تعرف على أسعار الذهب اليوم الخميس 2 مايو.. عيار 21 ب3080    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    تأهب في صفوف الشرطة الأمريكية استعدادا لفض اعتصام جامعة كاليفورنيا (فيديو)    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم قلنديا شمال شرق القدس المحتلة    هاني حتحوت: مصطفى شوبير اتظلم مع المنتخب.. وهذه حقيقة رحيل الشناوي    هل يستمر؟.. تحرك مفاجئ لحسم مستقبل سامسون مع الزمالك    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    التحضيرات الأخيرة لحفل آمال ماهر في جدة (فيديو)    ما الفرق بين البيض الأبيض والأحمر؟    «الأرصاد» تكشف موعد انتهاء رياح الخماسين.. احذر مخاطرها    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    أول ظهور ل أحمد السقا وزوجته مها الصغير بعد شائعة انفصالهما    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    طريقة عمل الآيس كريم بالبسكويت والموز.. «خلي أولادك يفرحوا»    مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني يواصل تصدره التريند بعد عرض الحلقة ال 3 و4    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    واشنطن: العقوبات الأمريكية الجديدة ضد روسيا تهدف إلى تقويض إنتاج الطاقة لديها    بشروط ميسرة.. دون اعتماد جهة عملك ودون تحويل راتبك استلم تمويلك فورى    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 2 مايو 2024    مُهلة جديدة لسيارات المصريين بالخارج.. ما هي الفئات المستحقة؟    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    صندوق مكافحة الإدمان: 14 % من دراما 2024 عرضت أضرار التعاطي وأثره على الفرد والمجتمع    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2 مايو في محافظات مصر    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    النصر يطيح بالخليج من نصف نهائي كأس الملك بالسعودية    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    اشتري بسرعة .. مفاجأة في أسعار الحديد    أول تعليق من الصحة على كارثة "أسترازينيكا"    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    لبنان.. الطيران الإسرائيلي يشن غارتين بالصواريخ على أطراف بلدة شبعا    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    مسؤول أمريكي: قد يبدأ الرصيف البحري الجمعة المقبلة العمل لنقل المساعدات لغزة    القوات الأوكرانية تصد 89 هجومًا روسيًا خلال ال24 ساعة الماضية    الوطنية للتدريب في ضيافة القومي للطفولة والأمومة    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    حمالات تموينية للرقابة على الأسواق وضبط المخالفين بالإسكندرية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    وزير الأوقاف: تحية إعزاز وتقدير لعمال مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عَلى خَدِّ زَيْتونِكِ دَمْعُ حَمَامِى.."سيرة ذاتية لجرح عربى"
نشر في الشعب يوم 15 - 06 - 2013


قُطُوفُ نَبْضِى اسْتَوَتْ حَبَّاتُهَا سَهَرَا
بِطَعْمِ شَوْقِى، دَنَتْ لِلْحَرْفِ فَاعْتَصَرَا
أَدْمَنْتُ -يَا قُدْسُ- فِى الأَوْرَاقِ شَتْلَ دَمِى
فَاسْقِى بِذِكْرَاكِ، يزهرْ.. واقطفى الزهَرَا
تُلْقِينَنِى مِنْ غُصُونِ الرُّوحِ فِى وَرَقِى
حَرْفًا؛ صَدَاهُ لِعُصْفُورِ الْحَنَانِ قِرَى
مَعِى عَكَاكِيزُ حِبْرٍ عِشْتُ أَسْنُدُهَا
عَلَى سُطُورِى، نُوَلِّى شَطْرَكِ الفِكَرَا
وَالْحَرْفُ حَافٍ عَلَى شَوْكِ الْخَيَالِ، إِذَا
مَسَّتْهُ ذِكْرَاكِ فِى عِزِّ الْهُمُومِ، جَرَى
يَا أَبْجَدِيَّةَ مَجْدٍ بِالضُّحَى كُتِبَتْ
مَنْقُوطَةً بِدَمٍ فِى حُبِّهَا سُطِرَا
مَا زِلْتِ تَمْشِينَ فَوْقَ السَّطْرِ، مُثْمِرَةً
مِنْ خَطْوَتَيْكِ الضُّحَى وَالْحُلْمَ وَالْمَطَرَا
عذراءَ مَهْمَا ارْتَدَيْتِ الْجُرْحَ، أو سَرَقُوا
مِنْ نَظْرَتَيْكِ صَبَاحًا طَالَمَا انْتُظِرَا
يَا بِنْتَ كَنْعَانَ! مِنْ رِحْمِ الْعُرُوبَةِ قَدْ
نَزَلْتِ فِى وَرَقِى؛ فَاسْتَعْمِرِى الصُّوَرَا
فِى قَمْحِ مَاضِيكِ مَا زَالَتْ مُعَلِّمَةً
أَصَابِعُ العُرْبِ؛ فَادْعِى لِلَّذِى بَذَرَا
هُمْ أَوَّلُ الضَّوْءِ فِى عَيْنَيْكِ مُنْذُ صَحَا
فِى الْكَوْنِ ضَوْءٌ بِهِ عَقْلُ الزَّمَانِ يَرَى
إِذْ مَشَّطُوا الْعُشْبَ فِى مِيلادِ أَرْضِكِ كَىْ
تُنَافِسِى -مِنْ بَنَاتِ الشَّمْسِ- أَىَّ قُرَى
رَبَّوْا عِيالَ حُقُولٍ؛ كُلُّهَا كَبرَتْ
فِى بَدْءِ حِضْنِكِ حَتَّى أَصْبَحَتْ شَجَرَا
وَدُورُهُمْ آنَسَتْ خَدَّيْكِ إِذْ بُنِيَتْ
كَأَنَّهَا دَمْعُ مَسْرُورٍ قَدِ انْهَمَرَا
فَكَذِّبِى الْعُمْىَ؛ أن الشَّمْسَ لاكِمَةٌ
بِلَسْعَةِ الضَّوْءِ مَنْ لَمْ يُتْقِنُوا النَّظَرَا
حَتَّى اليَهُودُ -وَقَدْ قَدُّوا قَمِيصَ ضُحًى
بِالْغَدْرِ مِنْ دُبُرٍ- لَمْ يُطْفِئُوا الْقَمَرَا
أَلْقَوْا عَلَيْنَا ثَعَابِينَ ادِّعَائِهُمُو
يَا صَدْقُ؛ فَالْقَفْ حَفِيدَ الظُّلْمَةِ الأَشِرَا
سَبْعونَ حَبَّةَ عُمْرٍ مِنْ سِنِينِكِ فِى
أَغْصَانِ دُاوُودَ؛ سَمِّى وَاجْمَعِى الثَّمَرَا
لَيْسَتْ حَلالَ يَهُودِىٍّ لِيَطْعَمَهَا
فَنَحْنُ أَوْلَى بِدَاوُودٍ إِذَا ذُكِرَا
كَمْ عَتَّقُوا مِنْ دِمَاءِ الْوَحْى فِى قَدَحٍ
مِنْ صُنْعِ إِبْلِيسَ؛ وَالشَّرُّ (الْعَمَى) سَكِرَا!!
فِى كُلِّ قَبْرٍ نَبِىٌّ؛ لَحْدُهُ وَرَمٌ
مِنْ تَحْتِ جَفْنَيْكِ، أو دَمْعٌ بِخَدِّ ثَرَى
أَلَمْ تَزَلْ بَشْرَةُ التَّارِيخِ مُحْرَقَةً
مِنْ يَوْمَ أن أَشْعَلُوا فى (رُومَةَ) الضَجَرَا؟!
