لا يترك عبدالفتاح السيسي، رئيس النظام، فرصة تتاح أمامه إلا ويستغلها في شيطنة التيار الإسلامي واتهامه بالإرهاب وعدم الوطنية والتسبب في الدمار الحاصل في العالم، وهو ما كرره اليوم الأحد، لكن أمام الحزب الشيوعي في الصين! السيسي، الذي يزور الصين حاليا، قال خلال لقاء مع طلاب أكاديمية الحزب الشيوعي الصيني في العاصمة بكين، إن "الإسلام السياسي انتهز الفراغ الذي نتج عن ثورات الربيع العربي، لاستغلال الفرصة والوصول إلى الحكم وتولي السلطة، دون اكتراث منها بأهمية الحفاظ على الدولة الوطنية أو سقوطها، وبفهم خاطئ لحقيقة الواقع الذي تعيشه المنطقة وشعوبها ولمفهوم الدولة". حديث السيسي ليس بالأمر الجديد، فهو منذانقلابه يتخذ من مكافحة الإرهاب "الذي كان محتملا" حجة بل وسند للبقاء في منصبه، لكن الملفت في حديث السيسي اليوم، هو المكان والزمان. تصريح السيسي جاء بالتزامن مع ما نشرته لجنة تابعة للأمم المتحدة، تتهم الصين بالتمييز العنصري ضد أقلية الإيغور المسلمة، واحتجاز أكثر من مليون شخص من الإيغور، بشكل غير قانوني في ما تسمى معسكرات إعادة التثقيف السياسي شرقي الصين. اضطهاد الإيغور لجنة القضاء على التمييز العنصري، نشرت تقريرا، أول أمس الخميس، من إعداد خبراء أمميون في مجال حقوق الإنسان، اشتمل على انتقادات للتعريف الفضفاض الذي تتبناه الصين للإرهاب والنزعة الانفصالية. وتحدثت اللجنة عن إبقاء كثير من الإيغور قيد الاحتجاز بإقليم تركستان الشرقية (شينغيانغ) دون توجيه أي تهمة ومحاكمة بحجة الإرهاب والتطرف الديني ينذر بالخطر. وأكد تقرير اللجنة أن شعب الإيغور يتعرض لمراقبة جماعية مفرطة، حيث يجري توقيفهم بشكل متكرر عند حواجز الشرطة، وفحص محتويات هواتفهم المحمولة، وأخد عينات من حمضهم النووي، وتجاهل طلباتهم للسفر خارج البلاد لسنوات. وأبدى الخبراء الأمميون في التقرير قلقهم العميق على خلفية ما يتواتر من أنباء حول خضوع معتقلين للحبس الانفرادي لمدد طويلة، وتعرضهم لأنماط من التعذيب والمعاملة السيئة. على الجانب الآخر، أعلنت الصين رفضها القاطع لكل ما جاء بتقرير اللجنة الأممية، نافية وجود معسكرات احتجاز لأقلية الإيغور، وقال متحدث باسم وزارة خارجيتها إن خلاصات التقرير لا تستند إلى وقائع، وأضاف المتحدث أن بكين "تقوم بما هو ضروري لمحاربة التطرف والإرهاب في المناطق الحدودية الشرقية للبلاد". السيسي يستغل الأزمة اختار السيسي الزمان والمكان المناسبين هذه المرة لشن هجومه على التيار الإسلامي، فالمكان هو الصين، وتحديد أكاديمية الحزب الشيوعي، وربما لا يعرف كثيرون أن الأكاديمية تعتبر أهم المؤسسات التعليمية في الصين، وهي المسؤولة عن تدريب المسؤولين والقيادات وتأهيلهم لتولي المناصب العليا. ومعروف أن سياسة الصين ضد أقلية الإيغور قائمة على الاضطهاد، بحجة توحيد صفوف الصينيين والقضاء على أي فرصة للاختلاف، في ظل عبادة الصين للإجماع في كل شيء، وتوحيد صفوف الشعب دون مراعاة الخلافات البينية بين الطوائف المختلفة، وهو ما يعني أن أي حديث هنا ضد الإسلام السياسي، سيرفع من مكانة قائله وربما يسهل له المهمة التي جاء من أجلها، في ظل ما قد يثيره "الإسلام السياسي" من غضب في نفوس الصينيين، وهو ما حاول السيسي انتهازه واللعب عليه، ربما للحصول على قروض او وعود بالاستثمار في مصر التي يعاني اقتصادها انهيارا حادا. أمام عن الزمان، فكما قولنا آنفا، إن تصريح السيسي يأتي عقب انتشار الحديث عن الاضطهاد الذي يعانيه الإيغور من قبل السلطات الصينية، ما يجعل الصين ترحب بالطبع بأي هجوم على "الإسلام السياسي" في هذا التوقيت، للتأكيد على شرعية حربها واضطهادها