وفاطمة، ودهلك تقع في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر بامتداد طوله 1080 كم2 وهو ما يفسر حركة سلاح البحرية الاسرائيلي بسهولة في منطقة البحر الاحمر وتنفيذها 80 عملية خلال عام 2010. الهجوم الاسرائيلي الأخير على الاراضي السودانية وقع في شهر أيار الماضي عندما اطلقت طائرة صاروخ او اكثر في منطقة بورسودان على سيارة يستقلها رجل يبلغ من العمر 65 عاما اسمه ناصر عوض الله ونقلت مصادر اسرائيلية لصحيفة يديعوت بعد الهجوم انه تاجر سلاح ينشط في تهريب السلاح الى المقاومة الفلسطينية الى قطاع غزة، في حين علق ضابط رفيع في سلاح الجو الاسرائيلي بعد يوم واحد من عملية الاغتيال رغم النفي الرسمي في المسئولية عنها بان سلاح الجو الاسرائيلي ينشط في جبهات بعيدة جداً وفي كل مكان وان الجيش الاسرائيلي متأهب دائما في وقف جميع الاعمال (الارهابية) ضد اسرائيل في اي مكان، فيما اكد وزير خارجية السودان علي كرتي ان إسرائيل قصفت مركبة سودانية على مدخل مدينة بورسودان ما أدى إلى مقتل سوداني مشيرا الى الطريقة التي حصل بها الانفجار مماثلة جدَا للطريقة التي عملت فيها إسرائيل في منطقة البحر الأحمر سابقا حيث ادى القصف لذوبان حديد السيارة التي تم قصفها. لا يمكن ان تتم عملية الاغتيال دون معلومات امنية يوفرها عملاء لاسرائيل يعملون ميدانيا في منطقة بور سودان وغيرها من المناطق وينقلون معلومات دقيقة عن اشخاص تتهمهم اسرائيل بتجارة السلاح ونقله الى غزة ويتأكد هذا الاتجاه في ضوء عمليات قصف واغتيال نفذتها طائرات اسرائيلية ضد قوافل ادعت انها تحمل سلاحا واستشهد فيها بعض السودانيين والفلسطينيين منذ الحرب على غزة نهاية عام 2008 وفي احدى الحالات سيطر سلاح البحرية الاسرائيلي على سفينة"كارين A" تحمل سلاحا في عرض البحر الاحمر قدمت من ميناء بور سودان عام 2002 في حين اشارت مصادر اسرائيلية الى ان سلاح الجو الاسرائيلي نفذ ثلاثين عملية غير معلنة خلال الاعوام الماضية عبر قواعده المنتشرة في عدة جزر بالبحر الاحمر ودول افريقية تقيم معها علاقات امنية وعسكرية وهي اريتريا واثيوبيا وكينيا واوغندا بالاضافة الى جنوب السودان التي انتقل اليها المحطة الرئيسية للموساد في شرق افريقيا واصبحت تشرف على كل العمل الامني والعسكري في هذه المنطقة. ما يفسر في جانب آخر تصاعد الهجمات الاسرائيلية في منطقة القرن الافريقي دخول طائرة عملاقة بدون طيار باسم "ايتان" دائرة العمل بعد 8 سنوات من عمل الصناعات العسكرية الاسرائيلية على تطويرها وهي قادرة على الوصول الى مسافات كبيرة من بينها السودان وايران وتستطيع التحليق بدون أن يتم معاينتها من الأرض رغم حجمها الكبير، حيث يصل طول أجنحتها إلى 26 مترا، في حين يصل طولها إلى 14 مترا، كما أن الطائرة قادرة على التحليق مدة 20 ساعة متواصلة بسرعة 260 كيلومترا في الساعة، ويصل ارتفاعه الأقصى إلى 41 ألف قدم، وتزن 5 أطنان، في حين تصل حمولتها القصوى إلى ألف كيلوغرام. اسرائيل في تنفيذ غاراتها تستند علي الاتفاقية الأمنية التي وقعتها مع الولاياتالمتحدة والتي تقضي بتعاون مخابراتي بين البلدين لتعقب أي شحنات أسلحة متجهة إلي غزة، بالإضافة الى تعاون فرنسي بريطاني ودول أوروبية أخرى جاء بعد انتهاء الحرب المصبوب على غزة في الثامن عشر من شهر كانون الثاني عام 2009 لمنع وصول السلاح الى المقاومة الفلسطينية في غزة والذي كان شرطا اسرائيليا لوقف تلك الحرب. ونفذت الهجمات الإسرائيلية السابقة على النحو التالي: 1- في شباط 2009 استهدفت غارة جوية اسرائيلية سبع عشرة شاحنة محملة بالأسلحة زعمت انها كانت في طريقها إلي قطاع غزة لتهريبها إلي غزة وأدت إلي مقتل39 شخصا ونفذت الغارة في منطقة صحراوية شمال غرب مدينة بورسودان قرب جبل الشعنون السوداني وهى المنطقة القريبة من مثلث حلاليب وشلاتين. 2- في آذار 2010 هاجمت طائرات اسرائيلية عدد من السيارات المحملة بالذخائر شرقى السودان بالقرب من الحدود المصرية، زاعمة أنها كانت متوجه إلى قطاع غزة بعد عبورها للحدود المشتركة بين مصر والسودان. 