فَالْحِقْدُ مِنْ نَسْلِهِمْ، وَالأُمُّ مَعْصِيَةٌ
تَزَوَّجُوا نَارَهَا؛ كَى يُحْرَقُوا مِرَرَا
وَأُخْرِجُوا مِنْ بُيُوتِ اللَهِ شِرْذِمَةً
غَاظُوا الْبَيَاضَ، وَعَقُّوا الضَّوْءَ والْمَطَرَا
وَعِشْتِ -يَا قُدْسُ- بَيْنَ الْفُرْسِ مُرْهَقَةً
وَبَيْنَ رُومَا! ارْتَدَتْ أَيَّامُكِ الْخَطَرَا
وَأَذَّنَ الضَّوْءُ فِى حَلْقِ السَّمَاءِ؛ فَيَا
سُبْحَانَ مَنْ صَاغَ -بِالْمِعْرَاجِ- تَاجَ سُرَى
يُحْصِى لَكِ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى عِبَادَتَنَا
سَبْعًا سِمَانًا، وَخُضْرَ السُّنْبُلِ الْعَشَرَا
فإن أُكِلْنَ بِنَوْمِ الْعُرْبِ، فَانْتَظِرِى
أَنْ يَفرُكوا جَفْنَ شَمْسٍ بَعْدَ طُولِ كَرَى
تَوَضَّئِى الآنَ؛ مَاءُ الْجُبِّ عُلْوَ دَمِى
وَالْفَجْرُ يَنْهَضُ (شَاءَ الْقَصْفُ أَمْ ضَجِرَا)
كَالْغَيْمِ آتٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى
وَقْتِ الصَّلاةِ؛ فَقُومِى اسْتَمْطِرِى عُمَرَا
أُبُوَّةُ الضَّوْءِ فِى قَلْبِ الْهِلالِ سَقَتْ
مِنْهَا الْكَنَائِسَ عَطْفًا خَضَّرَ الإِصَرَا
شَفَا بِهَا الْمَسْجِدَ الأَقْصَى الَّذِى جُرِحَتْ
جُدْرَانُهُ بِلهِيبٍ أَدْمَنَ الضَّرَرَا
لَكِنْ تَعُودُ عِيَالُ الظُّلْمِ شَاهِرَةً
قَمِيصَ «عِيسَى» عَلَى سَيْفٍ، عَمٍ، سُعِرَا
لَمْ يَرْحَمُوا الزَّرْعَ مِنْ أَفْوَاهِ طَلْعَتِهِمْ
كَى يَزْرَعُوا فِى الظُّهُورِ الرُّمْحَ وَالدِّرَرَا
سَبْعُونَ سُنْبُلَةً (فِى كُل سُنْبُلَةٍ
أَلْفٌ) قَدِ انْفَرَطَتْ أَرْوَاحُهُمْ هَدَرَا
أَرَى -عَلَى بُعْدِ ذِكْرَى- صَوْتَ مِئْذَنَةٍ
وَالْرُّمْحُ يَقْطِفُهُ مِنْ حَلْقِهَا خَضِرَا
هَذَا سَلامٌ صَلِيبِىٌّ؛ فَقَدْ صَلَبُوا
مُقَدَّسَاتِى بِمَا يُرْضِى الَّذِى كَفَرَا
نَسِيتِ يَا قُدْسُ أن الْجُنْدَ أن قُذِفُوا
مِنْ صُلْبِ لَيْلٍ، مَشَوْا -فَوْقَ الضُّحَى- حُمُرَا
وَعَادَتِ الْقُدْسُ -بَعْدَ الْحُبِّ- أَرْملةً
من الأَذَانِ، تَبَنَّتْ عَيْنُهَا نَهَرَا
لَكِنْ بِهَا امْرَأَةٌ إنْ غَسَّلَتْ يَدَهَا
عِنْدَ الْوُضُوءِ تُغَسِّلْ بِالدُّعَاءِ قُرَى
قَالَتْ: (سَأَبْقَى هُنَا؛ فَالْخَيْلُ عَائِدَةٌ
مِنْ جُزْءِ «عَمَّ»، يُصَحِّى ضَبْحُهَا الظَّفَرَا
سَأَتْرُكُ الْبَابَ مَفْتُوحًا أَرَدِّدُ فِى
سِرِّى -لكى يَسْمَعُوا- الإسْرَاءَ وَالسُّوَرَا
شَعْرِى مَشَانِقُ لِلأَعْدَاءِ، أو لُجُمٌ
وَابْنِى يُخَبِّئُ فِى دُولابِهِ حَجَرَا)
وَمِنْ ضُلُوعِ «صَلاحِ الدِّينِ» قَدْ خُلِقَتْ
حِطِّينُ؛ مُنْجِبَةً ذِكْرَى لِمَنْ ذَكَرَا
فَفَرَّحَ الأَرْضَ بِالْبُنْيَانِ، وَانْبَثَقَتْ
حُرِّيَّةُ الدِّينِ تَرْوِى البَدْوَ وَالْحَضَرَا
هَذَا سَلامٌ مِنَ الإسلام تَعْرِفُهُ
لَوْ -فِى مَكَانِ دَمٍ- مَاءُ الْحُقُولِ جَرَى
وَنَامَ فَوْقَ الْحَصِيرِ الْفَظِّ مَنْ أَمِرَا
وَكَانَ يُصْبِحُ أَغْنَى النَّاسِ.. لَوْ أَمَرَا
وَوَفْدُ كِسْرَى رَأَى الْفَارُوقَ مُلْتَحِفًا
بِالظِّلِّ فَوْقَ سَرِيرِ الرَّمْلِ؛ فَانْبَهَرَا
أَتَاكِ -يَا قُدْسُ- يَمْشِى، حِينَ خَادِمُهُ
عَلَى الْمَطِيَّةِ، يُبْكِى عَدْلُهُ الفِطَرَا
عَلَيْهِ ثَوْبٌ؛ مَشَتْ فِى نَسْجِهِ رُقَعٌ
وَلَوْ نَوَى لارْتَدَى فِى خُفِّهِ الدُّرَرَا
هَذَا السَّلامُ الَّذِى خَافُوهُ فَاطَّبَخُوا
لَنَا سَلامًا، بِطَعْمِ الْجُرْحِ، مُسْتَعِرَا
رَبَّوْا عَلَى شَفَةِ التَّارِيخِ بِنْتَ دُجًى
مِنْ كِذْبِهِمْ، وَلَدَتْ -مِنْ ظُلْمِهَا- ذَكَرَا
مَا وِرْثُ أَحْفَادِ بلْفُورٍ؛ وقَدْ شَبِعَتْ
أُخْرَاهُ مِنْ لَعَنَاتٍ حَمَّرَتْ سَقَرَا!!!