لأقلية الإيغور المسلمة. الصين تنفي وجود معسكرات إعادة التربية ومحو التطرف في شينجيانگ "شينغيانغ"، بينما ينشر الأويغور المهاجرون تفاصيل عن تلك المعسكرات ونظامها، حيث دخلها نحو مليون تركستاني من الأويغور، لفترة تتراوح بين 2-3 أشهر، وفي خضم هذه الأزمة، حاول السيسي ان يلعب ببراجماتية ربما، معتمدا في ذلك على مخزون الكراهية والحقد الذي يكنّه في صدره للتيار الإسلامي، على أمل أن يثمر ذلك عن "رز صيني" او حتى استثمارات تستر عورة نظام السيسي واقتصاده. رهان فاشل ما لا يعرفه السيسي -او ربما يعرفه ويتجاهله- هو ان الصين ممنوعة من الاستثمار في مصر التي تصنف على انها مستعمرة أمريكية خالصة، لذلك تبقى كل الاستثمارات الصينية الحيوية مجرد أوهام لا توجد على أرض الواقع، وتكتفي الصين بتصدير الاحتياجات المعيشية لمصر، والتي تدر عليها دخلا عملاقا، بينما لا تحاول مطلقا إثارة غضب أمريكا بإقحام نفسها في الاستثمار في مناطق محرمة عليها، ولعل هذا ما يشرح أسباب فشل المنطقة الحرة الصينية في العين السخنة. الصين لا مانع لديها في بيع منتجاتها لمصر، ولكن بدون استثمار صيني، أي على مصر تحضير المبالغ المطلوبة لشراء تلك المنتجات بدون خدمات مالية من الصين. تتفادى الصين الاستثمار في مصر منذ 2008 غالباً بسبب تحذير أمريكي للصين أن مصر منطقة نفوذ أمريكي هامة. وقد كشفت ويكي ليكس نحو ثماني برقيات من السفارة الأمريكية بالقاهرة تعبر عن انزعاج شديد للاستثمارات الصينية المزمعة بمصر في 2007. وفي العام التالي، توقفت جميع المشروعات الصينية في مصر. ولعل إسرائيل تقع ضمن نفس الخط الأحمر الأمريكي، أي ممنوع استثمارات صينية كبيرة في إسرائيل أيضاً. كذلك، يبدو أن السيسي تناسى قطع مصر علاقاتها بكوريا الشمالية، وقبولها هدية كوريا الجنوبية لمصر، والتي كانت عبارة عن فرقاطة تقوم بتدريبات في جنوب شرق آسيا (يعني: بحر الصينالجنوبي)، مع البحرية الكورية الجنوبية و الهندية، وهو ما يعني مشاركة مصرفي الحرب على الأمريكية على الصين. المسلمون.. قطع شطرنج أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن العالم يشهد حاليا إرهاصات حرب عالمية بين الصينوأمريكا قد تستمر 20 عاما، وللأسف،المسلمون هم مجرد قطع شطرنج في قلب تلك اللعبة، يشمل ذلك كل من الإيغور، الروهنجيا، سوريا، العراق، اليمن، إيران، أفغانستان، آسيا الوسطى، ولعل ما يؤكد ذلك هو دخول الكونجرس الأمريكي علىى خط ازمة اضطهاد الإيغور، حيث طالب 16 عضوا بالكونجرس الرئيس الأمريكي ترمب بتجميد ممتلكات الأفراد والهيئات الصينية المسئولين وحظر سفرهم. الصين ردت باستهجان الرسالة وطالبت أعضاء الكونجرس الذين يتلقون رواتبهم من دافع الضرائب الأمريكي أن يلتفتوا للشئون الداخلية. ما يبرهن أن المسلمون للأسف، صاروا مجرد قطع شطرنج، هو أن الصين التي تضطهد أقلية الإيغور المسلمة، تدافع عن "جيش محمد" الكشميري وسبق وهددت بالفيتو ضد طلب الهند اعتبار مؤسسه الباكستاني "مسعود أزهر" إرهابياً. جيش محمد مدعوم من "هيئة علماء الدين" في جمهورية باكستان الإسلامية، والتي كانت تدعم الجهاد في أفغانستان ضد السوفيت. والآن تعرض تلك الهيئة على الصين خدماتها لإقناع مسلمي تركستان الشرقية بالابتعاد عن التطرف والإرهاب (أي المطالبة بالانفصال). أي أننا أمام واقع يقول إن هناك 11 مليون مسلم من أويغور تركستان تضطهدهم الصين، وفي نفس الوقت هناك 10 مليون مسلم كشمير التي تحاول الصين تحريرها من الهندوس، ولا ننسى 1 مليون روهنجيا تمنع الصين توبيخ بورما على طردهم؟ فهل أصبح الإسلام السياسي دمية أو رياضة عالمية تتبارى الدول في اللعب بها؟