قامت مؤسسة «راند» البحثية الأمريكية الشهيرة بتقديم دراسة وافية لاستغلال طاقة شباب الإخوان للتأثير في مستقبل العلاقات بين مصر وواشنطن، وركزت الدراسة على نقاط الضعف بين الشباب والمستويات العاليا من القيادة في جماعة الإخوان المسلمين، في دارسة تحمل عنوان «الإخوان المسلمين، شبابها وتبعات التواصل مع الولاياتالمتحدة» ونظرا ما يحمله اسم مؤسسة «راند» الأمريكية من تأثير على المستويات العليا لصناعة القرار السياسي الأمريكي، نشرت «الأهرام» نسخة مبكرة من الدارسة في عدد الخميس. ولفت الباحثون الثلاثة (جيفرى مارتينى وداليا كاى وإيرين يورك) على التباينات داخل جماعة الإخوان بما يخدم المصالح الأمريكية، وقدمت الجماعة باعتبارها كيانا «ليس منسجما كما ينبغي»، حيث الفجوات بين الأجيال تمثل تحديا كبيرا لتماسك الجماعة بعد تهميش الأجيال الشابة في تسلسل القيادة رغم وجودهم في مقدمة صفوف ثورة يناير. وتسعى الدراسة إلى التعرف على تركيبة شباب الإخوان وتقترح توصيات لصانع القرار الأمريكي عن طريقة دمجهم في الحوار بين واشنطن والجماعة. وترى الدراسة أن أهم التحديات التي تواجه الجماعة في المستقبل هو عدم منح الشباب دورا مهما في صناعة القرار بها وتشير إلى انشقاق شباب خمسة من الأحزاب الصغيرة التي خرجت من عباءة الإخوان على أرضية حزب الحرية والعدالة، بعد الثورة ورغم التأثير الضعيف لتلك الانشقاقات إلا أنها تحدد للجماعة القضايا التي تحتاج إلى تسليط الضوء ومنها بالقطع هجرة عدد من أفضل العقول للتنظيم القوى ومن بينهم شباب ينتمي إلى الشريحة الأرستقراطية التاريخية لقيادات الجماعة، وممثلون للإخوان في ائتلافات الثورة وبعض النشطاء المقربين من الحركات السياسية غير الإسلامية. وتشير دراسة «راند» إلى أربع قضايا رئيسية في الفجوات الجيلية داخل الجماعة والتي تظهر في الحوارت الداخلية. أولاها: عملية التوفيق بين المهمات المختلفة للجماعة وتقول إن العديد من المنشقين يتحفظون على صعوبة الفصل بين السياسي والديني في أنشطة الإخوان. وثانيتها موقف الجماعة من القضايا الاجتماعية مثل المساواة وحقوق الأقليات حيث الشباب أكثر «تقدمية» واستيعابا لتلك الحقوق من جيل القيادة الحالي. وثالثتها الطموحات الثورية للشباب في مواجهة المسارات الهادئة التي يريدها الشيوخ ورابعتها تأثير الهرم المتشدد للقيادة المتسبب في تهميش شباب الجماعة. وتحدد «راند» لصانع القرار الأمريكي جملة من الأسباب لتحدى شباب الجماعة ليس فقط بسبب علاقتهم بالعلاقة الداخلية بالإخوان ولكن أيضا لكونهم سيلعبون دورا في زيادة الاتصالات بين أمريكا والجماعة حيث يمثلون ما بين 35% و50% من عضوية الجماعة فيما تعانى مصر على مختلف تياراتها وأحزابها من عدم قدرة الشباب على اعتلاء قمة العمل السياسي رغم الثورة والجماعة واحدة من المؤسسات التي يستوجب عليها أن تتعامل مع حالة عدم الرضا بين صفوفها، وفى سبيل فهم شباب الجماعة، تخصص الدراسة الفصل الأول للتعرف عليهم من خلال مقابلات جرت في عدد من المحافظات مثل القاهرة والإسكندرية والمنوفية وقنا وتشير إلى أن الغرب يلتفت اليوم لشباب الجماعة على نحو متعمق نظرا لدورهم في الانتفاضة الشعبية وباعتبارهم يشكلون «لوبى ضاغط» داخل الجماعة لم يحظ باهتمام كبير في الدراسات المنشورة عن الإخوان. وتتناول الدراسة خروج ثلاثة من أبرز شباب الجماعة في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وهم إبراهيم الهضيبى وعبدالمنعم محمود ومصطفى النجار ثم بعد الثورة محمود القصاص وإسلام لطفي وترجع خروجهم إلى التسلسل الصارم للمناصب القيادية وغياب المرونة. وحول أعداد أعضاء الجماعة، تقول «راند» إن المحللين يختلفون على الحجم الدقيق للإخوان، فهناك تقديرات تتحدث عن 600 ألف عضو، بينما في قيادة الجماعة هناك من يقول إن الرقم يصل إلى أكثر من 700 ألف فيما ترى الدراسة أن الجماعة ما زالت حذرة في تقديم أرقامها الحقيقية وهناك إلتباس بسبب الدرجات المختلفة للعضوية من الطفولة إلى الشباب مرورا بفرق الكشافة الإخوانية المعروفة باسم «الأشبال والزهرات». وقد أٌضيف إلى تعقيدات عضوية الإخوان ظهور حزب الحرية والعدالة، حيث