بَيْنَ الْمَغُولِ وَبَيْنَ الإِنْكِلِيزِ وَمَن
سِوَاهُمَا عِشْتِ حُلْمًا مُرْبِحًا خَسِرَا
أَمِيرَةٌ أَنْتِ قَدْ فَاحَتْ عُرُوبَتُهَا
فَأَغْرَتِ التَّاجِرَ الْخُفَّاشَ، والنَّمِرَا
فَلا تَطُوفِى عَلَى كُهَّانِ مَحْكَمَةٍ
تُعَاشِرُ الصَّمْتَ؛ حَتَّى يُنْجِبَا تَتَرَا
وَلا تَهُزِّى عِشَاشَ (الْحُكْمِ) فِى بَلَدٍ
فَتُسْقِطِى قِمَّةً أُخْرَى وَمُؤْتَمَرَا
فَاللوْمُ لَيْسَ عَلَى بِنْتِ الثُّلُوجِ إِذَا
مَا مَشَّطَتْ رَأْسَهَا كَى تَطْرُدَ الْحَشَرَا
أَوْ نَظَّفَتْ ثَوْبَهَا مِنْ بُقْعَةٍ سَرَحَتْ
فِى نَسْجِهِ الْمُجْتَبَى خَزًّا، وَعِطْرَ ثَرَا(ء)
لُومِى الَّذِى فَتَحَ الْجَيْبَيْنِ كَى يَدَعُوا
قُمَامَةَ الْغَدْرِ فِى جَيْبَيْهِ وَالْقَذَرَا
****
مِنْ يَوْمِ أن خَطَفَتْ قُطُّاعُهُمْ طُرُقِى
أَمْشِى عَلَى السَّطْرِ؛ حِبْرِى -لِلْجُنُونِ- قِرَى
تَجْرِى مَعِى مِنْ عِيَالِ الْحَرْبِ قُنْبلَةٌ
مِنْ فَوْقِ سَطْرِى جَوْعَى تَأْكُلُ الْبَشَرَا
وَكُلَّمَا سِرْتُ ساختْ فِى الْجُرُوحِ يَدِى
وَفِى قُبُورٍ، وَأَوَرَاقِى اسْتَوَتْ حُفَرَا
وَالْحَقْلُ يَشْكُو صُدَاعَ الطَّائِرَاتِ؛ فَمَا
رشَّتْهُ إِلا دَمَ الْفَلاحِ وَالشَّرَرَا
قَدْ كَانَ يَرْعَى طُفُولاتِ النَّبَاتِ؛ وَقَدْ
أَمْسَى عَجُوزًا عَقِيمًا يَفْطِمُ الشَّجَرَا
تَنَاوَلُوا قِطْفَ أَطْفَالٍ، وَدَلْوَ بُكًى!
مِنْ قَلْبِ يَعْقُوبَ هَذَا الدَّمْعُ قَدْ عُصِرَا
بَاعُوا النَّبِى بِبَخْسٍ، واشْتَرَوْا وَطَنًا
فى بَطْنِ دَبَّابَةٍ كَمْ ضَاجَعَتْ (دُوْلَرَا)
مَا طَعْمُهُ الْوَطَن الْمَتْبُولُ مِنْ جُثَثٍ
بِلُقْمَةِ الْغَدْرِ، فِى صَحْنِ الدُّجَى نُسِرَا!!
مَا طَعْمُهُ الْوَطَن الْمَسْرُوق مِنْ عَرَبٍ
لَهُمْ دُيُونٌ عَلَى كِتْفِ الظَّلامِ تُرَى!!
شَاءَ النَّعِيقُ بِأَنْ يَبْنُوا عِشَاشَ دُجًى
مِنْ أَجْلِ غِرْبَانِهِمْ قدَّامَنا، وورا
بَاتُوا يَغُزُّونَ أَطْوَالَ الشَّوَارِعِ فِى
جِسْمِ الْبُيُوتِ (كَمَرْضَى أُشْبِعُوا إِبَرَا)
وَتَبْلَعُ الدُّورَ جَرَّافَاتُهُمْ؛ وَإِذَا
شَمَّتْ بِهَا عَرَبًا لَمْ تَرْحَمِ الْجُدُرَا
تَبْكِى الْبُيُوتُ عَلَى أَصْحَابِهَا؛ أُخِذُوا
مِنْ حِضْنِهَا ذَاتَ رُعْبٍ فِى الْقُلُوبِ بَرَى
تَبْكِى عَلَى طِفْلِهَا إِذْ لَمْ يَجِدْ لَعِبًا
إِلا عَلَى سَطْحِ بَيْتٍ؛ يَلْعَبُ الْحَذَرَا
وهَاجَرَ الْبُومُ مِنْ بَرْدِ الشَّمَالِ إِلَى
دِفْءِ الْجِرَاحِ هُنَا، واسْتَوْطَنُوا السَّحَرَا
مَنْ قَالَ: إِنَّكِ أُمٌّ لِلَّذِينَ أَتَوْا
مِنْ صُلْبِ لَنْدَنَ، أو بِكِّينَ أو أُخَرا!!
مَا أَنْتِ أُمٌّ لِغَيْرِ الْعُرْبِ، رَغْمَ أسًى
أَعْيَا حَمَامَكِ حَتَّى مَاتَ أو هَجَرَا
وَفِيكِ أُمِّى، وَفِى قَبْرٍ هُنَاكَ أَبِى
حَتَّى وَإِنْ لَمْ تَلِدْنِى، أو يَكُنْ عَقِرَا
وَفِيكِ أُخْتِى؛ وَإِنْ لَمْ تَشفِ وَجْنَتَهَا
أَصَابِعِى مِنْ دَمِ الدَّمْعِ الّذِى قُهِرَا
وفيكِ طِفْلِى وَجِيرَانٌ لَنَا رَحَلُوا
وَغَيْرُهُمْ مَنْ لَبسْنَا قُرْبَهُمْ عُمُرَا
وَفِيكِ نَحْنُ؛ وَإِنْ لَمْ نَسْقِ أَيْدِيَنَا
بِضَمِّ أَرْضِكِ، أو نُشْبِعْ بِكِ النَّظَرَا
مَا زِلْتُ أَمْشِى عَلَى سَطْرِى إِلَيْكِ، وَلَوْ
لَفُّوا بِهِ عُنُقِى كى يَشْنُقُوا الفِكَرَا!!
السَّطْرُ يُفْضِى إلى سَطْرٍ يُوَصِّلُنِى
لِثَالِثٍ صَحَرَاءٍ سِرْتُهُ سَهَرَا
جَفِّفْ دُمُوعَكَ يَا ابْنَ الْحِبْرِ، كَيْفَ تَرَى
أَنِّى سَأُنْفِقُ نَسْلِى فِى الأَسَى هَدَرَا؟!
لا الْقُدْسُ عَطْشَى إلى حِبْرِ الْعَوِيلِ، وَلا
يَشْفِى الطَّبِيبُ جُرُوحًا رَشَّهَا عَفَرَا
دَمْعُ السَّجِينِ عَلَى الأَقْفَالِ يُصْدِئُهَا
كَسِّرْ بِأُصْبَعِ صَوْتِى خَوْفَ مَا سُطِرَا
فِى آخِرِ السَّطْرِ «سَلْمَى» تَشْتَرِى خُضَرا
فِى الْقُدْسِ مِنْ عَرَبِى يُشْبِهُ البُشَرَا
وَثَوْبُهَا خِيطَ مِنْ طِيْفِ الرُّجُوعِ؛ أَتَتْ
تُؤَرِّقَ الْبُعْدَ بِالْوَصْلِ الّذِى انتُظِرَا
وَقَيْسُ «لَيلَى» امْتَطَى ظَهْرَ الطَّرِيقِ لَهَا
يَسُوقُ بُهْمَ الصِّبَا كَى يُطْعِمَا الفُقَرَا
زَارَتْ مَحلَّ حُلُى، تَصْطَفِى حَلَقًا
وَخَاتَمًا يَتَبَنَّى دِفْئُهُ الأُسُرَا
قَيْسٌ سَيَبْتَاعُهُ من أجل فَرْحَتِهَا
وَوَرْدُ لُقْيَاهُ يَكْسُو وَجْهَهَا نَضِرَا
فِى الْقُدْسِ عَبْلَةُ رَبَّتْ رُوحَ فَارِسِهَا
فِى جِسْمِ حَقْلٍ تَعَافَى.. وَدَّ لَوْ ثَأَرَا
شَرِّبْ حُرُوفَكَ مِنْ يُمْنَاهُ، أن بِهَا
سَيْفًا؛ وَمَهْرًا سَيُرْضِى أهلهَا الْغُرَرَا
دَعَتْ سُعَادُ نِسَاءَ العُرْبِ تَسْمَعُ مِنْ
كَعْبٍ قَصَائِدَ بَعْدَ الْمُلْتَقَى أُخَرَا:
(عَادَتْ سُعَادُ، وَكَعْبٌ قَدْ تَزَوَّجَهَا
فِى الْقُدْسِ، وَابْنُهُمَا طِفْلُ الْهُدَى كَبرَا
وفَّتْ سُعَادُ بِوَعْدٍ كَانَ بَيْنَهُمَا
وَتَابَ عَاصِى الْمُنَى، وَالْخُلْفُ قَدْ غُفِرَا)
لا تَنْسَ يَا قَلَمِى؛ فِى الْقُدْسِ جَارِيَةٌ
فِى كِتْفهَا حَرَقٌ، مَحْبُوبُهَا أُسِرَا
فِى ضَوْءِ نَظْرَتِهِ عَرْشٌ، وَجَيْشُ رُؤًى
ماضٍ إلى الْقُدْسِ حَتَّى يَهْزِمَ التَّتَرَا
فِى الْقُدْسِ مِئْذَنَةٌ فِى رَأْسِهَا رَحِمٌ
فِيهِ هِلالٌ سَيَغْدُو فِى غَدٍ قَمَرَا!!
