منذ ما يزيد علي شهر، ومع مناسبة اداء القسم، القي الرئيس السوري بشار الاسد خطابا تضمن فقرة ساخنة تقول لن يمضي هذا العام، وربما اشهر منه، الا وقد تبدل وجه المنطقة وربما العالم ايضا . وبعد فترة وجيزة زار الرئيس الايراني احمدي نجاد سورية والقي كلاما مماثلا يتحدث فيه عن (صيف ساخن)، وبمناسبة مرور عام علي حرب تموز (يوليو) اللبنانية ضد العدوان الاسرائيلي، قال الشيخ حسن نصر الله الامين العام ل حزب الله ، كلاما اشد سخونة (عن المفاجأة الكبري التي ستقلب وجه المنطقة.. اذا ما حاولت اسرائيل العدوان علي لبنان . وفي المناسبات السياسية والمحافل الاجتماعية سيقول رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الاستاذ خالد مشعل بان اسرائيل ستزول من الخارطة بعد سنوات قليلة بعون الله). وفي المدركات السياسية، فان الاجتماع علي فكرة واحدة، من رؤساء ومسؤولين كبار، وفي مرحلة زمنية متقاربة، انما يشير الي امر حقيقي ما يختبئ وراء كواليس امنية من الطبيعي الا يعرفها الشعب. وبسبب من انعدام هذه المعرفة (كونها في خانة المفاجأة)، فان ثمة استنتاجات شعبية متفاوتة تذهب من رأس المروحة الي ادناها، فهناك من قائل بأنها تهديدات ردعية استباقية كي لا تفكر اسرائيل (بشخص وزير دفاعها باراك المولع بالحروب..) بالقيام بشن عدوان مفاجئ ضد حزب الله في لبنان، او ضد سورية، خاصة وان الحشود والمناورات العسكرية الاسرائيلية تجري علي قدم وساق في اراضي الجولان المحتل. وهناك من قائل آخر، يدعي علم الغيب فيؤكد علي اتفاق سوري ايراني بدخول حرب مباشرة مع اسرائيل ان هي اقدمت علي عدوان جديد سواء ضد لبنان او سورية او كليهما معاً، ويشفع مع هذا الاستنتاج معني (المفاجأة الكبري) التي قال بها الشيخ نصر الله. وهناك من قائل ثالث، يتحدث عن اسلحة حديثة ومتطورة (خاصة الصواريخ) التي يمكن ان تنال من تفوق الطيران الاسرائيلي، او انها تستطيع ضرب كل موقع في الخارطة الاسرائيلية دون استثناء. وهناك من يستند الي توكيدات روسية حديثة، بانها لن تسمح بضرب ايران او العدوان علي لبنان وسورية، خاصة وان سوء العلاقات الروسية الامريكية قد وصل الي الذروة بسبب الدرع الصاروخي الذي تريد امريكا اقامته في الدول الشيوعية السابقة والواقعة علي الحدود الروسية مما يهدد الأمن الروسي شر تهديد. وفي حرب اقليمية محصورة بين اطراف، فان القول بتبديل وجه المنطقة، مراهنة قد تبدو خارج المألوف بحكم تجارب الحروب العربية مع اسرائيل، لكن هذه المراهنة تبدو اكثر ميلا للتحقق، اذا تمت المقارنة مع وقائع حرب تموز اللبنانية وما سينطوي عليه تقرير لجنة فينوغراد الاسرائيلية دون حاجة لمزيد من المساجلة. من جهة اخري، فان التحليل يبدو ناقصا اذا فهمت مقولة (تبديل وجه المنطقة) من خلال نظرة احادية، فهذه المقولة تعني خيار شمشون، اي ان هذا التبديل لوجه المنطقة، لا يمكن منطقيا ان يتحدد في خراب الكيان الصهيوني فحسب، بل يطال كامل المنطقة المنخرطة في القتال. علي ان العرب يتحملون، لكن اسرائيل وحدها هي التي لن تتحمل، حتي مع افتراض التهديد باستخدام الاسلحة غير التقليدية في النزاع. واذن فان القول بتبديل وجه المنطقة، امر ممكن بل ومستحسن، حتي لو كان من قبيل التهديد الاستباقي. اما القول بتبديل وجه العالم، فان الرهان الاستنتاجي يبدو مجازفة مبنية علي وقائع غير اقليمية بل وعالمية، اذ لم تصل دولة لا في منطقتنا العربية او الآسيوية، ولا حتي في قارات آسيا واوروبا.. الي مستوي الحديث عن تبديل وجه العالم، فالقرن ما زال لأمريكا، سواء في الاقتصاد