تشير الدراسة إلى أن عدد عضويته قد يفوق اليوم عضوية الجماعة نفسها ب25% ويصل حسب تقديرات الحزب إلى مليون عضو وأقصى تقدير لشريحة الشباب هو 245 ألف عضو عامل في الجامعة لو كانت نسبتهم 50% من العضوية، وتؤكد الدراسة أن التجربة التاريخية لجيل الشيوخ في الجماعة بحكم طريقة تفكيرهم ويميزهم حتى اليوم عن جيل الوسط وجيل الشباب خاصة نظرتهم إلى العالم الخارجى، وتقول خريطة المؤسسة البحثية الأمريكية أن شباب جماعة الإخوان الحاليين والمنشقين يتوزعون، في حقيقية الأمر، بين ستة أحزاب سياسية من بينها الحرية والعدالة. كما تقول الدراسة أن متوسط سن العضوية لمكتب الإرشاد هو 61 عاما ولا يوجد عضو من مجموعة ال17 في المكتب تحت سن ال49 بينما تٌعرف الجماعة سن الشباب بأنه تحت ال35 وسن أحقية عضوية مكتب الإرشاد 40 عاماً! وتحت عنوان «تحدى الأجيال في جماعة الإخوان المسلمين» يحاول الفصل الثاني الإجابة على أسئلة حيوية لمصالح الولاياتالمتحدة بعد وصول حزب الحرية والعدالة للسلطة في مصر، فتقول أن رسالة مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا كانت تركز على احتواء كل شرائح المجتمع تحت لواء الجماعة وهو ما ساهم في نجاح الإخوان على مدى تلك السنوات، إلا أن الوظائف المتعددة للجماعة هي مصدر توتر أيضا على مستويات عدة منها، على سبيل المثال، استمرار تفضيل تيار في الجماعة أن يلتزم الإخوان بمهمتهم الأساسية وهى «أسلمة المجتمع من أسفل» والخلاف بين الجيلين القديم والجديد حول حقوق الأقليات والمساواة بين الجنسين، والخلاف الآخر بين الجيلين هو نطاق وسرعة الإصلاح حيث يبدو «التنظيم إصلاحيا» في مقابل دعوة جيل الشباب، الأعضاء الحاليين والخارجين، إلى «الحلول الثورية»، والتحدى الرابع هو مدى الالتزام بمبدأ «السمع والطاعة» والإجراءات المتشددة لوصول العضو الجديد إلى درجة «أخ عامل»، حيث يوجد تباين بين الجيلين. ويطرح الفصل الثالث تصور «راند» للتواصل مع الجماعة وشبابها، حيث ينصح بزيادة الاتصال مع الجماعة والحزب لتشمل قطاعات مختلفة ومنها بالقطع الشباب، خاصة أنهم يلعبون أدوارا مهمة على مستوى القاعدة الشعبية أكثر منها في مستوى القيادة، وبمنطلق يقوم على تغليب المصلحة الأمريكية ينصح خبراء «راند» المؤسسات الأمريكية بالوصول إلى أكبر قطاعات ممكنة من شباب الجماعة وخارجها من التيار الأكثر انفتاحا مع التركيز على الجماعة في خطة تعتمد على نقاط محددة تقوم على التواصل مع شباب الجماعة ليس لأنهم يمثلون تحديا لتماسك التنظيم ولكن أيضا باعتبارهم قناة محتملة لتوسيع مشاركة الولاياتالمتحدة مع الحركة. ومن التوصيات المقترحة: فهم الانقسامات داخل الجماعة دون أن تحاول أمريكا استخدامها في اللعبة السياسية، المشاركة في لقاءات دورية، بما في ذلك بين أعضاء الكونجرس والبرلمانيين من الحرية والعدالة، للحد من «التسييس» بدعم من الحزبين الجمهورى والديمقراطى ويضمن الاتصال مع الإخوان حسب الدراسة توسيع المشاركة مع أطياف القوى السياسية الأخرى، ورفع مستوى التواصل على المستوى الشعبى، واستهداف قادة الشباب والناشطين واتحادات الطلاب خارج المدن الرئيسية، وزيادة مشاركة شباب الجماعة في برامج التبادل بين البلدين، في ظل توقع من خبراء «راند» بقيام واشنطن بتواصل أكبر مع الإخوان المسلمين رغم العديد من العقبات ومنها الموقف من حركة حماس والتباين في الموقف من قيم بعينها وهو ما يجلب الكثير من النقد للإدارة الأمريكية، خاصة الموقف من الحريات والأقليات والمرأة وقضايا اجتماعية أخرى، إلا أن توقع «راند» أن تلك القضايا لن تؤثر في إمكانية تطوير العلاقات في المستقبل طالما أستمر حزب الحرية والعدالة في السلطة من أجل هدف تحقيق المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ويمكن أن تقابل القوى اليمنية المحافظة دراسة «راند» بانتقادات كبيرة بعد أن دعا كثيرون من رموز التيار إلى تقليص التواصل مع الإخوان المسلمين والتأكيد على القيم الأمريكية في التعامل مع الجماعة وانتقاء حلفاء دائمين من التيارات الليبرالية واليسارية ممن لا يصطدمون بالمبادئ الأمريكية، وهى أمور محل جدل كبير في واشنطن اليوم.