وسوف تُنْفَخُ رُوحُ السَّيْفِ فِى جَسَدٍ
مِنْ حِبْرِ دَرْوِيشَ، مَخْلُوقٍ لِيَنْتَصِرَا
فِى قَلْعَةٍ بُنِيَتْ مِنْ رَمْلِ أَحْرُفِهِ
لِتَسْكُنَ الْقُدْسُ فِيهَا.. والسُّطُورُ ذُرَا
عَلَيْهِ سُتْرةُ عِشْقٍ؛ خَاطَهَا وَجَعٌ
يَقِى بِهَا الْقُدْسَ بَرْدًا فِى الْقُلُوبِ سَرَى
مُعَسْكِرًا فِى سُطُورِ الصَّبْرِ، مُنْجِبَةً
مِنْ صُلْبِهِ كَلِمَاتٌ، مُنْبِتًا شَجَرَا
قَدِ ارْتَدَى الْغَيْبَ، لَكِنْ عُودُ كِلْمَتِهِ
مَا زَالَ يَطْرَحُ فِى أَقْلامِنَا الثَّمَرَا
****
فِى الْقُدْسِ عُرْسٌ قَرِيبٌ؛ فَامْشِ يَا قَلَمِى!
سَيَطْلُعُ الصُّبْحُ طَالَ السَّطْرُ أَمْ قَصُرَا!
--------------------------
تصالح
قصة بقلم محمد ثابت توفيق
تعللتُ برغبتى فى شراء الجرائد الصادرة هذا الصباح لكى أتخلف عن الركب، فوجدتُ يده أسفل إبطى وسمعتُ صوته العذب يقول:
- سآتى معك..
قال المنسق العام للرحلة على الفور:
- خذا سيارتى لكيلا تسيرا كثيرا..
أجاب صديقى هانئ على الفور:
- بل إن بائع الصحف قريب.
من صغرى لا أحب الطقوس المعتادة فى الرحلات من اجتماع وطرائف ثم تلاوة لأهداف الرحلة، على شكل مزاح أو بصورة جدية، لذا اعتدت التفنن فى الأعذار للهروب الدائم، غالبا طوال فترة السمر هذه، وبعد انتهاء فترة الدراسة الجامعية اعتدتُ الهرب من كل مجموعة أسير فيها لهدف مرحلى غير دائم، ومع الأيام صرتُ أهرب بصورة تلقائية، بائع الجرائد كان أمام بيتى قبيل تحرك السيارة بنا لزيارة لأحد أحياء القاهرة لغرض قاهر..
نظرتُ لهانئ بدقة بعدما سرنا وهتف لسانى بتلقائية:
- لِمَ اخترتَ المسير معى؟
أعرف أنك بالغ المحبة للنظام بخاصة فى تنقلاتك.
ابتسم فى عذوبة فائقة وقال:
- لى ذكريات عزيزة دفنت هاهنا.
- وهذه الصحبة لها فى قلبك منزلة عزيزة أيضا..
- هؤلاء سيبقون معنا طوال الوقت ولكن حى السيدة لن يفعلها..
قال الكلمات الأخيرة بفيض حنان غامر خِلت أن الدموع ستضفر من بينها.
صرنا نبحث عن بائع للجرائد فيما عيناه كانتا تعانقان المكان، الشوارع، الناس، الحديقة العامة الوحيد بمحازاتها قال:
- كانت بالغة القدم عن حالها الآن، وكان أبى، رحمة الله عليه، يأخذ بحبل معه فيربط بين شجرتين ويكون المكان بمنزلة ملعب الكرة الخاص بنا..
كنا نبحث عن بائع الصحف مصداقا لرحلتنا، فيما مرت كلماته بأذنى كأنها عابرة جدا، نجح فى إخفاء تهدج صوته هذه المرة فقلتُ:
- كنتُ أجىء لهنا إبان مراسلتى للجريدة المعارضة الأشهر فى زماننا وكانوا يشعروننى بأن المستقبل لى، وهم إلى جوارى على الدوام، رحم الله تلك الأوهام، مرت بغير سلام استتبعتها أمور كتبها الله تعاالى وكنا فى غنى عنها..
شعرتُ بأنه انداح فى المكان فلم يعد له وجود إلى جوارى، توزع فى المحلات التجارية التى فتحت أبوابها حديثا كجزء من البيوت القديمة، هاهنا كانت سينما باسم دارج توزعت لأجزاء كل جزء مقسم لمحل منفصل..
بعد شراء الجريدة أخذنى من يدى بعيدا عن مجرى الترام المهمل، لحقتُ به فى مستهل التسعينيات وتم إلغاؤه فى نهاية النظام السابق لتوسيع الشوارع فى حجة ظاهرية تغطى على فشله فى إدارته، كان الترام ينقلنا بفطرتنا الطاهرة التى كانت تخيل لنا أننا سنعيد تطهير وجه الكون لما نصل للحزب المعارض ونتواصل مع كبار المحررين، سرنا طويلا، واستمر شروده فينا تذكرتُ قرب موقف السيدة عائشة قول المحرر العام للجريدة منذ قرابة ربع القرن:
- اكتب كلمة الحق كما تريد، وإذا حدث وتعرض لك أحد فالجريدة بل الحزب كله معك، هكذا ينبغى أن يعامل الكاتب فى آفاق نظرتنا للغد المثمر بإذن الله تعالى..
واضطرتنى كلمة الحق للسفر خارج بلدى فى نهايات العهد البائد بلغة العهد الجديد بعدما تنكر السيد المحرر لى وقال:
- أنت تريد التفكير فى حقيقة كل شىء بعيدا عن معايشته، خلقت الحياة كالطعام لنأكله لا لنزينه..
فشلت فى تناول الطعام دون أن أحسن التفكير فيه فسافرت، وعدت، ولما ذكرت الصديق فى نوبة شبيهة بالمزاح بكلماته تناسى.
قلتُ ابتعد عن طوفان الذكرى هذا، قال هانئ لى:
- سأسير بك فى دروب السيدة المملوكية القديمة، هنا كان مخبز وكانت والدتى رحمها الله تأخذ الخبز فتهيأه عجينا ثم تستقدم أحدهم لخبزه بهذا المخبز..