3- في نيسان عام 2011 هاجمت طائرات اسرائيلية مركبة ما ادى إلى مقتل شخصين بالقرب من مطار قريب من مدينة بور سودان وزعمت اسرائيل ان احدهما سوداني كان مسئولا عن تسليح حركة حماس . 4- في تشرين ثاني 2011 شنت اسرائيل هجومين في منطقة في وادي العلاقي شمال غرب حلايب شرق السودان استهدف الاول 6 سيارات من نوع "لانت كروزر" كانت تحمل سلاحا، وأدى هذا الهجوم إلى مقتل أربعة مواطنين سودانيين، واستطاعت أربع سيارات الهروب من مكان الحادث وفق الزعم الاسرائيلي، اما الثاني فاستهدف سيارة من نوع "تويوتا" كان بداخلها عدد من المنقبين عن الذهب فى السودان، وأدت الغارة إلى مقتل جميع من كانوا فى السيارة، وايضا زعمت اسرائيل أن جميع هذه السيارات كانت متوجة إلى قطاع غزة لتزويده بالأسلحة. ما يلاحظ في هجومي تشرين ثاني 2011 وفق صحيفة هآرتس"الإسرائيلية مشاركة مروحيات الأباتشى الإسرائيلية بالقرب من السواحل السودانية، ومشاهدة نشاط لغواصة إسرائيلية فى المنطقة ما يعني ان الهجوم انطلق من قواعد قريبة لدول مجاورة للسودان او سفينة حربية اسرائيلية تواجدت في البحر الاحمر، فيما ادعت صحيفة يديعوت ان طائرتا أباشتي تابعة للجيش الاسرائيلي هبطتا في جزيرة مقرسم السودانية الواقعة شرق منطقة محمد قول، والتي توجد فيها محطة للدفاع الجوي معروفة بمحطة رادار 11 تابعة للجيش السوداني، وتمكن أفراد الجيش الإسرائيلي من التجول بحرية في الجزيرة، والعودة بسلام. في سياق متصل من الواضح ان استقلال جنوب السودان عزز الوجود الاسرائيلي الامني والعسكري في منطقة القرن الافريقي وقدم لها حيزا لوجسيتيا مهما للتحرك بحرية اكبر في عدوانها على دول الجوار تحت عنوان منع وصول السلاح الى حركات المقاومة الامر الذي لا يشكل تهديدا فقط للمقاومة الفلسطينية في محاولتها لخلق شكل من التوازن في المعركة معه بل هو تهديد للأمن القومي العربي عامة وبشكل خاص تجاه مصر والسودان وهو يبدو اكثر عمقا في هذه المرحلة التي تحاول اسرائيل تعزيز وتوسيع علاقاتها في هذه المنطقة ردا على الثورات العربية. لا يمكن فهم الهجوم الاسرائيلي على السودان الا في السياق التاريخي للاستراتيجية الاسرائيلية تجاه السودان وافريقيا وهي قائمة قبل العلاقة المستجدة في السنوات الاخيرة بين السودان وايران اذ لم يكن هناك المعطى الايراني قائما في التوجهات الاسرائيلية تجاه السودان منذ عقد الخمسينات والذي يشكل بحكم موقعه الجغرافي وثرواته الهائلة رغم عدم وجود حدود له مع الكيان الاسرائيلي قلقا اسرائيليا وجد انعكاساته في محاولة التدخل الباكرة في السودان عبر اللعب على الوتر الاثني والطائفي فاسرائيل قدمت الدعم منذ الخمسينات للتوجهات الانفصالية لمسيحيي جنوب السودان والتي تحولت الى حركة تمرد مسلحة اطلق علهيا اسم حركة انانيانيا 1 و2 بزعامة جوزيف لاغو في الستينيات ثم الجيش الشعبي لتحرير السودان في منتصف الثمانينات بزعامة جون جرنغ، ومن هنا فان هجوم 23 تشرين اول لن يكون الاخير وسيتبع بهجمات اخرى في الأسابيع او الاشهر القادمة بجانب استمرار العمل الامني الاستخباري داخل السودان عبر قاعدة الموساد الرئيسية في افريقيا التي انتقلت الى جنوب السودان الدولة المستقلة حديثا والتي تقيم علاقات وثيقة مع اسرائيل وقامت برعاية ودعم اسرائيلي وحظيت بزيارة رئيسها نهاية عام 2011 ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه امام هذا التوغل الاسرائيلي ضد السودان غياب الموقف والاستراتيجية العربية تجاه افريقيا المخترقة اسرائيليا اذ بالكاد سمع تنديد عربي بالهجوم الاسرائيلي، فما يحدث هو تهديد ليس لامن السودان بل للامن العربي باكمله فعلى اطراف السودان توجد مصر التي ترقب العين الاسرائيلية التغييرات الحادثة فيها والتي يمكن ان تستخدم السودان ممرا للتأثير فيها اذا ما هددت مصالحها في مصر. ---------------------------------------------------------- * عامر خليل كاتب وباحث مختص في الشأن الاسرائيلي.