او التسلح وكامل ما يحمل قرن العولمة من استثمارات تريليونية وتكنولوجيات وصناعات وعلوم نظرية وتطبيقية ارضية وفضائية وعسكرية حيث ميزانية الدفاع الامريكية تساوي نصف موازنات العالم أجمع. ان القول بتبديل وجه العالم، يحتاج الي قوي عالمية مع تزامن مراحل لم يئن اوانها بعد، ولسنا علي يقين ان قرن امريكا بات اليوم في حالة افول قريب، اذ ما زال في القرن فضلة من بقايا غطرسة امريكية، غير اننا نستشعر هنا، مدي الحرارة التي ارتفعت في خزان العلاقات الدولية، حيث بداية المحور الذي يراد له ان يكون تعويضا عن حلف وارسو القديم، فميثاق شانغهاي الجديد، بين روسيا والصين مع اربع دول اسلامية من عهد الاتحاد السوفييتي، انما يشير الي قرب ولوج مرحلة عالم غير ذي قطبية احادية، مثلما هي (نهاية التاريخ) في ظل نظام دولي جديد، ورغم ان ميثاق شانغهاي منذ سبع سنوات ظل يرمي في مقاصده التأسيسية الي محاربة الارهاب، خاصة وهو يتزامن مع احداث ايلول (سبتمبر) الامريكية، الا انه انقلب الآن، الي ميثاق حلف عسكري واقتصادي روسي صيني، يريد لأقدامه ان تطأ ارض النزاع ضد تفرد الولاياتالمتحدة بهذا العالم دون شراكة من احد. فالمخاض الذي تنبأ به العالم، منذ اصطناع النظام الدولي الجديد، يجد فرصته في الولادة اليوم، فمنظمة شانغهاي هي المحور الممانع الاول، لحرية الحركة الامريكية باتجاه التهام العالم، تحت ذرائع سخيفة يهزأ منها الامريكيون انفسهم، ولعل الحثالة البوشية هي آخر ما تبقي في قاع الكأس الادارية لواشنطن، اذ ما من ادارة امريكية سابقة، استطاعت ان تجمع العالم والشعوب علي معاداة امريكا مثل هذه الادارة، فقد بدأت بصليبية الحرب علي الاسلام، ثم انتقلت الي حرب المدفع والدولار ضد كوريا الشمالية، وفي ممارساتها الغبية، اضاعت الحديقة الخلفية اللاتينية من ورائها، وها هي اليوم، بممارساتها الاقتصادية والتجارية توقظ التنين الاصفر في الصين، واما الدرع الصاروخي في اوروبا الشرقية، فقد ايقظ بل وجددته عداوة الروس التاريخية للادارات الامريكية.. فاذا كان للادارة الامريكية مثل الصديق بوش فما حاجتها الي الاعداء؟ ان البناء علي حركة العلاقات الدولية بين الكبار، لا يحقق مغامرة القول بتبديل وجه العالم. اذ رغم احياء روح العسكرية السوفييتية في روسيا اليوم، الا انه من الجلي رغم اقتراب الطائرات الاستراتيجية الروسية من قواعد امريكية في شرق اوروبا ان اليقظة الروسية الصينية الجديدة، لا تروم التصعيد الي مستويات لا يحمد عقباها، فالعالم لن يجد نفسه بعد حرب كونية ثالثة، وهو ما تعرفه امريكا وكذلك الصين وروسيا، فايقاظ الطائرات الاستراتيجية بعد سبات دام خمسة عشر عاما، يفترض ايقاظ جميع الاسلحة غير التقليدية الاخري، باعتبار ان الطائرات الروسية الاستراتيجية حاملة للعديد من الرؤوس النووية، ومهما كانت حافة كوبا (الأزمة الكوبية في الستينات) تقترب من المشهد، الا ان السياسات الروسية الصينية تعمد الي حافة الهاوية وليس الهاوية ذاتها، ولعل السياسات الامريكية الخارجية، هي المسؤولة عن ايقاع العالم في البؤرة الخطرة، فأمريكا تمارس سياسات مجمعها الصناعي العسكري الذي حذر منه ايزنهاور في خطابه الوداعي، لانه سيقود الولاياتالمتحدة الي حروب لا تنتهي، وحتي مصالح المجمع المذكور التي يراد لها ان تكون علي حساب مصالح جميع شعوب العالم، فانها غير كافية للتعليل، فقد دخلت الي جانبها مصالح شخصية لذوي مراكز القرار في الادارة الامريكية، وما غزو العراق الا جزءا من مصالح عائلة نفطية بوشية، تجد احلافها في ذيول عائلات نفطية اخري.