كدتُ أبكى لما لمستُ فيض حنانه بأمه وحسن تذكره لها، بعد قليل قال:
- محل البويات هذا كان يديره صديق دراسة ابتدائية معى وكان والده المسن يضايقه، ترى أين هما.
لما اقتربا من المحل همس فى عتاب للنفس غير خاف:
- أبوه ما يزال حيا!
أرانى مدرسته الابتدائية، وشبت عيناه لداخلها وتهدجت أنفاسه بقوة وهو يقفز فوق الأسوار ويروى بعين الخيال ما كان يفعل مع أساتذته ومعلماته، عند المدرسة الثانوية مسح ببطن كفه دمعة هبطت للفور من عينه، وعند حارة موغلة فى التداخل:
- هنا كان يقيم المهندس محمود فائز..
أعرفه إنه الصديق الذى قاده لحينا المترف ليتزوج وينزحا إليه.
- ما زاد على السيدة زينب الحى الذى عهدتُ سوى هذه الدكاكين التى فتحت أبوابها فى البيوت بغرض زيادة الدخل لم ينجح النظام السابق فى إعادة الحياة للبيوت التى كانت عامرة فى عهد المماليك..
بعض تلك البيوت بالفعل كما هى فى العهد المملوكى سوى ترميم لجزء منها ليكون مسمطا لتناول اللحوم وما شابه.
لدى حارة توقف وتنحيتُ جانبا إذ كان بالفعل يبكى، تمالك نفسه فقال:
- فى هذا المكان ولدت، وتوفى أبى وماتت أمى، وعاشت من بعدهما أختى ثم ارتحلنا جميعا.
احترتُ ماذا أقول له لكنا لما عدنا لم أستطع الإجابة على سؤاله المر:
- أعرف أن الثعلبة تنتج من حدث نفسى.. لكنى سعيد تماما مع زوجى ومصاب بها.
----------------------------------------
قصة قصيرة:
رحم المدينة
بقلم عادل فرج عبد العال
واجهة تتألق فوق محياها "لمبات نيون" مبتهجة.. تعلن أسماء السكان.. تبدو وكأنى للمرة الأولى أشاهدها.. الثانية عشرة منتصف الليل.. توا دقت ساعة الميدان.. الحياة من حولى تدور فى سرعة أدهشتنى.. تلك سيارات آتية من بعيد؛ فكأنها تهوى من علٍ.. أخرى تدور فى فلك الميدان الكبير.. جال دخان تمجه سيارات كثيرة ؛ كأنما هى ولدت توا من رحم الليل، أشياء أخرى من الصعب رؤيتها.. صخب لم أعهده من قبل فى مدينة كانت تتسم بالهدوء..ترى ماذا حدث..؟.. سؤال ظل يلح فى رأسى المتعبة جراء ما أرهقنى به النهار.. صارت أصوات الناس أكثر علوا.. زحام منفر.. رائحة عرق مستفز.. وجوه غير مألوفة لم أعرها انتباها وهى تحملق فى عنوة.. اختفت ملامح قديمة لم تسعفنى الذاكرة لاستردادها من وعاء النسيان.. ذاكرة خربة.. عمن أتحدث؟!.. أتحدث بالطبع عن مدينة يعبث النسيم بشعرها ليلا، ويخرج من جبينها ملامح النهار.. أنا الآن وسط أكبر ميادينها.. صرة المدينة.. منذ ساعة تلقيت آخر الصدمات.. صديقى الطبيب رحت أبحث عنه.. لافتة عيادته أزيلت من موضعها.. وضعت مكانها أخرى لشركة تصدير واستيراد.. خط الثلث الذى كتبتها به غير موجود بالمرة الشرفة سدت بزجاج كالمرايا.. حارس العقار عاملنى بجفاء حين هممت بسؤاله.. نظر لى دون أن يأبه وأشاح عنى بوجهه، وبصوت أجش، وأوداج منتفخة:
- لا أعرف أحدا بهذا الاسم!!..
****
مقعد وحيد فى المقهى المواجهة للبناية ضمنى.. وجدتنى أعيد مراقبة الشرفة.. لا شىء منها يطل.. أين العصافير ؟.. يبدو أنها ماتت.. لعل صديقى أطلق سراحها.. وهو يعشق الحرية، وكذا وجوه الحسناوات وأفلام أنوك أيميه، صوفيا لورين، وكاترين دى نوف، وسعاد حسنى.. من حولى زاد حصار أبواق السيارات، أفزعتنى الضوضاء داخل المقهى، وطوقنى دخان من يثرثرون ويلعبون الورق فى حماس بالغ.. صديقى الطبيب وهو جالس أمامى على مقعد مجاور.. قال لى ذات مرة والبناية يشتد عضدها، وتتصاعد طوابقها إلى الأعلى واحدا بعد آخر:
- هذا مكان عيادتى!!..
أشار إلى الموضع نفسه.. صدقته فى الحال.. راح يلج بى عوالم بعيدة.. كنت أعى تماما أنه "مثلى" لا يملك أى منا ثمن جحر واحد فيها، تبادلنا الضحكات والأحلام.. النادل العجوز قطع شريط الذكريات ولم يترفق بى حين سألته.. راح يثرثر بإسهاب عن قصة زواج صديقه من ابنة الثرى ملك العقار، وكيف حاك الثرى مع ابنته شباكا عنكبوتية لمحاصرة الطبيب، والاستحواذ عليه ومحو هويته.. نفر الطبيب.. ضاق بهما ذرعا.. أنهى النادل كل ثرثرته بقوله:
- هرب بجلده إلى إحدى الدول العربية..
****
دهشة ما اعترتنى.. وجهت لنفسى اللوم بانقطاع رسائلى عنه.. كهل فى السبعين يحتضن حقيبته الجلدية لم يكف عن تقليب ما فيها من أوراق.. شارك فى الحملة / الحديث دون أن يدعوه أحد.. شمر عن ساعد ضئيل.. عدل من وضع نظارته الطبية، وأحكم القيد على أحد ذراعيها الملفوف بما يشبه الجبيرة.. ربت بأصبع مقضوم الظفر على زجاج ساعته التى بانت صدئة.. راح يسرد وقائع بعيدة تماما عن الموضوع "بالطبع أنا فى حل من حكيها".. من بين دخان كثيف لنرجيلة أمامه راح يمج دخانها فى وجهى.. قال لى النادل وهو يمط شفته السفلى وكأنما يلتمس له عذرا..
- مسكين.. حالته صعبة..
ظل الكهل يحكى.. استوقفنى نطقه إلى اسمى ثلاثيا.. نشط ذهنى لكى أقف على معلوماته..
- الدكتور أصيب ب"اللطف" لم يجد بدا سوى الفرار..
****
جاء النادل بفنجان القهوة.. أشار بأصابعه المفرودة قرب أذنه فى حركة نصف دائرية..
- لا تؤاخذه.. الله لطيف بعباده.. منذ ماتت زوجته وهو يطبق على الناس ما حدث له!!..
عبث الكهل بعلبة سجائرى المستوردة الملقاة على الطاولة.. قرأ اسمها فرحا.. مصمص شفتيه، وحدث نفسه هامسا بذكرياته مع هذا النوع.. سحب واحدة أشعلها من فحم النرجيلة الذى تضاءل وهجه.. نظر لى..
- هل تعرف الدكتور كما أعرفه؟..
لم يدع لى فرصة لأن أجيب.. حين عرف اسمى قام فضمنى إلى صدره الناتئ العظام، أعلن فى زهو:
- كنت ساعى البريد الذى يحمل إليه الرسائل.. أذكر رسائلك المعطرة..
استنكرت زعم النادل بما أشار على به، فالرجل جاد.. جلت فى ملامح وجهه.. أخرج من بين ملابسه بطاقة عضوية لنادى كرة القدم العريق فى المدينة..
- غدا مباراة مهمة أدعوك لمشاهدتها.. سنفوز بإذن الله..
ودعته على وعد بلقاء جديد إذا سنحت الفرصة، قال:
- سأنتظر من بعد العصر.. المباراة تحت الأضواء الكاشفة.. الاستاد رائع..
****
تلقفتنى الشوارع شارعا بعد آخر.. أزف ميعاد العودة إلى الفندق بعد نهار شاق.. أخذ التعب منى كل مأخذ.. لا بد أن أنال قسطا من الراحة من تلك الرحلة الممضة.. الفندق أقصى شمالى المدينة.. له موقع استراتيجى عند مدخل القناة.. ثمة شرفة جامحة عن المبنى كله جعلتنى أتخيلها موضوعة فى كف فضاء لا منتهاه.. أطللت منها على كل سفينة عابرة.. وددت لو أمسك طيور الليل بيدى.. ألمس المصابيح المتناثرة.. أقطف منها ثمار الضوء الذى يغبش قليلا فى عينى.. ماء القناة هادئ ساكن يبدو كقديس ورع يتعبد فى محارب وحده.. وطأة الحر خففت يدها عن المدينة فجاء النسيم رقراقا.. المكان ألهب خيالى منحنى باعا طويلا.. تمنيت لو خلقنى الله شاعرا لصغت فى المدينة قصيدة حب عصماء..
مذ حللت فى الصباح كانت المدينة غير المدينة.. رحت أدور فى دروبها باحثا عن أخوة لى بعثرتهم الظروف والأمانى.. كان مدهشا ألا أجد بيتنا القديم.. يسمق الآن مكانه برج أسمنتى بلا شرفات.. واجهته من زجاج.. عليه راية مول تجارى.. تناثرت على مدخله عدة أسماء.. تلفت من حولى كأنى أبحث عن طفولتى البعيدة.. أضحى كل شىء سرابا.. كل ألاماكن ألغيت.. السينما الصيفية علا مكانها برج سخيف البناء.. متجر البن البرازيلى صار محلا لدجاج محفوظ.. محل العاديات أزيل تماما.. بائع الألبان تبدل نشاطه مكتبة الأدوات المدرسية راحت فى خبر كان.. ولت الآن طفولتى بحالها.. ذابت ملامحها سريعا هذه اللحظة أمام عتو الأيام.. أخى الذى يصغرنى بعام قابلته مصادفة فى الطريق العام.. ألهب كفى بمصافحته.. ضمنى إلى صدره بلا حميمية.. اصطحبنى لبيته كان مدهوشا لأننى ما زلت على قيد الحياة..
- مفاجأة يا رجل..
ردد:
- حمدا لله على عودتك.. هل جئت وحيدا؟.. أين إسلام وناهد وأمهما؟..
حيتنى زوجته من وراء حجاب.. قال:
- هى لا تستقبل الرجال..
نظر فى ساعته.. أخبرنى بحلول موعد انصراف ولديه من المدرسة الأجنبية، وأردف:
- معذرة.. لى عمل فى الميناء لم أنتهِ منه قبل حلول المساء.. سنلتقى حتما..
****
على المدينة، وعما يدبر لها بليل من القرارات الاقتصادية.. عن ارتفاع سعر الدولار، ودخول اليورو حلبة الصراع اللاهث وراء لقمة العيش، لما سألته عن نصيب لى فى تجارة كانت لأبى.. لم يمتقع وجهه.. توقف بسيارته.. أشار:
- هنا بيت أختك.. سوف تحكى لك بالتفصيل دقائق الأمور..
فتحت أختى صدرها تستقبلنى وبين أسنانها كانت تلوك قطعة من العجة.. أساورها تنبئ عن سعة ويسار زوجها.. من خلفها جاء يتهادى كفيل كبير.. ضم يدى بقسوة.. ابتسم فى وقار.. غير من لهجته القديمة مزجها بفرنسية ممجوجة.. نفحنى سيجارا من نوع الهافانا:
- أعرف أنك تحبه..
أشعلها لى بقداحة مذهبة قدمها لى هدية، واستخرج غيرها من جيب بدلته الداخلى..
- هدية رغم أنك عائد من السفر..
قالها وراح يمط شفته السفلى ويرفع حاجبيه إلى أعلى.. وضع ساقا فوق أخرى.. لمع الحذاء.. بدا متناسقا مع لون ملابسه.. أشار لرباط العنق:
- إنها من باريس.. آااه.. قبل أن أنسى.. أنت مدعو لحضور حفل استقبال تقيمه الغرفة التجارية الليلة لرجال أعمال من شرق أسيا قدموا لزيارة المدينة.. سيتخلله عشاء من خيرات البحر.. هناك سيدات أعمال.. نسوة سيحضرن.. أعرف أنك تحب النساء كثيرا.. هن رحمة لنا..
خفض من صوته مع قدوم أختى.. ناولتنى عصير الفاكهة، وانسحب هو مودعا إياى على أمل اللقاء.. جاء بعده شاب فى نحو العشرين من عمره.. سلم برقة..
- هل أنت خالى حقيقة؟!..
تبسمت موافقا ظرفه.. أصر أن يرى جواز سفرى ليتأكد.. ردد:
- لكنه ليس اسمك "أوه".. إذن لك اسم حقيقى وآخر للشهرة..
****
حكت له أمه بإفاضة قصة الاسم.. سخف من دوافع التسمية.. ردد كببغاء عدة أسماء للشهرة وصفها بأنها حديثة ومواءمة لأى إنسان بدلا من تلك الأسماء الجامدة والمبهمة:
- هل عدت لتقيم مشروعا تجاريا؟.. هناك مول جديد لا بد أنك تعرف موقعه.. ملك لأخوة أحدهم صديق لى..
نادته أمه من المطبخ أسرّ هامسا لى قبل أن يغادر:
- هل معك دولارات؟.. لى صديق يشتريها بأعلى سعر فوق السوداء..
لما أجبته بالنفى استنكر:
- كيف؟.. وماذا عن رحلتك التى بطول ربع قرن؟..
ملصت أمه أذنه على سبيل الدعابة.. سألتنى عن أى نوع طعام أحب تناوله.. أجابت هى:
- أعرف أنك تعشق الأسماك..
- حقيقة بودى أن أتناول شيئا منها، لكن نفسى اليوم عافت أى طعام..
- لا تسلنى عن ميراث أبيك.. ملاليم ضاعت على علاجه قبيل وفاته..
تذكرت يوم موت أبى صيف العام الأول.. عدت للزيارة.. كان يشكو من بعض أمراض الشيخوخة.. درت به عند أطباء العاصمة ضاعت حصيلة السنة، لكن صوت دعاء أبى لى ظل يسكن أذنى:
- اللهم زد فى رزقه، وبارك له فى ماله وعياله..
عدت وإياه من لدن أشهر أطباء مصر.. تبادلنا الضحكات معا كصديقين بينهما علاقة ود.. بعد انتهاء الطبيب من مهمته.. سلمنى التذكرة التى تحمل العلاج.. ربت على كتف أبى:
- أسمع صوتك فى الهاتف مساء الغد..
بالطبع لم يسمع صوته مرة أخرى.. فى الصباح.. كانت روحه قد فاضت لبارئها، وقبيل المساء.. وسدناه الثرى..
****
ثمة نسمات داعبتنى إلى النوم على وسادة الريح الطرية.. كنت أمهد لرحلة العودة.. لأمضى وأسرتى باقى العمر فى المدينة.. بعد طول اغتراب وجدتنى فى حيرة من أمرى.. أسعار فلكية للشقق.. انفضاض الناس الذين أعرفهم.. سألت نفسى عن السبب: لماذا تكشر المدينة الآن عن أنيابها.. هفهفت نسمة قصية ذكرتنى بعبق أيام بعيدة.. كانت ثمة سيارة عابرة لعاشقين جلبت إلى عطر ماض جميل.. أين صاحبة الذكرى تلك التى أحببتها قبيل سفرى وتواعدنا على الزواج؟.. ظنت أنى هربت منها.. عرفت –بعدئذ– أنها تزوجت منه.. فى عام 1973 كان أحد الفارين من الميدان زمن الحرب المجيدة.. اسمه ارتفع على لافتة كبيرة.. تحتل مكان سامقا على متجر كبير.. سأطلب من موظف الاستقبال فى الفندق أن يوفر لى فى الغد مقعدا فى طائرة تقلع مبكرة صباح الغد عن أرض الوطن.. لم يغمض لى جفن طوال الليل.. فى الصباح.. انسلت الشمس من مخبئها.. ألقت بشعاعها الذهبى على النافذة.. داعبت وجهى فى نعومة.. هاتفت موظف الاستقبال:
- أرجو أن تلغى موعد السفر.. سأبقى فى المدينة..
رحت ألقى بتذكرة السفر فى الماء.. ابتلعها البحر بلا تردد، وزفر موجة خفيفة.. ثم ابتسم..
------------------------------------------------------
قصة قصيرة:
(ركن ناءٍ من الذاكرة)
بقلم: علاء سعد
فتح عينيه من بعد نوم عميق.. شعر باختناق.. المشهد من حوله كان مختلفا.. ليس كما تعود دائما. اختفت من حوله أشياؤه المألوفة. قام ليتفقد ما حوله. إنه فى مكان غريب.. لا شىء من حوله.. إنه فى وسط اللامكان. ما الذى جاء به هنا؟! وماذا حدث له؟! أن آخر ما يتذكره هو أنه أغمض عينيه ليلا لينام، وكان ما حوله كما هو. أخذ يحدث نفسه: هل مات وانتقل لعالم البرزخ؟! لا.. لا.. إنه حى.. حى.. فقلبه لا يزال يدق وعروقه تنبض بالحياة. هل يمكن أن يموت الإنسان وهو حى؟! انتظر.. وانتظر.. لا يدرى لكم من الوقت؟! أصبح الوقت بلا قيمة. ترى هل هناك نهاية لما هو فيه؟! أخذ يواسى نفسه.. نعم فلكل بداية نهاية. أغمض عينيه، فربما يرتاح قليلا. تراءى له شريط حياته تتابع صوره، سريعة.. سريعة.. فرح، حزن، ألم، ندم.. ندم.. ندم.. صور تتدفق ولا تتوقف. أخطاء حياته تتجسم.. أشخاص شريرة تهاجمه. تريد أن تقضى عليه. يهرب منها ولكن إلى أين يذهب؟! الخير يتجسم، شخص واحد.. ضعيف.. آتى من ركن ناءٍ.. هل يفيده فى صراعه؟!.. لا.. لا. ماذا يفعل؟! لا يدرى!! تمنى لو كان الخير داخله أقوى. ولكن ليس كل الأمنيات تتحقق. فى الخلفية جاءه الصوت عاليا: "قررت أغير حياتى وأبدأ حياتى من جديد"... فتح عينيه.. عادت الصورة من حوله مألوفة. إنه فى غرفته وصوت منبه هاتفه المحمول ما زال يكرر نغمته: "قررت أغير حياتى وأبدأ حياتى من جديد". لقد كان نائما واستيقظ. هل كان كل ما مر به مجرد حلم؟! نعم.. نعم. ما زال هاتفه المحمول يكرر نغمته. إنه يسمعها اليوم بمعنى جديد. شعر بالانشراح والفرحة. ما زال لديه وقت...
(تمت)
--------------------------------
مترو
قصة خالد الطبلاوى
نفس الأسئلة التى أسألها كل مرة حين تعانق قدماى الأحياء القاهرية وكأن شيئا بداخلى يرفض التجانس معها، حتى ولوجى المتكرر لمترو الأنفاق من محطة المظلات لم ينج هو الآخر من أسئلتى التى هرمت تكرارا:
- ما هو الاتجاه الذى يؤدى بى إلى محطة العتبة؟
أعين العاملين بالمترو وألسنتهم ملت، فكلفت أياديهم بالرد بإشارات مرتخية تعبر عن القرف، ولا تدل بقدر ما توثق معرفة معتقة.
إلى الآن لم أتقن الوقوف فى المكان الذى يؤلف بينى وبين عربات الرجال أو بالأحرى العربات المسموح للرجال بالركوب فيها فهى مختلطة، ما زلت أسير بسياسة «بختك يا أبا بخيت»، ولكن الحمد لله العربة التى خطبت ودى يبدو من وراء زجاج بابها رجال كثر.
قفزت بسرعة إلى الداخل بينما الرجال ينصرفون إلى العربات الأخرى التى بدت كحامل على مشارف الوضع، فعزز ذلك فى نفسى شعور بحسن تصرفى وبله الآخرين.
أخذت عيناى تتفحص العربة كالشرطى الذى يبذل جهده فى كشف مسرح الجريمة ولا يحاول منعها من الأصل، ما هذا؟ العربة من الداخل كلها نساء، إذن ما شأن هذه العصبة التى تعطى عنوانا آخر للعربة؟، ظهر الارتباك على وجهى مع نظرات مستهجنة من بعض النسوة لرجل تبدو عليه أمارات الالتزام، وراح خيالى يسرد لى ما يقلنه عنى من انفلات وقلة احترام.
أما الزمرة التى تلتف حولى من الرجال فقد أجابوا على تلفتى وتساؤلاتى ببرود وملل:
- نعم يا سيدى حريمى ولكنا قلبناها مختلطة، فانزل إن كان لا يعجبك.
ثم انقلب الحديث كالعادة ليصبوا الوبال على الثورة والرئيس وأخونة المترو، وأنه لا شك أن زوجة الرئيس تدخلت لديه ليمنع أى تغيير يعيد للرجال حقوقهم المغتصبة حيث أصبحوا ثلث المجتمع بعد تفرد النساء بعربات خاصة بهن، فى حين أنهن يشاركن الرجال فى بقية العربات وقد استمع الرئيس بلا شك لأوامرها فهو من الإخوان والإخوان خ...
وأصبحت أنا بلحيتى القصيرة التى تشبه بقايا نبات القمح بعد حصاده مرمى للمهاجمين من الجنسين.
قطع المترو محطتين انتقل خلالهما من نور المحطة إلى ظلام النفق، فذكرنى بالليل والنهار والحق والباطل والدنيا والآخرة، ولم أستطع خلال المحطتين اتخاذ موقف؛ فقد كانت التعليقات الساخنة من بعض الشباب تضطرنى للحوار، ولم يكن تأخرى هذا ليدفع تهمة أخونة المترو، بل صار دليلا استخدموه ضدى فى حرفية عجيبة حيث أننى كملتزم لم أنزل من عربة النساء وقد وقف المترو مرتين.
أحسست بإحراج بليغ ذكرنى بوالد زوجتى -رحمه الله- حين أخطأ هذا الخطأ منذ خمسة عشر عاما وتم تغريمه بمبلغ عشرة جنيهات، وكيف اتخذها ابنى البكر وسيلة تأريخ للأحداث فيقول: حدث هذا قبل أو بعد ما ركب جدى فى عربة النساء.
المهم أننى وصلت لمرحلة من سخونة المشاعر أقسمت على نفسى نتيجة لها أن أنزل فى المحطة القادمة مهما كان الأمر، أبطأ المترو ليدخل المحطة، فُتح الباب فنزلت بسرعة وهم مستمرون فى حديثهم، تنفست الصعداء ولكنى لم أبرح مكانى قبل أن يعنفنى شيخ كبير بصوت عال وإشارات يدوية تدل على الغضب إذ رآنى أهبط من عربة النساء قائلا:
لو أن الأمر بيدى لدعوت لك من يغرمك ولكن ثورتكم علمت العاملين بالمترو التسيب، ألا تستحى من لحيتك.
-------------------------
شموخ
شعر
أشرف محمد
جاءَ الصّديقُ وقالَ لِى صَدْرى يَمُورُ بِداخِلى
عِندى كثيرُ تَسَاؤلٍ هلا أجبتَ تسَاؤلى؟:
إنّى هَمَمْتُ بظنِّ سُوءٍ فى القضاءِ العادلِ
بِقُضاةِ محكمةٍ لها الدّستورُ شُغْلُ الشّاغِلِ
دَوْما تَرى أحكامَهم لا تُستساغُ لِعاقلِ
أحكامُهم دَوْما تُخَيِّبُ مِنْ رجاءِ الآمِلِ
بِقَرارِهم تلقى صُدورَ النّاسِ مِثلَ المِرْجَلِ
وتَخَصَّصوا دوْما بإصدارِ القرارِ المائلِ
وتلقَّفوا بعضَ النُّصوصِ تلقُّفَ المُتحايِلِ
مِن قبلُ حَلُّوا مَجلِسا للشِّعبِ دون تَمَهُّلِ
وهناك أحكامٌ لها عشرون عاما تُهملِ
وتعلَّلوا بالثلث والثلثين أمرٍ هازلِ
وتأَوَّلوا بعضَ النُّصوصِ بحرفةٍ وتَحَايُلِ
عبَدوا الفروعَ من النّصوصِ كمثلِ وحى مُنزَلِ
وتجاهلوا نصّا بِشِرْعَتِنا كحلٍّ أمثلِ
إن الشريعةَ كم بها خيرٌ بنصٍّ عادلِ
دَرْءُ المفاسدِ قبل تحقيقِ المصالحِ يعملِ
والنص حمَّالُ الوجوهِ للاختيارِ الأمثلِ
والحكمُ دارَ مع المصالحِ دوْرةَ المُتواصلِ
وبها المصالح باعتبارٍ ثابتٍ أو مُرسَلِ
وبها ارتياحٌ للضميرِ لقاضى حُكمٍ عادلِ
وبها الوضوحُ بلا التباسٍ أو جدال مجادلِ
**
أين المصالح فى ذَهابِ البرلمانِ الأوَّلِ؟!
مِن بعد مالٍ أو جهودٍ كم لها مِن باذلِ
أين المصالحُ فى انتخاباتٍ لجيشٍ عاملِ
يَدَعُ الحدودَ لكى يُصَوِّتَ وهو خيرُ مُقاتلِ
أين احتمالات البراءة فى القرارِ الماثلِ
بالأمس فى ثُلُثٍ أتى بطلانُ كُلٍّ كاملِ!
واليومَ فى ثُلُثٍ بقى الثلثان دون تدخُّلِ!
ما الفرقُ ما المقياسُ عذرا إن كرهتً تساؤلى
ما الثلث والثلثان تفرِقُ غيرَ قيدِ أناملِ
إِنْ قِيسَ ذلك باكتمالِ مؤسساتٍ تعملِ
دَرْءُ المصالحِ عندهم هدفٌ أصيلٌ أوَّلى
جلبُ المفاسدِ قدَّموا بمُبَرِّرٍ وتَأَوُّلِ
وبِلَىّ أعناقِ النُّصوصِ لهم جديلُ حَبائِلِ
**
والحكمُ فى الشورى يرَى تحصيلُ أمرٍ حاصلِ
لكنهم قد أخرجوه بفتنة وتَبَلبُلِ
وبِلَفْظِ بُطلانٍ وحَلٍّ عندهم كتوابِلِ
فالحلُّ والبُطلانُ مُتعتُهم كذاك تخيُّلى
ولهم تلاكيكٌ لتمريرِ الهوى بتَأَوُّلِ
يتفننون بكل أمر للنهوض مُعَطِّلِ
وإشارة المخلوع كانت مثل أمرٍ فاصلِ
هى عندهم أمر السيادة دون أى تدخل
ويعيِّنُ المخلوع منهم من يشاء ويعزل
فيسبحون بحمد ذاك المنعم المتفضل
لا ثلث لا ثلثين تفرق ما يشاءُ سيُغْزَلِ
واليوم جرأتهم تزيد على الرئيس الفاضل
يتربصون ليظهِروه كعاجزٍ أو فاشلِ
وتظل مرحلة انتقالٍ دون أى تحول
هم يستغلون الحصانة فى التكبُّرِ مِن عَلِ
من قبل ما حفِلوا بتزوير انتخاب هائلِ
إذ طالما وجدوا الهبات مع المناصب تُبذلِ
إنى أرى الأولى بهم ردّ الحقوق كما يلى:
عودٌ لمجلسِ شعبنا بعد اعتذارٍ كاملِ
أو يَسِّروا القانون دون وجودِ شرطٍ مُعضِلِ
أدّوا الحقوقَ ومَهِّدوا للقاءِ يومٍ مُذهِلِ
**
أرأيتَ لو لم يهدِموا فى البرلمانِ الأوَّلِ
أرأيتَ لو لم يفرِضوا تصويتَ جيشٍ عاملِ
أرأيتَ لو لم يخلطوا الحكمَ الأخيرَ بباطلِ
أَوَ كان ينقصُ مِن عدالتِهم كحبَّةِ خردلِ؟!
فالعدلُ ليس بقالبٍ فى جزءِ نصٍّ خاملِ
العدلُ فى ذاك الضميرِ بقلبِ قاضٍ عادلِ
أخذ النصوص جميعَها بتوازنٍ وتكاملِ
ورَعَى مصالحَ شعبِه هى فى المقام الأول
وله بفقهِ الأولويةِ خبرةٌ بتعقُّلِ
أحكامه ترعى المصالح دون أى حَوائل
وترى التوازى فيهما بتناسقٍ وتساهل
**
قل لى متى الكابوس عن مصرَ الحبيبةِ ينجلى؟
فأجبتُه: مَهلا أخى فالخيرُ للمُتمهِّلِ
أحسن ظُنونَكَ ثمَّ لا تَهْلِكْ أَسَى وتَجَمِّلِ
فقضاؤنا عدلٌ شريفٌ شامخٌ فى المُجمَلِ
لا تَحْكُمَنَّ بدون علمٍ أو بدون دلائلِ
كِلْهُم إلى نياتِهم مُتَجاوزا بتفاؤلِ
والله مُطَّلِعٌ على مكنونِهم ودواخلِ
ورسولُنا وَصَفَ القضاةَ مُقَسِّما بشمائلِ
فَتَرَى بأنواعِ القُضاةِ ثلاثةً لِمُفَصِّلِ
ثُلُثٌ سيدخلُ جَنَّةً وبها يفوزُ ويَعتلى
هذا الذى طردَ الهوى وقضى بعلم شاملِ
ورعى مخافةَ ربِّه فأتى بحُكمٍ عادلِ
والباقى قد مَزَجَ الهوى والجهل رُدِّ لأسفل
**
والله نسأل أن يُعيد بلادَنا للأفضلِ
ويعودَ صرحُ قضائنا لشموخه كالأول
ونرى بمصر تقدُّما بمشاعل وشمائلِ
**


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.